أخصائيون يخلدون اليوم العالمي للصحة النفسية.. ونسبة المصابين بالمغرب تعادل 48% (فيديو)
بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، نظمت عيادة الوادي اليوم مؤتمرا مخصصًا لمناقشة أحدث التطورات في مجال الصحة النفسية، وذلك بهدف تسليط الضوء على القضايا الرئيسية المتعلقة بالوقاية والعلاج النفسي باستخدام التقنيات الحديثة.
وعرف هذا المؤتمر مشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين في الصحة النفسية، بمن فيهم أطباء نفسيون وأخصائيون اجتماعيون، حيث تمت مناقشة استراتيجيات الوقاية، والتطورات التكنولوجية في العلاج النفسي، والنهج البيولوجي والاجتماعي لفهم ومعالجة الاضطرابات النفسية.
رقم “مهول”
أكد الدكتور جعفر إدريسي التفراوتي، طبيب نفسي ومدير عيادة الوادي، الأهمية الكبرى لهذا الحدث الذي يمثل فرصة للتفكير في التحديات التي تواجه الصحة النفسية على المستوى الوطني والعالمي. مشيرا إلى أن هذا اليوم، الذي بدأ الاحتفال به منذ عام 1992، يهدف إلى تطوير وضعية المرضى النفسيين عبر مقاربة تشاركية تدمج مختلف الفاعلين.
وأوضح الطبيب النفسي أن الإحصائيات تشير إلى أن 48% من المواطنين قد تعرضوا أو يعانون من اضطرابات نفسية صعبة، وهو ما يستدعي بذل جهود مضاعفة للحد من تفاقم هذه الحالات، وأضاف: “هذا الرقم يدق ناقوس الخطر، ما يحتم علينا العمل بجدية أكبر للتوعية بأهمية الصحة النفسية وضمان توفر الآليات الضرورية للوقاية من الأمراض النفسية ومعالجتها”.
وفي سياق متصل، نبه الدكتور التفراوتي إلى أن الميزانية المخصصة للصحة النفسية تبقى مهمة ويجب تعزيزها بشكل أقوى مشددا على ضرورة تعزيز الوصول إلى العلاج النفسي، مضيفا بالقول: “من واجبنا ليس فقط توفير العلاج، بل أيضاً نشر الوعي والتوعية بأهمية التعامل الجدي مع هذه المشاكل”.
الفئات الهشة تعاني ضغوط نفسية
كما أبرز مدير عيادة الوادي أهمية التقنيات الحديثة في تحسين الرعاية النفسية، مشيراً إلى أن العيادة استثمرت في وسائل علاجية متطورة، مؤكدا أن الشراكات التي أُبرمت مع مختصين عالميين مكنت العيادة من تبني أساليب جديدة في العلاج النفسي، ما يسهم في تقديم خدمات أفضل للمرضى.
وختم الدكتور التفراوتي تصريحه بالتأكيد على أن اليوم العالمي للصحة النفسية يمثل مناسبة هامة لتسليط الضوء على معاناة الأفراد الذين يعيشون في ظروف نفسية صعبة، داعياً إلى تكثيف الجهود لدعمهم وتوفير العناية اللازمة لهم.
من جهته، وفي ظل التحديات الاجتماعية المتزايدة، أكد محمد غرار، مرافق اجتماعي، الأهمية الكبرى لدور الأخصائيين الاجتماعيين في دعم الفئات الهشة التي تعاني من ضغوط نفسية قد تتطور إلى اضطرابات نفسية خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بشكل مبكر وفعال.
وفي مداخلته، أشار غرار إلى أن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تلعب دورا حاسما في تعميق معاناة هذه الفئات.
وأوضح المختص أن “الهشاشة السياسية وغياب الاستقرار السياسي الناتجان عن الحروب والنزاعات وضعف الثقة في السياسيين من بين أبرز الأسباب التي تزيد من حدة هذه الأوضاع”، مضيفا أن “الاقتصاد الضعيف، المبني على الريع والتضخم والمديونية، ينتج عنه ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما يزيد من الضغوط النفسية على الأفراد.”
وفيما يتعلق بالتفكك الأسري، أبرز المرافق الاجتماعي أن “الطلاق، سواء الرسمي أو العاطفي أو فقدان أحد الأبوين، يعتبر أحد العوامل التي تخلق مشاكل نفسية كبيرة داخل الأسر”، مشددا على أن كل هذه العوامل تعمق من معاناة الأفراد، ما يجعلهم يعيشون في حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي.
غرار أكد أيضا أهمية الوقاية في مواجهة هذه الأزمات، حيث يلعب الأخصائي الاجتماعي دورًا كبيرًا من خلال مواكبة هذه الأسر ما يمكن هذه الفئات من تجاوز الضغوط أو التأقلم معها، معتبرا أن “المعالج الاجتماعي يسهل التواصل مع مختلف الجهات المعنية، مما يساعد في تيسير عملية العلاج وتقديم الدعم اللازم”.
طابوهات المجتمع
وأشار محمد غرار إلى أن الوساطة الأسرية، التي تستهدف الأسر المتضررة، تلعب دورا حيويا في مساعدتها على تجاوز المشاكل اليومية وتعزيز استقرارها النفسي والاجتماعي.
وفي إطار الحديث عن التحديات التي تواجه الصحة النفسية، أكد الدكتور وديع الرندالي، طبيب نفسي، أن الأمراض النفسية لا تزال تُعتبر من المحظورات في العديد من المجتمعات، مما يزيد من صعوبة معالجتها والتوعية بها.
وأوضح الرندالي أن هذا الحاجز الاجتماعي يجعل من الضروري مضاعفة الجهود للتوعية بالأمراض النفسية، مشيرا إلى بروز أمراض نفسية أخرى تشمل أماكن العمل، حيث يمكن أن تؤثر الضغوط اليومية على الصحة النفسية للعاملين.
وأشار الدكتور الرندالي إلى أن اليوم العالمي للصحة النفسية يمثل خطوة جديدة لتسليط الضوء على هذه المشكلة، إذ يتم تصنيف الاضطرابات النفسية الناجمة عن ظروف العمل كأمراض مهنية، مضيفا أن هذا المفهوم لا يزال غير معروف بالشكل الكافي في المغرب، لكنه يأمل أن يتم التعرف عليه وتطبيقه بشكل أوسع في المستقبل.
وشدد الطبيب النفسي على أهمية دعم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ومواكبتهم بشكل مستمر لتجنب تفاقم حالتهم، مشددا على المساعدة الوقائية ضرورية للغاية، ويمكن تحقيقها من خلال نشر الوعي في ندوات مماثلة، كما أن استخدام الوسائل الحديثة مثل المقاطع المصورة يمكن أن يسهم في نشر المزيد من المعلومات حول هذه الظاهرة.
وسائل عصرية
ودعا الدكتور وديع الرندالي إلى ضرورة تكثيف جهود التوعية بالصحة النفسية، ليس فقط بين الأفراد، بل أيضاً في بيئات العمل، حيث يمكن أن تؤدي الضغوط المهنية إلى مشاكل نفسية خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بشكل مناسب.
وفي حديثها عن الدور المتزايد للتكنولوجيا في تحسين الصحة النفسية، أكدت الدكتورة أحلام ركيم، طبيبة نفسية، على أن الابتكارات التكنولوجية توفر حلولًا فعالة ومبتكرة لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية، مذكرة بأن العلاج باستخدام الواقع الافتراضي أصبح أحد أهم الأدوات الحديثة التي تساعد المرضى على مواجهة مخاوفهم والتغلب على مشاكلهم النفسية.
وأوضحت الدكتورة أن “العلاج بالواقع الافتراضي يتيح للمريض العيش في بيئة آمنة ومحكمة، مما يسمح له بمواجهة مخاوفه في ظروف خاضعة للتحكم الكامل، ويتعلم تدريجيًا كيفية التعامل مع مشاكله”، مشيرة إلى أن هذه الطريقة تمكّن المرضى من محاكاة مواقف مشابهة للواقع، مثل مواجهة الخوف من الأماكن المظلمة أو المرتفعة، وحتى معالجة مشاكل الإدمان على المخدرات.
وأضافت ركيم أن التكنولوجيا لا تقتصر على تمكين المرضى من التعافي بشكل تدريجي فحسب، بل توفر أيضًا فرصة للأطباء لمتابعة حالاتهم عن كثب، حيث يمكن للطبيب تسجيل ردود أفعال المرضى وتعبيراتهم أثناء جلسات العلاج، مما يسمح بمراقبة تطور الحالة وتعديل الاستراتيجيات العلاجية بناءً على تلك الملاحظات.
وأشارت في ختام تصريحها إلى أن العلاج بالتكنولوجيا، وخاصة باستخدام الواقع الافتراضي، يمثل مستقبلًا واعدًا في مجال الصحة النفسية، مؤكدة على ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية لتقديم أفضل رعاية ممكنة للمرضى.
المصدر: العمق المغربي