فكّك الأكاديمي المغربي عبد النور خراقي، مدير مختبر التواصل التطبيقي رئيس خلية بحث في الدراسات الثقافية والترجمة بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة محمد الأول بوجدة، مفهوم الاستشراق الوبائي وجذوره القديمة، موضحا أن أبقراط، الملقّب بأبي الطب، هو “الذي كّرس أننا كشرق موبوؤون”، وأن نعت كورونا “بالفيروس الصيني” دليل على مساهمة الإعلام في تأجيج الخطاب العنصري خلال الأوبئة.

جاء ذلك في لقاء خراقي، الذي يعد أحد مترجمي كتاب “الاستشراق الوبائي” لمؤلفه ألكسندر وايت، إلى جانب الأكاديمي عبد الرحيم فاطمي، مع الإعلامي المغربي ياسين عدنان، في أحدث حلقات بودكاست “في الاستشراق” الذي يبث على “منصة مجتمع”.

الاستشراق الوبائي

أوضح خراقي، المترجم الحائز على جائزة المغرب للكتاب سنة 2015 وجائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز للترجمة عام 2022، أن “الاستشراق الوبائي معناه تلك الرؤية أو ذلك الخطاب الذي يتبناه الغربي حول الذات الأخرى، حول الشرق الذي هو دائما موبوء، هو دائما سقيم، هو دائما عليل، في مقابل الغرب الذي هو دائما معافى وسليم”. وهو بهذا المعنى “خطاب استعلائي، هو خطاب ثنائي كما هو الحال بالنسبة للاستشراق”.

وتفاعلا مع قراءة عدنان في أن العنوان يدل على “تفوق عرقي يرى الوباء موطنه الشرق، وهناك ذات وهناك ذات سليمة معافاة هي التي يخوّل لها أن تدير هذا المرض، هي التي يخوّل لها بعلمها، بمعرفتها، بسلطتها (…) وهناك كلمة رأس مال: أنا أدير هذه الأمراض ليس فقط بالمجان، أنا أدير هذه الأوبئة”، أكد خراقي أن هذا يعني “أنّك يجب عليك أن تدفع (…) يجب أن تدفع لأحميك، أحميك من كلّ شيء، أحميك من عدوّ، أحميك من وباء”.

وعن سبب ربط الاستشراق بالوباء، أورد ضيف “في الاستشراق” أنه “كان قديما ولا يزال، كان مع هيرودوتوس، كان مع هوميروس، هم الذين أسسوا للهمجية والتحضّرية، هم الذين قالوا بأن الفرس همج، وبأن الغرب متحضّر”.

أبقراط والاستشراق الوبائي

بعد ذلك، وفق المتحدّث نفسه، “يأتي العديد من الفلاسفة: أبقراط مثلا، أبو الطب كان يقول من ذلك التاريخ، هو الذي كرّس أننا كشرق موبوؤون، وأننا ضعفاء وغير شجعان، وأن الغرب سليم”، و”شجاع”.

وعن توسيع نظرية ألكسندر وايت حول الاستشراق الوبائي مدار إدوارد سعيد جغرافيا، ليتجاوز الشرق وآسيا إلى إفريقيا السوداء وأمريكا اللاتينية، أكد خراقي أن “هذا من مساهمات ألكسندر وايت”.

وزاد موضحا: “يقول في معرض حديثه عن نظرية سعيد إنّه استفاد منها أيما استفادة، ويقول إنّه أراد أن يوسّع أكثر لكي تشمل ليس فقط الصين واليابان والكوريتين، يعني الشرق والعرب، بل يجب أن تشمل كذلك إفريقيا. ألكسندر وايت إفريقيّ يعني إفريقيّ أمريكيّ، يعني يتحدث بحرقة في ذلك الكتاب”.

الإعلام والعنصرية والأوبئة

وقف خراقي عند “تأجيج الإعلام للعنصرية، للأوبئة”، مشيرا إلى المثال الذي أورده ياسين عدنان حول نشر عدد من الصحف الغربية صورا ساخرة للعلم الصيني، حيث استبدلت النجوم الصفراء المميزة لهذا العلم بصور لفيروس كورونا.

وقال: “إننا أمام قمة العنصرية، وما زلنا نذكر تصريحات الرئيس ترامب (China Virus) (الفيروس الصيني)”، مشيرا إلى أنه “يعني مباشرة أنه يحملها المسؤولية (الصين) عن الفيروس”.

بينما “الحقيقة إلى حدّ الآن لم نعرفْ أصل هذا الوباء، بل لم نعرفْ إلى حدّ الآن أصل الكوليرا، وباء الكوليرا الذي كان في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين”، وفق خراقي، مستحضرا أنه “كانت هناك نكات ضدّ الصين، كانت هناك سخرية ضدّ الصين، غير أن فولتير نفسه كان يسخر من الزنوج، كان ينعتهم بالقرود، ولعلّ ما يحدث في الملاعب، ملاعب كرة القدم، يردّني دائما إلى ذلك، هو الذي كان يضحك على السود ويسخر منهم وينعتهم بالقرود، فولتير، وما أدراك ما فولتير”.

وعن كيفية تعامل منظمة الصحة العالمية مع الأوبئة، لفت خراقي إلى أن المنظمة “قامت بما يجب، لا ننكر أفضالها؛ قامت بما يمكن القيام به”.

وقال: “في بعض الأحيان تتخلف عن تقديم مستحقاتها/المساهمات بعض الدول، فتربك عمل المنظمة؛ فتضطر (يعني المنظمة) أن تستجيب لبعض الأوبئة الآنية والضرورية وتترك بعض الأوبئة التي لا يمكن أن يُستجاب لها لأنها تتطلب أموالا كثيرة”.

لكن خراقي لم ينف أن منظمة الصحة العالمية في بعض الأحيان “تجد نفسها مضطرة فتدخل في لعبة قذرة، يعني يُضغط عليها”.

المصدر: هسبريس

شاركها.