اخر الاخبار

40 يوماً على غياب الانسان الوحدوي كمال العبد الشرافي

أمد/ رحل الدكتور كمال العبد الشرافي أبو “العبد” قبل اربعين يوماً ، مبكراً مثل كل ثائرٍ حالمٍ تظل عيناه شاخصتين تحدقان في حلمه الذي لم يكتمل، حزيناً أن شعبه ومنهم أبناء عائلته وأقاربه يُقتلون ويُبادون في غزة، رحل في وسط ضوضاء الموت التي تخطف الفلسطيني في كل مكان، كمال الشرافي مواليد مخيم جباليا عام 1955م، تعود جذور عائلته إلى بلدة هربيا قضاء غزة المحتلة عام 1948م، حيث هاجرت العائلة ووالداه إثر النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني واستقرت في مخيمات اللجوء والشتات والفقر بانتظار يوم العودة، رحل وحلمه في حالة انتظار العودة إليها.

هكذا الفلسطيني الثائر يموت وهو ينظر لموج البحر المضطرب الهائج، يموت وهو يمسك بحلمه حتى المشهد الأخير له في الحياة، لا يفارقه اليقين في أن الحلم سيغدو حقيقة لا محالة. رحل وهو يعرف أن ثمة طريقاً لم يكملها وخطواتٍ لم يسرها، لكن ثمة نهاية سيصلها شعبه.

عرفناه قائداً بوطنيةٍ بالغة، ومناضلاً من زمن ياسر عرفات والحكيم جورج حبش، والفدائي القويم أبي علي مصطفى، وأدركناه محاوراً وحدوياً في بيت الشرعية الفلسطينية عام 1996 حتى عام 2006 وشغل منصب رئيس لجنة الرقابة لحقوق الإنسان وعضو المجلس الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، حتى قبل أن يصبح وزيراً للصحة في الحكومة الفلسطينية، عام 2003 ووزيراً للتنمية الاجتماعية عام 2013، ومستشارا للرئيس محمود عباس ورئيس مجلس أمناء جامعة الأقصى ورئيس توحيدي للجامعة، كما لعب دوراً مهماً ومؤثراً في الوساطة بين حركة فتح وحركة حماس.

لم نره يوماً إلا ذاك الإنسان الذي تطيب الجلسات معه، ويتفتح الكلام وإياه، ومع ابتسامته التي ميزت محياه، إنه كمال الشرافي الذي ودعناه، ونحن نتقلب على جمرة الفقد الفادح، والخسارة الجسيمة، وعزاؤنا الوحيد ما ترك لنا من أمثولته الوطنية، وسيرته النضالية، التي ستظل عصية على النسيان أبداً، وفلسطين لا تنسى، ولن تنسى أحداً من فرسانها الشجعان، وهو الآن فقيدها الكبير الذي لم يبحث يوماً عن منصبٍ وجاه وهو الحاصل على درجة البكالوريوس في الطب سوى عمّا يهندم شؤون العمل الوحدوي الفلسطيني، حتى وهو في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي قبل دراسة الطب، ومن التاريخ نعرف ان الشرافي قد شارك في تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي ومركز الميزان لحقوق الإنسان، ما عزز سيرته النضالية فدائياً وقائداً في هذه السيرة مدافعاً عن الفقراء والمهمشين من خلال دوره الانساني والنقابي والتمثيلي والسياسي.

للفقيد الكبير مناقب عديدة سجلها في دروب الثورة، والعمل الوحدوي، وقد أشاد بها الرئيس أبو مازن في نعيه لهذا المناضل الوطني الفذ، وفي هذا النعي من كل مكونات الطيف السياسي الفلسطيني ما يؤكد بلاغة الروح الوطنية التي لا تخطئ رجالها وأكثر من ذلك ما يؤكد حقيقتها الوحدوية، التي لن ينال منها الخلاف السياسي مهما بلغت درجة حدته.

موجع كان وداع “كمال العبد الشرافي” بهذه السرعة, وبدون استئذان.

ماذا قلت لرفاقك يا قائدي قبل الرحيل؟ أي وصية أودعتها في عهدتهم؟ مذ ان وعيت رأيتك حكيماً تضمد جراح من كان يضرب الحجر الذي كان يعرف طريقه على الجنود المحتلين الذين كانوا يتمركزوا في قلب المخيم كنت تسعف الجرحى وتنقل المصابين وتعالجهم في منازلهم بأوقات منع التجول في الانتفاضة الأولى وقت أن كان النضال من أجل الكرامة والحرية.

ما أصعب هذا القائد النموذج. كان يريد وطناً والوطن ممنوع. يريد دولة والدولة مستباحة، يريد ديمقراطية في محيط أجازها بعضنا لمرة واحدة.

كان مشروعاً متحركاً ونهراً من الاسئلة يسابق الوقت طمعاً في الاجابات. كان يرفض الرد بالكراهية على من تكلست دماء الحقد تحت أظافرهم، منذ صغره كان يمتلك مواصفات قيادية ووعياً ثوريا,ً كان عاشقاً لفلسطين.

وحدوياً, كان حتى الرمق الاخير. لكنه ما استطاع أن يوحّدنا في حياته, فوحّدنا في نعيه من كل مكونات الطيف السياسي الفلسطيني.

أقيم بيت العزاء في غزة وفي رام الله وفي القاهرة وفي البيت الفلسطيني في صوفيا حيث درس وتصاهر وشُيّع إلى مأواه الأخير في المقبرة الرئيسية لمدينة بلوفديف ببلغاريا, حتى قيل همساً وجهراً إذا لم يكن النعي والتعزية استفتاءً على حب الفقيد وفكرته, فماذا تكون؟

كان لرحيلك المبكر طعم آخر في بلاد أدمنت طعم الخسارات والجنازات …لم تكن يوماً قبائلياً, ولا سيف منطقتك الجغرافي. كنت صوتاً صادقاً, وابتسامةً يحظى بها الجميع, كلما تخيلتها ظننت أني قد أراك غداً.

الان أيقنت أني لن أراك ثانية وقد سمعت شخصاً قال عنك ذات بوحٍ: إذا لم نتوحد الآن فمتى نكون؟

نسأل الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته، وأن يلهمنا وأهله وذويه وجماهير شعبنا الصبر والسلوان، وداعاً الانسان الدكتور كمال العبد الشرافي “أبو العبد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *