أكد أحمد بوز، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الجديدة، جاء في سياق اجتماعي استثنائي مطبوع باحتجاجات شبابية واسعة وغير مسبوقة، تقودها فئة جديدة من المجتمع المغربي باتت تُعرف إعلاميا بـ”جيل Z”.
وقال بوز إن الخطاب كان محملا بإشارات واضحة إلى أن الدولة تتابع وتفهم ما يجري في الشارع، وتسعى إلى امتصاص الغضب لا بالصدام أو الإنكار، وإنما عبر الدعوة إلى إصلاحات هادئة وإعادة ترتيب الأولويات، مؤكدا أن الخطاب حرص على التهدئة أكثر من القطع مع السياسات التي أنتجت الأزمة.
ويرى بوز أن الخطاب تضمّن اعترافا صريحا بوجود اختلالات عميقة في العدالة الاجتماعية، وتجدد التأكيد على محاربة الفوارق المجالية كـ”رهان مصيري وتوجه استراتيجي”، لكنه في المقابل لم يذهب إلى حدود تسمية الجهات أو المسؤولين الذين تسببوا في فشل السياسات السابقة أو أعاقوا تنفيذها. ويضيف: “الملك دعا إلى محاربة الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والمال، وهي عبارة تحمل اعترافا ضمنيا بأن هناك فترات شهدت هدرا حقيقيا للفرص والإمكانات، لكن دون ربط هذا الاعتراف بأجندة واضحة للمساءلة أو تغيير عميق في طريقة اتخاذ القرار العمومي”.
جيل Z خارج الوسائط التقليدية
يؤكد بوز ضمن تحليل له لمضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان، أن ما يميز المرحلة الحالية هو غياب الوساطة السياسية التقليدية، إذ أن الاحتجاجات التي قادها الشباب مؤخرا لم تكن منظمة من طرف الأحزاب أو النقابات، بل جاءت من خارج هذه الإطارات، وهو ما يُعبر عن تراجع كبير في الثقة. ويقول: “الجيل الجديد يعبّر عن نفسه من خلال الفضاء الرقمي، وهو يراقب ويحاسب ويحتج من خارج المؤسسات، مما يطرح على الدولة تحديا كبيرا في كيفية استيعاب هذا الصوت الجديد الذي لا يقبل الانتظار ولا التبرير، ويريد تغييرا محسوسا في حياته اليومية”.
ومع ذلك، يلاحظ أستاذ القانون الدستوري، أن الخطاب الملكي لم يتضمن أي دعوة لتجديد أشكال الوساطة أو التفكير في أدوات سياسية جديدة، بل أعاد التأكيد على الأدوار التقليدية للأحزاب والبرلمان، مع دعوتها لاستعادة الثقة. وهو ما اعتبره بوز “رسالة واضحة بأن الدولة لا تزال تراهن على الوسائط القديمة رغم محدودية تأثيرها”.
تفاعل هادئ مع الشارع
في تعليقه على الشعار الاحتجاجي “ما بغيناش كأس العالم، الصحة أولا”، قال بوز إن الخطاب الملكي حاول الرد عليه بشكل غير مباشر، حين أكد الملك أن “لا تناقض بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية”، وهو ما اعتبره “توضيحا لنية الدولة، لكنه لا ينفي وجود أولويات غير متوازنة في الواقع الملموس”.
وأشار إلى أن الشباب لا يعارضون بالضرورة تنظيم تظاهرات كبرى أو إنجاز مشاريع استراتيجية، لكنهم يريدون أن يروا أثرا مباشرا لهذه المشاريع في حياتهم اليومية، سواء من خلال التعليم، الصحة، الشغل، أو السكن. الرقمنة: أداة تقنية أم رؤية سياسية؟ من بين النقاط التي توقف عندها الخطاب الملكي، دعوته إلى الاستثمار في الرقمنة من أجل تسريع وتيرة التنمية وتحسين الخدمات. لكن، بحسب بوز، فإن المقاربة المعتمدة لا تزال تقنية، في حين أن الجيل الجديد ينظر إلى الرقمنة من زاوية سياسية أيضا.
ويشرح ذلك بقوله: “الشباب يريدون دولة رقمية تتيح الشفافية، تفتح بياناتها، وتُخضع نفسها للرقابة الرقمية والمساءلة المواطنية. لا يهمهم فقط رقمنة الإدارة، بل رقمنة السياسة، أي تحويل الدولة إلى فضاء مفتوح يُدار بشكل حديث وشفاف”.
خطه الإصلاحي المعتاد
يرى أحمد بوز أن الخطاب حافظ على خطه الإصلاحي المعتاد، والذي يقوم على مبدأ الاستمرارية وإعادة ترتيب الأولويات من داخل النسق، لا القطيعة مع ما سبق. حيث تم التشديد على العمل المؤسساتي، وعلى أهمية تفعيل البرامج والتشريعات المفتوحة، لكن دون تقديم خارطة طريق لإصلاح شامل أو مؤسساتي.
ويقول بوز: “الخطاب لم ينكر الأزمة، ولم يهاجم المحتجين، بل حاول احتواء الغضب عبر التأكيد على أن الدولة واعية بالاختلالات، لكنها ما تزال تفضل الإصلاح المتدرج بدل المواجهة المباشرة أو التغيير الجذري. وهذا يخلق فجوة بين منطق الدولة ومنطق الجيل الجديد، الذي يريد التغيير الآن وهنا”.
واعتبر أحمد بوز أن خطاب الملك أمام البرلمان في 10 أكتوبر 2025 يعد خطاب اعتراف بالأزمة، لكنه ليس خطاب تحول كبير. فهو يُدرك عمق التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب، خاصة في علاقته بالشباب، لكنه في الآن ذاته يراهن على المؤسسات القائمة وعلى نفس الوسائط القديمة، دون تقديم رؤية سياسية متجددة تتلاءم مع الجيل الرقمي ومطالبه المتسارعة.
وخلص أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى أن “الدولة تعترف بالمشكلة، لكنها لم تصل بعد إلى قناعة بأن الحل يتطلب تغييرا في منطق الحكم، وتطويرا حقيقيا في أدوات السياسة ومقاربات التنمية. وهذا ما يجعل الشباب يشعرون بأنهم مسموعون، لكن دون أن يكون لهم صدى حقيقي في القرار”.
المصدر: العمق المغربي