أمد/ تعلمت منذ أن تشكلت السلطة الفلسطينية بعد إتفاق “أوسلو” المنقوص نصا وروحا، أن ما يلفت إنتباه الكثير من النخب وبالذات الفلسطينيين منهم هي التمسك بالفروع لا الجذور، بحث النتائج لا الأسباب، تسليط الضوء على ما يطفو على السطح من شوائب وليس على من دفعها لذلك، نقاش ظاهر الاشياء وليس العمق المخفي والمُسبب…لا أعرف لماذا؟ ولكن يبدو لي ان المسألة مرتبطة بالتوجهات او والموقف، بمعنى أن الموضوعية في التحليل والتقدير تتلاشى امام الموقف المسبق

لنأخذ  أمثلة، معركة الطوفان وتداعياتها، السبب فيها هو وجود الإحتلال، وتداعياتها من حيث كل شيء بما فيه حرب الإبادة وسياسة التجويع سببها الإحتلال، ومن يدعمه في المجتمع الدولي وعلى رأسهم الغرب “امريكا واوروبا المنافقة”، والصمت العربي والإسلامي المريب…لكن بعض النخب تتحدث او تحاول ان تتهم المقاومة وحماس ووفدها المفاوض، بدل ان تشن حملة ضد الداعمين والصامتين على ما يقوم فيه الإحتلال من سياسة ممنهجة بهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر محاولة فرض الإستسلام على قوى المقاومة وعلى راسها القسام والمقاومة 

ومثال آخر، سوريا وما بعد سقوط النظام، وإستيلاء جهة محددة على الحكم دون غيرها نتيجة للدعم الإقليمي ولاحقا الدولي،  هذه الجهة أصبحت هي حكومة الأمر الواقع وعليها تقع كافة المسؤوليات في ان تكون سوريا لكل السوريين وبغض النظر عن مشاربهم الطائفية والمذهبية والقومية وعن توجهاتهم السياسية، لكن ماذا يقول بعض النخب في اي حدث يحدث في سوريا؟ فورا ينظرون لتداعيات الحدث وليس للحدث نفسه، في المسألة “الدرزية” مثلا، تداعيات الحدث هي دعوات “حكمت الهجري” و”وئام وهاب” وغيرهم، لكن الحدث هو عدم الثقة بالحكومة ومن يمثلها على الارض، خاصة أن المجازر التي حدثت في الساحل ضد “العلويين” “1700” قتيل بإسم محاربة فلول النظام شاهد حي، اي ان الأقليات ومن ضمنها “الدروز” متخوفين من طببعة النظام، ومن الدعوات للنفير بإسم “حي على الجهاد” عبر المساجد، وهنا ولعدم الخوض في التفاصيل، فالقصة تتعلق بالحكومة ومقدرتها على منع شيء إسمه “أقليات” عبر تحويل سوريا لكل السوريين، النظام السابق البائد والديكتاتوري…الخ، كان يقتل ويفجر خصومه وفق توجهاتهم السياسية وكان لديه جيش فيه كل الطوائف وأغلبه من “السُنة” وبغض النظر ان قيادته من لون طائفي، لكنه لم بقتل على الهوية لذلك كسب الأقليات في البداية، اما حكومة “الشرع” هذه فترى نفسها حكومة “سنية” وبعضهم يسميها “أموية” وهي قتلت وتقتل على “الهوية” والتواصل الإجتماعي ملي بالفيديوهات حول ذلك ، لكن الغريب أنه بدل الموضوعية في النقاش يخرج علينا قائد او نخبوي ويقول: وهل تؤيد من دعا للحماية الإسرائيلية؟…شيء يدعو للتندر والسخرية خاصة عندما يتوجه هذا السؤال لمن واجه كل من حاول النيل من المقاومة في لبنان وغزة وعلى رأسها حركة حماس والقسام

مثال آخر، ما يحدث في الضفة من الاسباب والنتائج، هو بحد ذاته مرتبط بطبيعة السياسة التي إختطها الرئيس “عباس”، لذلك لا يمكن الفصل بين ما يقوم فيه الإحتلال وبين طبيعة الرد على سياسة الإحتلال، وهنا أستطيع القول أن سياسة القيادة الرسمية الفلسطينية ومنذ فشل مؤتمر “أنابوليس 2007” والمفاوضات مع رئيس الوزراء السابق “أولمرت “2011 2012” ومجيء حكومة “نتنياهو”، بقيت كما هي دون اي تجديد، بل عمقت الإنقسام مع غزة، وأكثر من ذلك ضربت وحدة حركة “فتح” بعرض الحائط بإسم الشرعية الكاذبة، لذلك سياساتها تعتبر من اهم الاسباب لتغول الإستيطان و الإحتلال، وبخاصة انها بنت أساسات لا علاقة لها بالنضال والمقاومة حتى بما تناديه هي من مقاومة سلمية، بل السائد في التربية والبناء هو الفساد والرشوة والإنحطاط القيمي والوطني، ومع ذلك يخرج نخب وقيادات تتهم “الطوفان” بالتغول والتوحش الإحتلالي في الضفة

الموضوعية في تناول اي قضية مهمة، ولا اطلب التجرد من التوجه السياسي، ولكن، وهنا اشير للنخب التي ترى في نفسها انها “علييت النخبوية” موضوعيتكم تتطلب النظر للاسباب قبل ان تتحدثوا عن الظواهر التي خرجت للعلن بسبب تلك الاسباب، صحيح ان هذه الظواهر غير مقبولة ويجب ان لا تطفو على السطح، لكنها تبقى ظواهر يمكن معالجتها اذا ما عولجت الأسباب

أخيرا، هناك امامكم امثلة واضحة لا اعتقد ان عليها جدال، فمثلا “الثابت على الثوابت” دون فعل شيء يذكر بمفهوم مقاومة المحتل، أنظروا إلى الضفة والقدس وما يحدث وحدث فيهما عبر سنوات من سياسة الكلام والدبلوماسية وبلا فعل، والآن يقابل او يتماهى مع تلك السياسية، ذاك القابع في قصر “الشعب” في “دمشق” والذي يرفع شعار التغيير ب “القلب” للوصول للتمكين، او وفق المثل العربي القائل “اذا لم تستطيع محاربتهم فإنضم إليهم”، وبين التغيير ب “القلب” و “الإنضمام إليهم” تقف في الطريق عقبات، يسمونها الأقليات، ولأجل حمايتها، يجب كسر شوكتها وإذلالها وتحميلها جمائل الحماية، وفي نفس الوقت دفعها لطلب الحماية وبالطبع الحماية ستكون “إسرائيلية”، لأن خياراتها محدودة جدا، فإما الإستسلام أو ان تكون بلا كرامة ووجودها في الوطن هو نتيجة كرم الأغلبية الحاكمة وبمسمى “السنة”، وحقوقها تكفلها توجهات القائمين على الحكم في الميدان وليس وفق توجهات الحاكم في “القصر”، اي ان الحاكم في “القصر” وجوده مرتبط بإعطاء شذاذ الآفاق من مرتزقة أجانب ليفعلوا ما طاب لهم بإسم “الدين السني” وكما يفهموه او فهموه، أو ان تصبح خائن للوطن بطلب الحماية الإسرائيلية 

القصة أصبحت واضحة، تمكين الكيان الإسرائيلي عبر سياسة التغيير ب “القلب” وسياسة “الثابت على الثوابت”…النتيجة، أقليات مرتعبة خائفة مكسورة تشعر أنها غريبة عن وطنها فتذهب إلى أقصى الحدود للحماية، وتغول وسيطرة إستيطانية وإحتلالية، والقاسم المشترك بين الموقفين هي طريقة مواجهة الإحتلال، من خلال محاربة المقاومة وغريزة البقاء في الحكم وبغض النظر عما بقي من الوطن وشعبه تحت الحكم، هذا بإفتراض حسن النية، وعليه، نقول لمن يُغردون بعيدا عن الحقيقة، قولوا ما تشاؤون ولكن تابعوا ما يحدث في الميادين، هناك تكمن الحقيقة.

شاركها.