اخر الاخبار

يومًا سيسقط الظلم.. كما سقط جدار برلين!!

أمد/ لطالما بدت أنظمة الاستبداد عصيّة على السقوط، محاطة بجدران الخوف والقمع، ومسنودة بأجهزة تراقب العقول قبل الأجساد. لكنها، رغم جبروتها، تحمل في داخلها بذور فنائها. فكما انهار جدار برلين، رمز التسلط والقمع، رغم تحصيناته، فإن الاستبداد مهما اشتد وطال أمده، لن يكون مصيره سوى الانهيار أمام إرادة الشعوب.

إن التاريخ يعلمنا أن كل طغيان له نهاية، وأن الحواجز التي تُقام لمنع الحرية لا تدوم. فجدار برلين لم يكن مجرد إسمنت وحجارة، بل كان جدارًا يفصل بين فكرين، بين الحرية والقمع، بين الانفتاح والانغلاق. لكنه انهار عندما أدرك الناس أن إرادتهم أقوى من أي حائط، وأن الزمن لا يعود إلى الوراء. واليوم، في أماكن كثيرة، لا تزال جدران الاستبداد قائمة، لكنها، شأنها شأن جدار برلين، تحمل في داخلها شرارة سقوطها.

فالأنظمة المستبدة تعيش وهم الثبات، لكنها تغفل أن الاستبداد يراكم السخط، وأن القمع، بدلًا من أن يطفئ جذوة التمرد، يؤججها. فالمجتمعات التي تُحرم من حرية الفكر والتعبير، لا تموت، بل تنضج ببطء، حتى تأتي لحظة الانفجار. وكما لم يكن سقوط جدار برلين مجرد حدث عابر، بل نهاية مرحلة وبداية أخرى، فإن سقوط الاستبداد، حين يحين وقته، لن يكون مجرد تبدل في السلطة، بل تحولًا جذريًا في مسار التاريخ.

ولعل أعظم دروس انهيار جدار برلين هو أن الأنظمة القمعية لا تسقط بالقوة العسكرية فقط، بل تسقط عندما تفقد شرعيتها في عيون شعوبها، عندما ينكسر الخوف في القلوب، وحين يدرك الجميع أن القيد الذي يحاصرهم ليس قدَرًا محتومًا، بل جدارًا هشًا قابلًا للانهيار.

إن المجتمعات التي عانت من الاستبداد تدرك جيدًا أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الظلم كلما طال، زاد الوعي بضرورة مقاومته. ولذلك، فإن لحظة السقوط ليست مفاجئة كما يتصورها الطغاة، بل هي نتيجة طبيعية لمسار طويل من التراكمات، حيث يتلاشى الخوف، ويبدأ الناس في استعادة أصواتهم. وهذا ما يجعل الطغاة يرتعبون من أبسط تعبير عن الرفض، لأنهم يعلمون أن الكلمة الحرة، ولو همسًا، قد تتحول إلى هدير يجرفهم بعيدًا.

وفي عصر التكنولوجيا والثورة الرقمية، أصبحت أدوات القمع أقل فاعلية من السابق، حيث لم يعد بإمكان الأنظمة المستبدة احتكار المعلومات أو عزل الشعوب عن العالم. فوسائل التواصل الاجتماعي، رغم محاولات تقييدها، أضحت ساحة للتعبير، ومساحة لنقل الحقيقة، مما جعل الشعوب أكثر وعيًا بحقوقها، وأقل تقبلًا للخضوع والاستبداد.

قد يطول الزمن، وقد تبدو جدران الاستبداد أكثر صلابة من أن تهتز، لكنها ستسقط، كما سقط جدار برلين، وكما سقط كل نظام ظن أن بإمكانه أن يصادر حرية الإنسان إلى الأبد. لأن الشعوب لا يمكن أن تبقى أسيرة الخوف إلى الأبد، ولأن الحرية، مهما تعثرت، تجد طريقها دائمًا إلى النور. ولأن الإنسان بفطرته ينشد العدل والكرامة، فلا يمكن لأي جدار أن يحجبه عن سعيه الدائم نحو التحرر.

وإذا كان سقوط جدار برلين إيذانًا بنهاية حقبة، فإن سقوط الاستبداد سيكون بداية لعصر جديد، تُستعاد فيه الحقوق، وتُبنى فيه الدول على أسس العدالة والديمقراطية. لكن هذا لا يتحقق تلقائيًا، بل يحتاج إلى وعي مستمر، وجهود متضافرة، حتى لا يستبدل الاستبداد القديم بآخر يحمل ملامح جديدة، لكن جوهره لا يختلف. فالتاريخ لا يرحم أولئك الذين يكررون الأخطاء، ولا يمنح الفرصة مرتين لمن لا يدرك قيمة الحرية حين يحصل عليها.

لذلك، فإن المعركة ضد الاستبداد ليست مجرد مواجهة سياسية، بل هي أيضًا معركة فكرية وثقافية، تتطلب تفكيك العقلية التي تُنتج الطغاة، وزرع قيم الديمقراطية والمواطنة الحقيقية. فكما أن سقوط جدار برلين لم يكن مجرد إزالة لبناء إسمنتي، بل كان سقوطًا لفكر شمولي قائم على الإقصاء والقمع، فإن إسقاط الاستبداد لا يكون فقط بتغيير الحكام، بل بتغيير منظومة الاستبداد بأكملها، وبناء مجتمعات لا تقبل أن تُقاد بالخوف.

ختامًا، إن سقوط الاستبداد ليس مجرد احتمال، بل هو حتمية تاريخية، لأن إرادة الشعوب أقوى من أي نظام قمعي. وكما انهار جدار برلين في ليلة لم يكن أحد يتوقعها، فإن الطغاة سيجدون أنفسهم ذات يوم أمام لحظة الحقيقة، حيث لا ينفعهم القمع، ولا تحميهم جدرانهم، لأن ما بني على الظلم لا يمكن أن يصمد أمام المد الإنساني الباحث عن الحرية والحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *