يوماً ما.. ستُغادر منصبك أمد للإعلام

أمد/ يوما ما سيتم الاستغناء عنك من منصبك أو ينقلوك أو تتقاعد .. تلك هي سنة الله بأن الدنيا لا تدوم فهي متقلبة وسريعة الدوران .. حينها ستجد ثمار ما زرعته وغرسته في تعاملك مع الناس .. فعاملوا الناس بالحب والتواضع لأن الدنيا تزول ولا تبقى على حال لأحد مهما كان فهكذا هي الحياة ولتسألوا من سبقنا سيقولون لكم ما قاله الله : “وتلك الأيام نداولها بين الناس .
يوماً ما سيحين وقت المغادرة لن يُطلب منك رأي في القرار ولن تُمنح فرصة للتأجيل قد يكون استغناءً أو نقلاً أو تقاعداً يطرق بابك بهدوء هكذا هي سنة الحياة وهكذا هي الدنيا: لا تدوم على حال ولا تُبقي لأحد سلطاناً أو مكانة في لحظةٍ ما ستنظر إلى الوراء لا لتعد إنجازاتك فحسب بل لتتلمّس أثرك في قلوب الناس لن تتذكّر كثيراً عدد الاجتماعات التي أدرتها ولا الملفات التي وقّعتها بل ستتذكر وجوهاً ابتسامات كلمات طيّبة وأياد أمسكت بك يوم مالت عليك الدنيا .
حينها فقط سترى ثمار ما زرعته : هل زرعت محبة؟هل غرست التواضع في تعاملك؟هل كنت معيناً لا متكبّراً؟تلك هي الأسئلة التي ستبقى تتردد في وجدانك بعد أن تضع كرسيّك خلفك وتمضي عاملوا الناس بحبّ ببساطة بتواضع بصدق لا ينتظر مصلحة وباخلاق لا تتبدل بتبدّل المناصب فالدنيا لا تُعطي وعداً بالبقاء بل كل ما فيها مؤقت المناصب الألقاب الشهرة المجد .. كلها سراب إن لم يُقرن بأثر طيّب في القلوب ولكم فيمن سبقكم عبرة اسألوهم سيقولون ما قاله الله عز وجل : “وتلك الأيام نداولها بين الناس ” فمن ملك اليوم قد يُصبح غداً من الذكرى .
ازرعوا ما تحبّون أن تجدوه يوم تتركون كل شيء خلفكم…ففي النهاية وحده “الأثر” هو الباقي
يوماً ما.. ستُغادر منصبك ….يوماً ما طوعاً أو كرهاً ستُغادر منصبك.
قد يكون ذلك بنقلٍ إداري أو استقالة أو تقاعد يقرّره الزمن دون استئذان وربما قرارًا فوقيًّا لا يمنحك فرصة التبرير أو الرفض وحين تُغلق خلفك باب مكتبك الأخير ستدرك أن المنصب لم يكن يومًا ملكًا لك بل أمانة أُودِعت بين يديك فإما أن تكون قد أديتها بحقّ أو فرّطت فيها بشيء من الغفلة والغرور إن سُنّة الله في خلقه أن ” لا شيء يدوم ” ولا منصب يبقى ولا سلطة تستمر ولا مجد يتجذّر إلا ما كان لله وفي سبيل الناس الدنيا دُوَل والأيام تتقلّب والمناصب .
ففي يومٍ ما ستكون جالسًا في منزلك تسمع أخبار مؤسستك السابقة من بعيد ترى من يخلفك يتبوّأ الكرسي ذاته الذي جلست عليه يومًا ربما بقرارات تُعجبك وربما لا لكنك لن تملك التدخّل لأن الدور لم يعد دورك والساحة لم تعد لك فماذا سيبقى بعدك؟ لن تبقى التواقيع التي وضعتها ولا الأوامر التي أصدرتها ولن تُذكر الألقاب التي حملتها إلا عرضًا في أرشيفٍ يُطوى بمرور الزمن .
لكن سيبقى شيء واحد : أثرك في قلوب الناس .
هل كنت عادلًا في قراراتك؟
هل كنت متواضعًا في علاقتك بمرؤوسيك؟
هل قابلت الخطأ بالنُصح لا بالتوبيخ واستقبلت النجاح بتشجيع لا بتقليل؟
هل فتحت صدرك لمن لجأ إليك طالبًا حقًا أو مساندة؟
هل تركت خلفك سيرة طيبة يرددها الناس غيبًا ودون مجاملة؟
إن الكرسي لا يصنع الهيبة بل الأخلاق .
والسلطة لا تمنح المجد بل حسن التدبير وصدق النيّة وطهارة اليد .
وقد قالوا إذا أردت أن تعرف قيمة مسؤولٍ ما فانظر كيف يتركونه الناس بعد رحيله لا كيف صفقوا له عند قدومه عاملوا الناس بالحُبّ والتقدير فالعلاقات الإنسانية أبقى من الصلاحيات الوظيفية تواضعوا فإن الكبرياء وهمٌ زائل وعلوّ المنصب لا يعلو على جوهر النفس .
اغرسوا الخير فإن للزرع موعدًا مع الحصاد وأيُّ زرعٍ أعظم من الدعاء الصادق ممن خدمتموهم بضمير؟ وفي لحظة الصمت بعد الرحيل ستسمع صوت ضميرك بوضوح فإن كان نقيًّا ناعمًا مطمئنًا فذاك هو النجاح الحق وإن كان مُثقلًا بالندم فما أغنى عنك المنصب حينها فهي الحياة تسير وتُعلّم تُعطي وتمنع ترفع وتخفض ولا يبقى فيها إلا وجه الله والعمل الصالح
فكن ممن يزرعون الطيب ليرثوا السلام حين ينتهي المشوار .
في الختام
تذكّر دوما المنصب لا يدوم لكن الأثر يدوم والقوة إلى زوال لكن الكلمة الطيبة لا تموت فاختر لنفسك ما تحب أن يُقال عنك بعد غيابك واعمل اليوم كما لو أنك راحل غدًا .
باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية