تحظى أطباق الشواء بمكانة مميزة في الثقافة المغربية، إذ تعد في كثير من المناسبات العائلية دليلا على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، حيث يحرص المغاربة على إعدادها بعناية وتقديمها للضيوف باعتبارها رمزا للاحتفاء والتقدير. كما يرتبط الشواء في الذاكرة الجماعية بالمواسم والأعياد، وعلى رأسها عيد الأضحى؛ مما يجعله طقسا اجتماعيا يرسخ الروابط الأسرية ويعزز الألفة بين الأفراد.
وفي المقابل، يظل الشواء مثار نقاش لدى المهتمين بالتغذية والصحة، إذ تُطرح من حين إلى آخر تساؤلات حول قيمته الغذائية وما قد يترتب عن استهلاكه من أضرار محتملة؛ وهو ما يفتح الباب أمام اختلاف المواقف بين من يعتبره تقليدا أصيلا وبين من يدعو إلى تناوله باعتدال وحذر.
الشواء بين المنافع والمضار
هيام اليوسفي، أخصائية في الحمية والتغذية، قالت إن “الشواء يحظى بمكانة كبيرة في الموروث الغذائي المغربي. وكما يوجد الطاجين ضمن الأطباق الأساسية، يحتل الشواء بدوره مكانة خاصة ويرتبط بالمناسبات الدينية والاجتماعية؛ وعلى رأسها عيد الأضحى، إذ يشكل جزءا من طقوس الاحتفال”.
وأضافت اليوسفي، في تصريح لهسبريس، أنه “من الناحية الغذائية، يمكن اعتبار الشواء صحيا وغير صحي في الوقت نفسه؛ فهو صحي إذا استُهلك بكميات معتدلة، خاصة أنه لا يحتاج إلى كمية كبيرة من زيت المائدة.. وبالتالي، فهذا الطبق مناسب للراغبين في إنقاص الوزن أو يعانون من بعض الأمراض؛ كارتفاع الكوليسترول”.
وفي المقابل، أكدت الأخصائية في الحمية والتغذية أن “من بين المخاطر المرتبطة بالشواء أنه عند تعريض اللحم أو الدجاج أو أي نوع من البروتينات الحيوانية للنار قد يحترق؛ وهو ما يؤدي إلى تكون مواد مسرطنة مثل ‘الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات’ و’الأمينات الحلقية غير المتجانسة”.
ونبهت المتحدثة عينها إلى أن “عدم طهي قطع اللحم أو ‘اللحم المفروم’ أو الدجاج بشكل جيد وبدرجة حرارة متجانسة قد يتسبب في تسممات غذائية، خاصة إذا لم تصل الحرارة إلى قلب القطع؛ وهو أمر شائع في بعض الحالات، خاصة إذا تم تناول الوجبة خارج المنزل”.
وللحصول على شواء صحي أكثر ولتجنب المخاطر المذكورة، قالت هيام اليوسفي: “من الأفضل تبخير قطع اللحم أو طهيها أولا في الفرن، ثم الاعتماد في الشي على جمر معتدل الحرارة وعدم تعريض اللحم المباشر للنار القوية، مع ضرورة إزالة الأجزاء السوداء المحترقة قبل تناول الشواء”.
الكمية وطريقة الطهي
محمد أدهشور، أخصائي في التغذية العلاجية والسريرية، قال إن “منظمة الصحة العالمية توصي بألا تتجاوز كمية استهلاك اللحوم الحمراء 150 غراما في الأسبوع؛ غير أن هذه الكمية يمكن أن يتناولها البعض في المغرب مرتيْن في اليوم”، مشددا على أن “هذا خطأ كبير يتمثل في الإفراط في استهلاك اللحوم الحمراء؛ الأمر الذي قد يتسبب في أضرار على مستوى الجهاز الهضمي، وقد يصل تأثيره إلى الإصابة بسرطان القولون أو الأمعاء”.
وأضاف أدهشور، في تصريح لهسبريس، أن “طريقة الطهي تلعب دورا مهما في أضرار اللحوم الحمراء؛ فالشواء على الفحم أو على النار يؤدي إلى إنتاج عناصر سامة بسبب التماس المباشر للحوم مع النار أو الدخان، وهو ما ينتج مواد مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات والأمينات الحلقية غير المتجانسة. وقد أثبتت الدراسات أنها تسبب مشاكل صحية عديدة تصل إلى السرطانات”.
وأوضح الأخصائي في التغذية العلاجية والسريرية أن “التعرض المباشر للدخان أو النار يعد السبب الرئيسي في هذه الأضرار، فضلا عن أن اللحوم الحمراء إذا لم تكن عضوية قد تحتوي على مواد تزيد من حدة الالتهابات داخل الجسم. لذلك، يجب الالتزام بكمية محدودة من استهلاك اللحوم الحمراء، خلال الأسبوع، لا تتجاوز 150 غراما”.
وأشار محمد أدهشور إلى أن “طريقة الطهي على النار تعتبر من أسوأ طرق تحضير اللحوم، ويفضل استبدالها بـ’الشواية الكهربائية’ التي لا تحتوي على لهب أو دخان كثيف؛ مما يقلل من أخطار الشواء، مع ضرورة تجنب وصول اللحم إلى درجة الاحتراق، لأن المادة السوداء الناتجة عن الاحتراق تشكل خطرا صحيا إضافيا”.
وأكد المتحدث عينه أن “من المهم تناول اللحوم الحمراء، خاصة المشوية، مع الخضروات، لما تحتويه من ألياف تساعد على الحد من امتصاص الجسم للعناصر الضارة الناتجة عن عملية الطهي، وتقلل من كمية المواد المسرطنة والمضرة بالصحة الموجودة في اللحوم”.
وختم أدهشور تصريحه بالتنبيه إلى أن “تناول الشواء يجب أن يكون من حين إلى آخر وليس عادة يومية؛ لأنه قد يسبب أضرارا صحية، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الكلى أو من ارتفاع حمض اليوريك المسبب لمرض النقرس، وكذلك عند من لديهم ارتفاع في نسبة الحديد في الدم، إذ ينبغي لهم تقليل استهلاك اللحوم الحمراء لأنها غنية بالحديد وقد تؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية”.
المصدر: هسبريس