وزير الخارجية المصري يكشف تفاصيل حول إدارة غزة: الأمن والإعمار والحكم

أمد/ القاهرة: كشف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في حوار مع قناة “الشرق”، تفاصيل الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة والتي وصفها، بـ”المتكاملة”، وعرض الرؤية التي وردت في الخطة لقضايا إدارة القطاع ومعالجة الفراغ الأمني، وما دار في اجتماع الدوحة مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وتفاصيل المؤتمر الذي تستضيفه القاهرة نهاية أبريل بشأن إعادة الإعمار.
وأعرب عبد العاطي، خلال لقاء مع “الشرق” أجرته سحر الميزاري في مكتبه بالقاهرة، عن تقديره لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة، بأنه “لا أحد يريد طرد الفلسطينيين من أراضيهم”، موضحاً أن لقاء اللجنة السداسية العربية مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الأربعاء، في الدوحة، شهد الاتفاق على أن تكون الخطة العربية “هي الأساس لإعادة الإعمار في القطاع”.
وبشأن انتشار قوة دولية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، حسبما ورد في نص الخطة، أشار عبد العاطي في حديثه لـ”الشرق” إلى أن ذلك لـ”التأكيد على الترابط بين الضفة والقطاع”، وذلك “ضمن الخطوات الملموسة المتخذة على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية”، كما كشف تفاصيل اعتزام القاهرة تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بالتنسيق مع الأمم المتحدة والبنك الدولي، في نهاية أبريل المقبل.
وبشأن الملف السوداني، شدد وزير الخارجية المصري على أن مصر تعتبر مسألة تقسيم السودان “خطاً أحمر”، كما نصح الإدارة السورية الجديدة بضرورة عدم إقصاء أي طرف، وتوفير الضمانات والحماية لكل الأقليات والمجموعات العرقية والإثنية والدينية، لافتاً إلى أنه “لا بد من التعامل مع قضية المقاتلين الأجانب”.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
■ عدتم للتو من اجتماعات هامة في الدوحة مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ما الموقف الأميركي الراهن حيال الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار قطاع غزة؟
الموقف الأميركي موقف متطور، كلنا استمعنا (الأربعاء)، إلى تصريحات الرئيس ترامب بأنه لا حاجة ولا ضرورة على الإطلاق لطرد سكان القطاع من أراضيهم. وهذا تطور شديد الأهمية، ونحن نقدر أهمية هذا التصريح في هذا التوقيت. وهذا هو الموقف الذي لطالما كنا نطالب به كمصر وكدول عربية وإسلامية، بأنه إذا كانت هناك معاناة إنسانية وكارثة إنسانية على أرض الواقع في قطاع غزة، فهناك إمكانية للتعامل معها دون حاجة إلى نقل السكان خارج أراضيهم وخارج وطنهم الأم. وبالتالي الموقف الأميركي يتحرك بشكل إيجابي.
وكما ذكرتِ، كان هناك لقاء بين اللجنة السداسية العربية مع السيد ويتكوف، وكان اللقاء بنَّاءً وهاماً، تبادلنا خلاله الرؤى ووجهات النظر حول إعادة الإعمار، وهو استمع بشكل جيد للغاية، وصدر بيان مشترك أعتقد أنه يمثل أيضاً خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، حيث تم الاتفاق على التشاور وتنسيق المواقف فيما يتعلق بالخطة العربية الإسلامية لإعادة الإعمار، وأن تكون هذه الخطة هي الأساس لإعادة الإعمار، وهذه تطورات محمودة وإيجابية.
■ في إطار الحديث عن التنسيق والمشورة بين الجانبين العربي والأميركي، ما المقترحات التي قدمها الأميركيون لتحسين الخطة المصرية العربية الإسلامية؟
الخطة في الجانب الفني منها متكاملة، تجيب عن الأسئلة المطروحة فيما يتعلق بعملية إعادة الإعمار، وتتضمن أطر زمنية ومراحل محددة، مرحلة أولى للتعافي المبكر، وهي الأكثر أهمية وإلحاحاً في الوقت الراهن، حتى نستطيع إيجاد مأوى مؤقت لسكان القطاع المتواجدين في العراء ممن فقدوا منازلهم.
الخطة تتضمن أيضاً إجابات محددة عن الأسئلة المطروحة. وهناك ملفات أخرى إلى جانب الملف الفني الخاص بإعادة الإعمار وعدم الحاجة لنقل السكان خارج أراضيهم في وقت تنفيذ التعافي المبكر أو إعادة الإعمار، وهناك مسائل أخرى تتعلق بقضايا الحوكمة وقضايا الأمن في قطاع غزة.
شرعية واحدة وسلاح واحد
■ البعض رأى أن بيان القمة العربية الطارئة كان مفصلاً فيما يتعلق بإعادة الإعمار، لكنه لم يحسم مستقبل حركة “حماس” وسلاحها، ومن الذي يحكم القطاع، وتابعنا التطور اللافت بعقد مباحثات مباشرة بين الولايات المتحدة و”حماس”، هل حضرتم هذه المباحثات وهل ستؤتي ثمارها؟
أولاً، غير صحيح أن الخطة التي اعتمدت عربياً وإسلامياً، لم تتطرق إلى قضايا الحوكمة وقضايا الأمن. كان مطلوباً أن نعالج هذه المسألة، وبالتأكيد لا يمكن تنفيذ الخطة على أرض الواقع بدون توافر ظروف محددة أهمها استدامة وقف إطلاق النار، وهذه مسألة شديدة الأهمية. لأنه إذا عاد العدوان على القطاع مرة أخرى، فلا حديث عن إعادة الإعمار أو التعافي المبكر. وبالتالي مسألة تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتأكيده شديدة الأهمية وفقاً لما تم الاتفاق عليه بوجود 3 ضامنين الولايات المتحدة ومصر وقطر.
والمسألة الثانية، هي من سيدير القطاع، والمسألة الثالثة كيفية ملء الفراغ الأمني في القطاع، وهاتان المسألتان تم التطرق إليهما بشكل عام في التقرير المرفق بالخطة، والإجابة كانت واضحة: فيما يتعلق بالحوكمة، نحن نتحدث عن لجنة خاصة بإدارة قطاع غزة تتكون من 15 شخصاً من الشخصيات الفلسطينية من سكان القطاع من التكنوقراط ممن لا علاقة لهم بأي من الفصائل الفلسطينية، وهذا أمر شديد الوضوح. هذه اللجنة ستتولى إدارة القطاع لفترة زمنية محددة.
■ هل من أسماء أو شخصيات فلسطينية بعينها يمكن تسميتها بشأن قيادة المرحلة المقبلة في قطاع غزة؟
لن أدخل في تفاصيل هذه الأسماء.
■ لكن لجنة الإسناد بمباركتكم
وبمباركة فلسطينية فلسطينية، وتم التفاهم بشأنها بين الأطراف الفلسطينية المعنية، وبالتالي هي محل توافق من الفصائل الفلسطينية، ومع أنها محل توافق لكنها هي غير فصائلية، إذ لا يوجد أي فرد من أعضاء اللجنة ينتمي إلى فصيل بعينه لأنها لجنة تكنوقراط كما تحدثت. هذه اللجنة ستتولى إدارة شؤون القطاع لمدة 6 أشهر فقط.
وبالتوازي مع تولي اللجنة مهام عملها في القطاع يتم تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفلسطينية، لأن الأصل هو انتشار السلطة الفلسطينية في قطاع غزة تأكيداً للارتباط الموضوعي بين الضفة الغربية والقطاع، باعتبار أنهما الإقليم المستقبلي للدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها.
أيضاً تضمنت الخطة حديثاً واضحاً للغاية عن الاعتماد على الإدارات التابعة للحكومة الفلسطينية. الحكومة الفلسطينية موجودة على أرض القطاع الآن، إذا كنا نتحدث عن إدارة المياه عن إدارة الكهرباء عن الإدارات المحلية، كل هذه الإدارات موجودة داخل قطاع غزة وتتبع الحكومة الفلسطينية.
ما نريد أن نركز عليه أن هناك فترة انتقالية ستتولى هذه اللجنة فيها مهامها، وبالتزامن يتم نشر السلطة الفلسطينية لتتولى مهام الإدارة والحكم.
فيما يتعلق بقضية الأمن تحدثنا عنها بشكل واضح، هناك عناصر شرطة فلسطينية موجودة داخل قطاع غزة وتتبع السلطة الفلسطينية وتتقاضى رواتبها من السلطة الفلسطينية، كل ما علينا هو إعادة تدريب هذه القوات الموجودة بالفعل في غزة لتتولى قضية الأمن والاستقرار وإنفاذ القانون. وهناك مجموعة من الأسماء التي وردت إلينا وتمت مراجعتها أمنياً وسيتم البدء في تدريبها وهم مجندون جدد، ليتم نشرهم داخل القطاع لملء الفراغ الأمني.
ومقررات القمة العربية الطارئة في القاهرة واضحة، وتتحدث عن إمكانية تشكيل قوة دولية أيضاً، لتكون موجودة ولكن ضمن مرجعيات وضمن ظروف وشروط محددة.
■ فيما يتعلق بدعوة القمة الموجهة لمجلس الأمن لنشر قوات دولية في قطاع غزة، ما السيناريوهات، وما المتوقع في هذا الشأن؟
المتوقع أن تكون هناك قوة دولية موجودة على أرض الواقع تنتشر ليس فقط في قطاع غزة ولكن أيضاً في الضفة الغربية مرة أخرى للتأكيد على الترابط العضوي والموضوعي بين الضفة والقطاع. نتحدث أيضاً عن أن تكون هذه القوة أحد مهامها الأساسية هي توفير الأمن والحماية للشعب الفلسطيني، والبيان الختامي تحدث أيضاً عن توفير الحماية للطرف الآخر.
■ في تقديركم، هل نشر قوات سلام أو حفظ سلام أممية سيحدث قريباً؟
مرة أخرى ستكون هذه القوة في إطار الإعداد والتحضير لتجسيد الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، وبالتالي توجد مشاورات سيتم البدء بها للنظر في التوافق على نشر هذه القوة، ولكن مرة أخرى أقول وأؤكد أنها ستكون ضمن الخطوات الملموسة المتخذة على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية.
■ بالنسبة للقاءات حماس والإدارة الأميركية في الدوحة، هل حضرتم هذه اللقاءات؟ وكيف تنظرون إلى ما يبدو وكأنه قبول أميركي لبقاء حماس في القطاع منزوعة السلاح، وألا تشارك كحزب سياسي ربما، كيف تنظرون إلى هذه المحادثات؟
هذا أمر يُسأل فيه الجانب الأميركي، هذه قناة بين الولايات المتحدة وتمت مع شخصيات من حركة “حماس”، ومبعوث الولايات المتحدة للرهائن آدم بولر هو الذي تحدث في هذا الأمر. نحن لم نحضر.
■ يبدو أن هناك توافقاً عربياً على معالجة موضوع السلاح في غزة، ومصير قيادة “حماس”، هل شرعتم في المطلوب عربياً من الحركة؟ هل بدأتم الحديث معها؟
الحوار مستمر، وخاصة الحوار الفلسطيني الفلسطيني وهو أمر شديد الأهمية، أن تتوافق الفصائل الفلسطينية، وأن ترتقي إلى مستوى التحديات، لأن هناك تحديات وجودية تهدد بتصفية القضية الفلسطينية. بالتالي لابد من إعلاء المصلحة الوطنية وإعمال العقل والمنطق فيما يتعلق بكل الملفات المطروحة، وأن يكون هناك توافق فلسطيني فلسطيني كما ذكرت حول القضايا الهامة الخاصة بالحوكمة والخاصة بالأمن.
بيان القمة العربية الطارئة تحدث عن إقامة دولة فلسطينية وأن يكون هناك شرعية واحدة وسلطة واحدة وسلاح واحد، وهذا كان وارداً في البيان الختامي، وهذا أمر مهم جداً ويتعين أن نعمل سوياً على أن يكون هناك تفاهم فلسطيني فلسطيني في هذا الإطار.
“ليس مشروعا تجارياً”
■ جزء من الجهود المصرية المهمة المنتظرة هو إعادة إعمار غزة والمؤتمر المنتظر بهذا الشأن، والحديث هنا عن تكلفة تقدر بـ 53 مليار دولار خلال 5 سنوات، هل توجد وعود من الدول المانحة شجعتكم على إقامة هذا المؤتمر. هل من مبالغ سيتم اعتمادها؟ ومتى سيتم عقد هذا المؤتمر بالتحديد؟
هذا المؤتمر مخطط له في أواخر شهر أبريل المقبل، لدينا تاريخ محدد، ولكن أولاً نتشاور مع الأطراف التي ستكون مستضيفة للمؤتمر، إضافة إلى الجانب المصري، لأنه لن يكون مؤتمراً مصرياً سيكون مؤتمراً دولياً، سيكون هناك العديد من الأطراف الإقليمية والدولية المضيفة لهذا المؤتمر، على رأسها بالتأكيد الدولة والحكومتين المصرية والفلسطينية.
ولدينا أطراف دولية في مقدمتها الأمم المتحدة، وننسق بشكل مباشر مع مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، ولدينا البنك الدولي، وأطراف إقليمية وأخرى أوروبية مثل الاتحاد الأوروبي والنرويج، هناك أطراف عديدة أبدت استعداداً ورغبة في أن تكون أطرافاً مضيفة إلى جانب الطرف المصري، وهذا أمر نشجعه.
هناك اتصالات مع أطراف مانحة أخرى كاليابان ودول أوروبية ودول غربية ودول عربية، ونتحدث مع الجميع، والآن التركيز منصب على الجوانب الموضوعية والجوانب الإجرائية.
هناك ورقة مفاهيمية يتم تطويرها بالتنسيق الكامل مع الأمم المتحدة والبنك الدولي، وسيكون الحديث منصباً على كيفية تفعيل ما نصت عليه القمة العربية الطارئة في القاهرة، وذلك فيما يتعلق بإنشاء صندوق ائتماني دولي، لإيداع التعهدات المالية التي ستعلن عنها الأطراف المانحة. وسيتولى هذا الصندوق مجلس أمناء من الأطراف المانحة لإدارة الأموال والإنفاق على خطة إعادة الإعمار، وسيكون هذا الصندوق دولياً ومرتبطاً بإحدى المؤسسات الدولية.
■ هل وعدت الدول المانحة مصر بمبالغ معينة تشجع على بدء مسار إعادة إعمار القطاع؟
نأمل بطبيعة الحال أن تبدأ الدول العربية، ونتواصل مع الجميع، ونتواصل أيضاً مع الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى غير العربية للتشجيع على البدء في الإعلان عن تعهدات مالية، وبالتأكيد لدينا قدر من الوقت لتكثيف الاتصالات والجهود، ولكن الآن الجهود منصبة على الانتهاء من الورقة المفاهيمية ومن الجلسات الخاصة بالمؤتمر، لأن هذا المؤتمر سيتضمن أفكاراً غير تقليدية، أفكاراً خلاقة، فيما يتعلق بورش عمل تتناول ملفات بعينها.
هناك دور أيضاً للقطاع الخاص، خاصة القطاع الخاص الفلسطيني، الشركات العربية، الشركات الإقليمية مثل تركيا، الشركات الدولية مثل الشركات الأميركية والأوروبية.
كل هذه أفكار كثيرة مطروحة، يجري الانتهاء منها. وبالتوازي يتم مخاطبة الدول والأطراف المانحة لتشجيعها على أن يكون هناك تعهدات مالية.
■ هل تقتصر مشاركة مصر، وهي مشاركة كبيرة بالطبع، على عقد واستضافة هذا المؤتمر على أراضيها، أم سيكون هناك مساهمة مالية للقطاع؟
بالتأكيد مصر لن تبخل بمواردها حتى وإن كانت موارد محدودة في ظل الأوضاع الراهنة، لكن لا يمكن لمصر أن تتأخر، وستضرب المثل، ولن تبخل.
■ ما المبلغ بالتحديد؟
هذه أمور تتم مناقشتها في فترة لاحقة، وسيتم العمل بطبيعة الحال على أن يكون هناك دعم ومساهمة مصرية. لا تنسي أن القطاع على حدود مصر الشرقية، وبالتالي ستطلب العديد من الأمور، مثل مواد البناء والمعدات، ومصر بالفعل أدخلت العديد من المعدات لإزالة الركام وفتح الطرق.
ولكن على الجانب الاقتصادي، هذا يعود بالإيجاب على القطاع الخاص ومشاركة الشركات الكبرى في إعادة الإعمار.
هذا ليس مشروعاً تجارياً، هذا مشروع للتعافي المبكر، لإنقاذ أهالينا في قطاع غزة، لتوفير المسكن الكريم الملائم لهم أولاً بشكل مؤقت، ثم بشكل دائم في مرحلة لاحقة.
علينا أن نتحلى بالمسؤولية، وعلى كل الدول العربية والدول الأوروبية والمانحين الدوليين أن يرتقوا إلى مستوى الحدث، ونحن على ثقة أنه سيتم التعامل مع هذا الأمر بمنتهى الجدية.
■ ما المقاربة التي تنتهجها مصر اقتصادياً فيما يتعلق بالمساعدات التي تحصل عليها؟ مصر دولة كبرى في العالم العربي رائدة تقود وتساهم في حل الأزمات ولديها التزامات تجاه دول المنطقة، ولديها التزامات وارتباطات بدول كبرى مثل الولايات المتحدة التي لوح الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ فترة بقطع المساعدات في فترة من الفترات عندما دخل البيت الأبيض، ما المقاربة في التعامل مع أميركا من جهة وملفات المنطقة السياسية من جهة أخرى؟
أولاً لدينا علاقات استراتيجية قوية ومتينة للغاية مع الولايات المتحدة، هناك تقدير كبير من الجانب الأميركي للقيادة المصرية، وللدور المصري المحوري باعتباره ركيزة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المضطربة من العالم.
أنا ذهبت بتكليف من الرئيس السيسي، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، والتقيت بكل أركان الإدارة من وزير الخارجية إلى مستشار الأمن القومي إلى مبعوث الرئيس ترمب للشرق الأوسط، والتقيت بأعضاء الكونجرس، والتقيت أيضاً بمراكز الأبحاث، ولمست عن قرب تقدير كامل للدور المصري وأيضاً تركيز على الطابع الاستراتيجي لهذه العلاقة.
هذه علاقة متينة وقوية، وهناك تقدير متبادل بين البلدين، وحرص شديد من البلدين على متانة هذه العلاقات.
وفيما يتعلق بعلاقاتنا الاقتصادية مع الولايات المتحدة ومع أي أطراف أخرى، هذه العلاقات نركز فيها على جانبي المشاركة والندية. وهذا هو الأمر مع الولايات المتحدة أو مع الاتحاد الأوروبي أو مع أطراف إقليمية ودولية أخرى، فالمشاركة تعني تحقيق مبدأ المكاسب للجميع من خلال تحفيز وتنشيط تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، هذا هو ما نركز عليه، علاقة المانح بالمتلقي عفا عليها الزمن منذ فترة طويلة.
■ هل من مستهدف لجلب الاستثمارات الأجنبية والأميركية بالتحديد؟
بالتأكيد لدينا مؤتمر مهم جداً، منتدى اقتصادي رفيع المستوى مخطط له منذ العام الماضي، وسيتم عقده قريباً خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، بمشاركة عدد غفير من الشركات الأميركية لعرض فرص الاستثمار القائمة في مصر والحوافز والضمانات التي تقدمها الحكومة المصرية فيما يتعلق بخلق مناخ جاذب للاستثمار الأميركي.
حينما كنت في نيويورك أشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقيت بممثلي أكثر من 100 شركة أميركية مستثمرة في مصر أو لديها رغبة في الاستثمار بمصر، في قطاعات الصحة والتأمين والصناعة وقطاعات الطاقة الأحفورية والمتجددة والنظيفة. كما تحدثنا عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي والرقمنة، وتوجد رغبة أكيدة من الشركات الأميركية في الاستثمار داخل مصر، خاصة في ظل البيئة الجاذبة للاستثمار.
الحكومة المصرية اتخذت العديد من الإجراءات الإدارية، والبرلمان سن بعض التشريعات، آخرها الحوافز الخاصة بالضرائب والتسهيلات التي تقدم للمستثمر الأجنبي فيما يتعلق بالضرائب، والتسهيلات الخاصة على وضع سقف صارم على الاستثمارات العامة داخل مصر، الآن أصبح هناك سقف لا يمكن تجاوزه من جانب الشركات الحكومية أو المملوكة للدولة حتى نعطي المساحة الأكبر للمستثمر الوطني والأجنبي.
هناك استراتيجية وطنية للاستثمار تمتد حتى عام 2030، والمستهدف تجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية، سواء القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي، إلى أكثر من 70% من حجم الاستثمارات الموجودة في الدولة المصرية.
كل هذه خطط ورسائل واضحة للغاية إلى الجانب الأميركي والأوروبي والجانب العربي بأن هناك بيئة مواتية للاستثمار، ونحن نسعى إلى شراكات تقوم على محورين أساسيين، الأول تبادل تجاري وفتح أسواق للمنتج المصري الذي لديه قدرة جيدة على المنافسة، من حيث الجودة والسعر، والمحور الثاني هو جذب الاستثمارات الخارجية إلى مصر، خاصة وأن لدينا استراتيجية وطنية لتوطين الصناعة.
نحن نتحدث هنا عن إحلال واردات تتجاوز قيمتها 40 مليار دولار من خلال إقامة صناعات وطنية. نريد استثمارات أجنبية لضخ هذه الاستثمارات في هذه الصناعات.
لدينا سوق كبير، المستثمر العربي أو الأوروبي أو الأميركي لا يستهدف السوق المصري فقط رغم ضخامته، حيث يبلغ حوالي 120 مليون بالضيوف المقيمين في مصر، بل يستهدف السوق الإفريقي أيضاً لأن لدينا اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الإفريقي، ولدينا اتفاقية تجارة الميركسور مع دول أميركا الشمالية Mercosur، ولدينا اتفاقية تجارة عربية، واتفاقية الكوميسا (COMESA). نحن نتكلم عن سوق يتجاوز 2 مليار مستهلك، أي مستثمر يضخ استثمارات هنا، لا يستهدف فقط السوق المصري ولكن السوق الدولي ككل، خاصة أن لدينا أهم شريان بحري للملاحة والشحن الدولي وهو قناة السويس.
■ كيف تنظرون لحجم المساعدات الأميركية التي تقدم لمصر والمقدرة بنحو 1.45 مليار دولار؟ وما هي توقعاتكم لمستقبل هذه المساعدات في ظل نهج ترمب الساعي للتقليل من إنفاق الحكومة الفيدرالية، وسياساته تجاه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID؟
الجانب الأكبر من المساعدات الأميركية إلى مصر هي مساعدات عسكرية، وهذه المسألة مرتبطة بطبيعة الحال بالشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، فهذا أمر لا علاقة له بهيئة المعونة الأميركية أو المساعدات الاقتصادية. وبالتأكيد، هذه المساعدات العسكرية كما ذكرت هي جزء لا يتجزأ من الطابع والبعد الاستراتيجي للعلاقات المصريةالأميركية، ونحن أعربنا عن تقديرنا للإدارة الأميركية لاستثناء هذه المساعدات من مسألة المراجعة، وهذا أمر يعكس متانة وصلابة العلاقات المصريةالأميركية.
■ كيف ترى الوضع في الضفة الغربية، في ظل التصعيد الكبير من قبل الإسرائيليين، وتوقع البعض استمراره لفترة أطول؟ وما هو انعكاسه على مخرجات القمة العربية الطارئة، وعلى مستقبل وقف إطلاق النار في غزة؟
الوضع شديد الخطورة شديد الكارثية، ولا يتعين علينا أن نركز فقط على ما يحدث في قطاع غزة، ونغض الطرف أو نتناسى التطورات شديدة الخطورة التي تحدث في الضفة الغربية.
وأعتقد أن البيان الختامي للقمة العربية الطارئة كان واضحاً، وتضمن فقرة كاملة عن الأوضاع الخطيرة في الضفة الغربية، والرفض الكامل لأي سياسيات مثل الضم أو مصادرة الأراضي أو النشاط الاستيطاني أو كل هذه السياسات الأحادية التي تستهدف فقط تخريب العملية السياسية التي يجري التأكيد والتحضير لها.
فالوضع كما ذكرت خطير، ونحن ننسق مع أشقائنا في الأردن ومع السلطة الفلسطينية، وأيضاً ننسق مع أشقائنا العرب ومع الاتحاد الأوروبي ومع الجانب الأميركي.
وتحدثنا مع الجانب الأميركي بشكل مستمر حول الضرورة القصوى للرفض الكامل لأي شكل من أشكال الضم، أو كما ذكرت المصادرة أو التوسع في النشاط الاستيطاني أو أي نشاط استيطاني أو نشاط أحادي من شأنه أن يغيّر الواقع الجغرافي والديمغرافي على الأرض باعتبار أن هذه أراضي محتلة، وبالتالي ينطبق عليها القانون الدولي، وأيضاً اتفاقيات جنيف الأربع التي تنص بشكل لا يحتمل اللبس على عدم جواز تغيير أي من الواقع الديمغرافي أو الجغرافي على الأرض من جانب سلطة الاحتلال.
■ خلال القمة العربية الطارئة، أعلنت السلطة الفلسطينية، مجموعة من الخطوات الإصلاحية التي تتضمن إصلاحات في الحكومة الفلسطينية، أبرزها إجراء انتخابات رئاسية بالضفة وغزة والقدس، وهذا الأمر تعثر سابقاً مع الإسرائيليين، ولكن هل من دور مصري مع الإسرائيليين يسمح للفلسطينيين بإجراء انتخابات، وتسهيل عملية إجراء الإصلاحات؟
أولاً، ما ذكره الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في خطابه الهام أمام القمة العربية الطارئة هو محل تقدير من الجانب المصري ومن الجانب العربي، لأن الرئيس أبو مازن طرح أفكاراً محددة فيما يتعلق بمسألة الإصلاح، أولاً مسألة العفو، وهذه مسألة مهمة جداً بما يعيد اللحمة الفلسطينية، أيضاً مسألة تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية، وهذا أمر أيضاً مهم للغاية.
وأيضاً مسألة إجراء الانتخابات هي مسألة شديدة الأهمية، ونحن نشجع عليها، وندفع في اتجاهها، وبطبيعة الحال لابد من توفر الظروف لإجراء هذه الانتخابات، ولذلك نحن نعمل من خلال كل اتصالاتنا مع الأطراف الإقليمية والدولية على توفير هذه الظروف المواتية حتى يتم إجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
■ الرئيس الفلسطيني قال إن الانتخابات بعد حوالي عام بالتوازي مع أن تكون الظروف مناسبة، لكن بالنسبة للفلسطينيين دائماً الظروف غير مناسبة في ظل هذا الضغط الإسرائيلي، ما الخطوات التي تقومون بها من أجل جعل هذا الأمر واقعي؟
نحن نقدم كل الدعم الممكن للسلطة الفلسطينية، هو في النهاية قرار فلسطيني بالتأكيد، وقرار مهم في هذا التوقيت بطبيعة الحال، فبالتالي نحن ننسق مع الأطراف العربية الشقيقة حتى يتم توفير الظروف على الأرض.
وبالتأكيد، إجراء الانتخابات في القدس الشرقية هذه مسألة مهمة وفي الضفة الغربية، وهناك أفكار كثيرة يمكن تدارسها للتغلب على أي عراقيل موجودة على الأرض من جانب سلطة الاحتلال أو غيرها. ونتواصل كما ذكرت أيضاً مع كل الأطراف الإقليمية والدولية المعنية حتى يكون إجراء هذه الانتخابات أمراً ممكناً تعزيزاً للشرعية الفلسطينية.
سوريا.. “النصح وليس الضغط”
■ لننتقل من الشأن الفلسطيني إلى سوريا، تابعنا الانتقال السياسي وأحداث الساحل في طرطوس واللاذقية، كيف تنظر مصر إلى ما يجري في سوريا بهذه المرحلة وكنتم قد اعتبرتم في البداية أن السلطة الحالية هي سلطة الأمر الواقع؟
ذكرنا مراراً وتكراراً أن مصر تقف قلباً وقالباً وبكل وضوح وحسم إلى جانب الشعب السوري وإرادته وتطلعاته. الشعب السوري يريد الأمن والاستقرار والرفاهية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، وقبل ذلك يريد الأمن والاستقرار، ويريد أيضاً أن تكون هناك عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً. هذه أمور بديهية ومهمة جداً.
نوظف اتصالاتنا مع الأشقاء في سوريا من مختلف المشارب والاتجاهات. أيضاً السلطة السورية الانتقالية الموجودة حالياً، نوظف أيضاً اتصالاتنا معها لنقل هذه الرسائل على سبيل ليس الفرض أو الضغط بل على سبيل النصح. لا ننسى أن سوريا ومصر كانا دولة واحدة بشعبين على إقليمين، الإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي بين عامي 1958 حتى 1961.
وبالتالي نحن لدينا ارتباط كبير جداً ووشائج قوية للغاية مع الشعب السوري الشقيق. لا ننسى أيضاً أن هناك أكثر من 1.5 مليون سوري على الأراضي المصرية ويتم معاملتهم معاملة المواطنين المصريين، وبالتالي نحن علينا مسؤولية تجاه أشقاءنا في سوريا. نحن نقدم النصح على ضرورة عدم الإقصاء وضرورة توفير الضمانات والحماية لكل الأقليات ولكل المجموعات العرقية والإثنية والدينية الموجودة هناك.
المجتمع السوري مجتمع متعدد ومتنوع إثنياً وطائفياً ودينياً، وبالتالي حتى يكون هناك نظام سياسي مستقر وناجح، لا بد أن يكون متعدداً وشاملاً ويشمل الجميع ولا يقصي أحداً.
مرة أخرى، نتحدث أيضاً عن قضية الأمن والاستقرار وهي قضية مهمة جداً. ولا بد من التعامل مع قضية المقاتلين الأجانب، وهي قضية مهمة للغاية، وأن يتم التأكيد على الدولة الوطنية، وألا تكون سوريا قاعدة لتهديد أي من جيرانها أو أي من الأطراف الإقليمية.
هذه أمور ننقلها تباعاً إلى الأخوة في سوريا على سبيل النصح، لأن لدينا خبرة وتجارب في المنطقة وعلينا أن نعي هذه التجارب.
■ هل تنوي زيارة سوريا؟
نتابع الأمور ونتمنى كل الخير والتقدم للشعب السوري الشقيق.
اتصالات مع إيران لخفض التصعيد
■ بشأن إيران، كنا قد تابعنا قبل الحرب في غزة وما جرى في لبنان وسوريا، نوعاً من التقارب مع إيران، إلى أين تتجه العلاقات المصرية الإيرانية في هذه المرحلة وخاصة أن الولايات المتحدة تُهدد ربما بعمل عسكري ضد إيران؟
نحن نعتز بالحضارة الإيرانية وعراقة الشعب الإيراني. الاتصالات قائمة مع الحكومة الإيرانية على فترات طويلة، وبالتأكيد نحن لدينا بعض الشواغل في ما يتعلق بالعلاقات مع إيران ويتعين التعامل معها حتى يتم استعادة هذه العلاقات بشكل كامل. ونحن بالتأكيد مع الأمن والاستقرار في المنطقة وضد أي شكل من أشكال التصعيد في المنطقة. لدينا أزمات تكفي وتزيد، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أزمات أخرى وفتح جبهات أخرى، بالتالي علينا أن نعمل في إطار الأمن والاستقرار والسلام.
نحن وظفنا هذه الاتصالات مع الجانب الإيراني في الفترة السابقة في عملية وقف التصعيد ومنع التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى أتون حرب إقليمية لا تبقي ولا تذر. وبالتالي نحن نوظف هذه الاتصالات للعمل على خفض حدة التصعيد وضمان أن لا يكون هناك أي دور يؤدي إلى التصعيد في المنطقة، وذكرنا للطرف الإيراني أنه يتعين احترام القانون الدولي وعلاقة حسن الجوار مع الدول المجاورة والتحرك في اتجاه خفض التصعيد.
■ هل من زيارات مجدولة بينكم وبين الإيرانيين؟
لا يوجد شيء محدد في الوقت الراهن.
“نعارض أي أطر موازية تتعلق بالسودان”
■ كيف تنظر مصر إلى المشهد السوداني حيث لا يزال الوضع صعباً ولم تحسم المسألة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟ بأي عين تنظر مصر إلى المشهد السوداني؟
ننظر بعين واضحة في السودان وفي ليبيا وسوريا وفي لبنان واليمن. ضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، وهذا الأمر الذي لطالما تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي باستمرار. بدون دولة وطنية وبدون مؤسسات قوية للدولة الوطنية سوف تستمر عناصر عدم الاستقرار في الإقليم العربي والمنطقة العربية.
تحدثت عن مجموعة من الأزمات والمشاكل في عدد من الدول العربية. القاسم المشترك بينها هو ضعف الدولة الوطنية، وضعف مؤسسات الدولة الوطنية.
إذا كنا نتحدث عن دولة وطنية ومؤسسات وطنية لا يمكن قبول أن يكون هناك ميليشيات، هذا أمر لا يستقيم مع مفهوم الدولة الوطنية واحتكار استخدام القوة، وهذا هو التعريف الأساسي لأي دولة وطنية، بالتالي نحن ندعم الدولة الوطنية ومؤسساتها في السودان وهذا أمر شديد الأهمية، وبالتأكيد لدينا قلق بالغ بشأن مسألة وحدة السودان واستقراره وسلامة أراضيه وعدم تقسيمه، وهذا خط أحمر بالنسبة لنا ولا يمكن أن نقبل بحدوثه تحت أي ظرف من الظروف.
بالتالي، نحن ضد أي أفكار وطروحات خاصة بأطر موازية تتعلق بالسودان، ومرة أخرى نحن نقف قلباً وقالباً مع السودان مع الشعب السوداني الشقيق.
نظمنا في يوليو الماضي، النسخة الأولى من المؤتمر الخاص بجمع كل القوى الوطنية السياسية والجماعات المسلحة في إطار واحد، حتى تكون هناك مرة أخرى كما هو الحال في سوريا وليبيا والسودان، أن تكون هناك عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً، تقود إلى إقامة نظام ديمقراطي يحتضن الجميع، هذه هي السبل الوحيدة لضمان استدامة الاستقرار وتحقيق الأمن والرفاهية.
■ هل هناك مبادرات مصرية جديدة في الملف السوداني؟
بالتأكيد هناك أفكار ومبادرات في ما يتعلق بجمع الأطياف السودانية المدنية في إطار واحد جامع حتى نتحدث عن العملية السي
#الشرق_مباشر | مقابلة خاصة مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي
https://t.co/8HINsF1ypm
— Asharq News الشرق للأخبار (@AsharqNews) March 14, 2025
اسية التي يتعين إطلاقها في المستقبل وتشمل الجميع من دون استثناء.