أمد/ وشانطن: أعلن وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث يوم الجمعة، عن اتفاق بين الولايات المتحدة ودولة قطر لبناء منشأة مخصصة لتدريب القوات الجوية الأميرية القطرية في قاعدة ماونتن هوم الجوية بولاية أيداهو، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
وجاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي عقده هيغست في البنتاغون مع وزير الدفاع القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني. وقال هيغسيث إن المنشأة الجديدة “ستستضيف وحدة من طائرات F15 القطرية والطيارين لتعزيز تدريبنا المشترك، وزيادة الكفاءة القتالية، وقابلية التشغيل البيني. إنه مجرد مثال آخر على شراكتنا”.
ليست قاعدة قطرية
وتبع الإعلان موجة واسعة من الانتقادات تداولها نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت وزير الدفاع بيت هيغسيث إلى نشر توضيح على منصة X أكد فيه أن “المنشأة ليست قاعدة عسكرية قطرية، ولا أي شيء يشبه القاعدة”، مشدّداً على أن “الولايات المتحدة تحتفظ بالسيطرة الكاملة على القاعدة، كما هو الحال مع جميع شركائنا”.
وأوضحت المتحدثة باسم القوات الجوية آن ستيفانيك أن المنشأة ستضم “عمليات السرب وحظائر الطائرات للطائرة F15QA، لأن هذه هي النسخة القطرية من الطائرة التي اشتروها من خلال برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية”. وشدّدت على أن “القاعدة تبقى أمريكية بالكامل”.
تفاصيل الاتفاقية وطبيعة التعاون
وتعود جذور الاتفاقية إلى عام 2017، حين قررت قطر شراء طائرات F15QA ضمن برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية الأمريكي.
وبدأت المناقشات حول تدريب الطيارين القطريين بعد ذلك بفترة وجيزة. وبدأ العمل على التقييم البيئي لموقع القاعدة في عام 2020، وتم الانتهاء منه في 2022.
وستُموّل قطر تكاليف بناء المرافق الجديدة، التي ستنفّذها أطقم بناء محلية، مع توقع توظيف عمال من المجتمع المحلي لدعم عمليات التدريب. وستظل الولايات المتحدة مسؤولة بالكامل عن الأمن في القاعدة، وسيُطلب من جميع الأفراد بمن فيهم القطريون إبراز أوراق اعتماد رسمية للدخول.
موقع استراتيجي لتدريب الطيارين
وتقع قاعدة ماونتن هوم الجوية على بعد نحو 50 ميلاً (80.47 كيلومترًا) جنوب شرق بويز، عاصمة ولاية أيداهو، على هضبة صحراوية مرتفعة بين سلسلتين جبليتين، ما يجعلها مثالية لتدريب الطيارين المقاتلين بفضل اتساع المساحات المحيطة.
وتُعرف القاعدة باسم “قاعدة المقاتلات”، وتضم الجناح المقاتل 366، الذي يضم أكثر من 50 طائرة من طراز F15E Strike Eagle، بالإضافة إلى ثلاثة أسراب مقاتلة: سرب المقاتلات 389 Thunderbolts، وسرب المقاتلات 391 Tigers، وسرب المقاتلات السنغافوري 428 Buccaneers. كما تستضيف القاعدة سرب مراقبة جوية وسرباً من الحرس الوطني الجوي.
ويبلغ إجمالي عدد العاملين في الجناح المقاتل نحو 5100 فرد بين عسكريين ومدنيين، إضافة إلى 3500 من أفراد الأسرة.
انتقادات سياسية واتهامات قديمة
أثار الإعلان ردود فعل غاضبة من بعض الدوائر السياسية، أبرزها من الناشطة اليمينية لورا لومر، الحليفة المقربة من الرئيس دونالد ترامب، وكتبت على X: “لم أكن أتوقع أبدًا أن أرى الجمهوريين يمنحون المسلمين الممولين للإرهاب من قطر قاعدة عسكرية على الأراضي الأمريكية حتى يتمكنوا من قتل الأمريكيين”.
وأضافت: “لا أعتقد أنني سأصوت في عام 2026. لا أستطيع بضمير مرتاح أن أقدم أي أعذار لإيواء الجهاديين. هذا هو المكان الذي أرسم فيه الخط”.
ويعود جزء من هذه الانتقادات إلى تصريحات سابقة لترامب نفسه، إذ قال في عام 2017 إن “دولة قطر، للأسف، كانت تاريخياً ممولة للإرهاب على مستوى عالٍ جداً”، وذلك خلال أزمة خليجية شملت حصاراً من السعودية والإمارات ومصر والبحرين لقطر بسبب اتهامات بدعم جماعات إسلامية متطرفة. ونفت قطر مراراً تمويل الإرهاب.
التعاون العسكري جزء من شراكة استراتيجية أوسع
يأتي هذا الإعلان في سياق تعميق العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر، التي تعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتستضيف قطر قاعدة العديد الجوية، التي يخدم فيها نحو 10 آلاف فرد، ما يجعلها أكبر منشأة عسكرية أمريكية في المنطقة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قادة من حركة حماس في الدوحة، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً “يضمن أمن دولة قطر”. كما قبلت الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام طائرة بوينج 747 كهدية من العائلة المالكة القطرية، قُدّرت قيمتها بنحو 400 مليون دولار، وقال ترامب إنه ينوي تحويلها إلى طائرة رئاسية.
ومن المقرر أن تُسلّم الطائرة إلى مكتبة ترامب الرئاسية المستقبلية بعد مغادرته البيت الأبيض في يناير 2029.
وأكد متحدث باسم البنتاغون أن هيغسيث قبل الطائرة “وفقًا لجميع القواعد واللوائح الفيدرالية”، رغم انتقادات من الديمقراطيين وآخرين وصفوا الهدية بأنها “تبدو وكأنها رشوة”.
كما توسعّت أعمال عائلة ترامب في الشرق الأوسط، بما في ذلك منتجع غولف في الدوحة بالشراكة مع الذراع العقارية لصندوق الثروة السيادي القطري، وفندق وبرج ترامب الدولي في دبي، وبرج ترامب في جدة، وفندق قيد الإنشاء في مسقط.
التدريبات الدولية ممارسة شائعة
وأشارت ستيفانيك إلى أن اتفاقيات التدريب مع الحلفاء ليست استثنائية، بل “شائعة في الولايات المتحدة”. فمنذ عام 2008، تستضيف قاعدة ماونتن هوم سرب المقاتلين السنغافوري 428. كما تدربت القوات الجوية الألمانية لعقود في قاعدة هولومان الجوية في نيو مكسيكو، وتم الانتهاء العام الماضي من مرافق جديدة لتدريب طياري F35 الدوليين في قاعدة إيبينج الجوية في أركنساس.
وأكدت أن “هذه الشراكة ستوفر فرص تدريب متقدمة وتعزز الاستعداد التشغيلي المشترك لبلدينا”.
وأعاد بعض المنتقدين إلى الأذهان حادثة إطلاق النار في قاعدة بينساكولا الجوية البحرية بفلوريدا عام 2019، حين قتل ضابط تدريب سعودي ثلاثة أمريكيين وأصاب آخرين.
وبعد التحقيق، أعادت الولايات المتحدة 21 طالباً عسكرياً سعودياً إلى بلادهم لارتباطهم بمواد جهادية أو محتوى غير قانوني على الإنترنت.
قطر توضح
أكدت قطر أنها لن تشيد أي قاعدة عسكرية لها على الأراضي الأمريكية وأنها ستغطي التكاليف فقط، في إشارة إلى مركز في ولاية أيداهو الأمريكية لتدريب الطيارين القطريين
وقال المتحدث باسم السفارة القطرية في واشنطن في بيان نشر على منصة “إكس”: “لن تكون هذه قاعدة جوية قطرية، وإنما قدمت قطر تعهدا أوليا لمدة 10 أعوام لبناء وصيانة منشأة مخصصة داخل قاعدة جوية أمريكية”.
وأضاف المتحدث: “تهدف المنشأة إلى التدريب المتقدم وتعزيز التشغيل المتبادل في الدفاع عن مصالحنا المشتركة في جميع أنحاء العالم”.
وذكر البيان إن المشروع سيخلق مئات الوظائف للأمريكيين وأضاف أن التخطيط بدأ قبل عدة سنوات وحصل على الموافقة المحلية.