“واشنطن تصطف بقوة مع العملية السياسية الأممية في الصحراء الغربية”
أكد نائب كاتب الدولة للخارجية الأمريكية، مكلف بشمال إفريقيا “جوشوا هاريس”، على اصطفاف واشنطن مع العملية السياسية للأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية. واعتبر جوشوا هاريس، في حوار لجريدة “”، على أن الحكومة الأمريكية تقدّر بشدة صوت الجزائر الداعم للأمن بالمنطقة، وأن واشنطن عازمة على المضي قدما في الحوار الاستراتيجي المرتقب إجرائه الخريف المقبل، حيث سيمثّل هذا اللقاء فرصة أخرى لتقييم الشراكة الشاملة على محور الجزائر واشنطن.
قمتم بزيارة إلى مخيمات تندوف والتقيتم مسؤولين من جبهة البوليساريو، ما هي أبعاد ودلالات هذه الزيارة، خاصة وأنها جاءت قبل أيام من زيارة مرتقبة للمبعوث الشخصي للأمين العام الأممي للصحراء الغربية، ستيفان دي ميستورا؟
أولا، إنه لمن دواعي سروري أن تتاح لي فرصة التحدث معكم، فقد وصلت إلى الجزائر منذ بضعة أيام وأتيحت لي الفرصة لزيارة تندوف، وهي زيارتي الأولى وفرصة للتشاور مع الأمين العام وبعض كبار قادة جبهة البوليساريو بشأن دعمنا للعملية السياسية للأمم المتحدة ومحاولة المضي قدما نحو حل سياسي لشعب الصحراء الغربية. لقد كانت لي سلسلة من اللقاءات المهمة جدا خلال زيارتي الأولى، ولكنها كانت فرصة مهمة للحصول على رؤية للوضع الخطير للغاية الذي يواجهه شعب الصحراء الغربية والتفكير فيه بشكل مباشر في محاولة رسم مسار أفضل للمضي قدما.
وهنا في الجزائر العاصمة، كانت لي فرصة مهمة للغاية للتشاور مع شريك قوي للغاية للولايات المتحدة في الجزائر حول مجموعة كبيرة من القضايا التي نعمل عليها معا، وقبل بضعة أسابيع فقط، كما تعلمون، كنا محظوظين للغاية باستضافة وزير الخارجية أحمد عطاف في واشنطن، حيث أجرى مع وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، سلسلة مثمرة للغاية من المشاورات حول مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك التحديات الملحة التي تواجه منطقة الساحل. ولقد كان شرفا عظيما أن تتاح لي الفرصة لرؤية الوزير هذا الصباح، وناقشت أنا وسعادة سفيرتنا بالجزائر (إليزابث مور أوبن) مع السيد عطاف بشكل مطوّل مجموعة من القضايا التي تخص جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك اصطفافنا القوي للغاية لدعم العملية السياسية للأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية. والتقينا أيضا بالأمين العام لوزارة الخارجية حول هذه القضايا. وسنمضي معا قدما في الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والجزائر المرتقب في خريف هذا العام، حيث سيمثّل هذا اللقاء فرصة أخرى لتقييم الشراكة الشاملة حقا والصوت المهم للغاية الذي تتمتع به الجزائر بشأن العديد من القضايا التي نعمل عليها معا. لذا، وفي ظل هذا السياق، لما أفعله هنا، فإنني أرحّب بالاستماع لأسئلتكم.
لقد كان الهدف من زيارتي إلى تندوف هو التعبير عن صدق إرادة حكومتي في دعم العملية السياسية للأمم المتحدة الرامية إلى المضي قدما نحو حل سياسي دائم ولائق للصحراء الغربية. لقد كانت هذه هي زيارتي الأولى ومثّلت لي فرصة للفهم ورؤية بشكل مباشر للغاية الوضع على أرض الواقع والتشاور، بما في ذلك مع الأمين العام، ابراهيم غالي، حول أهمية دفع العملية السياسية للأمم المتحدة إلى الأمام. وباعتباره المبعوث الشخصي، يعمل السيد دي ميستورا بشكل مكثف للغاية لتحقيق تلك الحركة السياسية، ولقد كان مجلس الأمن، بدعم من الولايات المتحدة، واضحا للغاية، بما في ذلك من خلال اللائحة الأممية رقم 2654، بشأن الدعم الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، والحاجة الملحة للتنفيذ. لذلك كانت هذه فرصة للتأمل في جدية حكومتي في دعم ذلك. وبالمناسبة، أعتقد أنه من المهم أن نشير هنا إلى أنني أعتقد أن هذه الرؤية مشتركة بالكامل بين الولايات المتحدة والجزائر، وأننا ننظر إلى هذا الأمر حقا من حيث الإلحاح والتركيز للتأكيد على إنجاح مسار عملية الأمم المتحدة هذه ومساعي المبعوث الشخصي، حيث لم تنجح الجهود السابقة للأسف.
تم التأكيد مرارا على دعم الولايات المتحدة لإيجاد حل سياسي بمعية الأمم المتحدة لقضية الصحراء الغربية، كيف تنوي الإدارة الأمريكية تجسيد دعم تكريس مسار سياسي في قضية الصحراء الغربية وتجاوز حالة الجمود القائمة؟
بداية، يجب أن نعود إلى الثلاث سنوات السابقة لنرى كيف ستتجسد المجهودات الأمريكية، فقبل تعيين المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، ستيفان دي ميستورا، كان هنالك فراغا، إلا أنه بعد تعيين السيد دي ميستورا عام 2021، فإن هنالك مجهودات بناءة وكبيرة في إطار مجلس الأمن من أجل الدفع بالعملية السياسية، ونأمل مع تعيين دي ميستورا إلى تحقيق نتائج. أما النقطة الثانية والمهمة، فكما لاحظتم، فإن هنالك تصعيد عسكري في المنطقة، لذلك، فإن هدفنا يكمن في إنجاح العملية السياسية، وهذا التصعيد يتعارض مع نجاح مسار الأمم المتحدة، لقد بذلنا جهودا لإعادة إرساء عملية سياسية بالنظر لأهمية وقف أي تصعيد للنزاع العسكري.
وتحاول حكومتنا، باعتبارها داعمة للأمم المتحدة ودي ميستورا، استخدام علاقاتها وشراكاتها، بما في ذلك شراكتها القوية للغاية مع الجزائر لخلق بيئة يمكن فيها لعملية الأمم المتحدة أن تتقدم بشكل كبير بروح التهدئة. ونحن ندرك أن هذه لن تكون مهمة سهلة أو سريعة، لكن الولايات المتحدة والجزائر تعملان بشكل بناء لدعم السيد ستيفان دي ميستورا.
سيد هاريس، ما هي رؤيتكم للأوضاع السائدة في منطقة الساحل، والتي كان آخرها ما شهدته النيجر، وما موقف الإدارة الأمريكية حيال المبادرة التي أطلقتها الجزائر بشأن تسوية الأزمة في النيجر؟
شكرا جزيلا لإثارة هذه النقطة، أعتقد أن الولايات المتحدة والجزائر تجريان حوارا واسعا وناضجا للغاية حول الأمن، بما في ذلك بخصوص منطقة الساحل، إذ أن هناك مجموعة عاجلة من التحديات، بما في ذلك في النيجر، والحاجة الملحة إلى عملية استعادة الحكم الدستوري. وهذا مجرد مثال واحد، حيث أعتقد أن المحادثات بين الجزائر والولايات المتحدة ذات أهمية حيوية، وأن حكومتي تقدّر بشدة صوت الجزائر الداعم للأمن في هذه المنطقة، وقد مثّل ذلك عنصرا أساسيا في زيارة وزير الخارجية، أحمد عطاف إلى واشنطن الشهر الماضي وفي محادثاته مع كاتب الدولة بلينكن، كما كان ذلك عنصرا أساسيا في محادثات السفيرة روبن، وكذا المحادثات التي أجريتها مع الحكومة الجزائرية للتفكير معا في التحديات المشتركة ومدى أهمية الجزائر. فضلا عن ذلك، يمكن أن يساعد صوت الجزائر في دفع هذه القضايا إلى الأمام. وقد طرح وزير الخارجية اقتراحا واضحا ومهما للغاية فيما يتعلق بالوضع، وأعتقد أننا ننظر إلى الوضع في توافق تام حول أهمية الاستعادة الكاملة للحكم الدستوري. وسنواصل العمل معا بشكل وثيق للغاية خلال الأيام والأسابيع المقبلة لمحاولة رسم مسار للأمام بما يتماشى مع تلك الرؤية الأساسية.
اعتمدت الحكومة الجزائرية خطة لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل وتنظيم مؤتمر دولي لرصد الموارد والعمل على تجسيد مشاريع لمساعدة منطقة الساحل على التنمية نظرا لأن المقاربة الجزائرية تشمل جوانب تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. هل تنوي الولايات المتحدة تقديم مساهمتها لإنجاح هذا المؤتمر، وكيف سيكون شكل هذه المساهمة؟
حسب رأيي، لقد قدّمت الجزائر، على ما أعتقد، رؤية مدروسة للغاية فيما يتعلق بالتنمية، بل وحتى الديمقراطية في المنطقة، باعتبارها وصفة حيوية للاستقرار على المدى الطويل، وهي رؤية تتقاسمها حكومتي بشكل أساسي. وأعتقد أن ذلك يشكل عنصرا لا غنى عنه وعنصرا مركزيا فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية وفيما تتناقشه الجزائر والولايات المتحدة في محادثاتهما الخاصة. ونحن نفكر في كلا التحديين الملحين للغاية، مثل التطورات التي تحدث في النيجر، ولكننا أيضا، كما أعتقد، نفكر في الرغبة المشتركة في ضمان استدامة هذه النتائج.
وفي هذا الصدد، تعتبر رؤية الجزائر للتنمية الإقليمية مقنعة للغاية، ولذلك فقد أخذنا بعين الاعتبار مقترح الجزائر الذي أعلنه الوزير فيما يتعلق بهذا المؤتمر، كما أننا أعربنا عن تقديرنا للفرصة التي أتيحت لنا لبدء المناقشات بشأن هذا الموضوع، وإنني على يقين من أنه سيكون لدينا المزيد من الفرص لمعرفة المزيد عن فكرة الحكومة الجزائرية، في هذا الصدد، وإلقاء نظرة متأنية للغاية على الكيفية التي يمكن بها للولايات المتحدة أن تتصور دورها المحتمل في هذا الصدد.
ولكن في الأساس، أعتقد أنه من المناسب التأكد من أن تكون التنمية جزء من المعادلة للوصول إلى نتائج مستدامة.
تقيم الجزائر والولايات المتحدة حوارا أمنيا واستراتيجيا، كيف تقيّمون مثل هذا الحوار الذي يشمل الجوانب المتصلة بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب العابر للأوطان، وما رؤية الولايات المتحدة لانتشار تنظيمات غير نظامية على غرار مجموعة “فاغنر” في عدد من الدول الإفريقية؟
صحيح تماما، هناك حوار واسع النطاق قائم بين الولايات المتحدة والجزائر، بما في ذلك حول التحديات المشتركة للإرهاب في جميع أنحاء المنطقة. وهنا أيضا، أعتقد أن المساهمات التي تقدمها الجزائر تكتسي أهمية حيوية. وسيكون لدينا المزيد من الفرص خلال الأسابيع والأشهر المقبلة لمواصلة تلك المحادثات، بما في ذلك من خلال عقد حوار استراتيجي بين الولايات المتحدة والجزائر في واشنطن هذا الخريف. ويدور هذا الحوار حول مجموعة من القضايا، ولكن بالطبع، فإن أحد العناصر المهمة في ذلك هو ما ناقشناه للتو فيما يتعلق بالأمن في منطقة الساحل، سواء التحديات العاجلة على المدى القصير أو القضايا طويلة المدى. إن الاستمرار في التفكير في كيفية قدرة حكوماتنا على التعاون لمعالجة مشكلة الإرهاب في المنطقة على نحو مستدام هو أمر بالغ الأهمية. وهذا صحيح، بما في ذلك ما يتعلق برؤية الجزائر المهمة لتحقيق الاستقرار في مالي، حيث أعتقد أننا نرى صورة مشتركة فيما يتعلق بالتهديدات التي يمكن أن تشكّلها الجماعات الإرهابية، ويتعيّن علينا التعامل مع ذلك بطريقة فعالة ومستدامة. وفيما يتعلق بمجموعات المرتزقة مثل فاغنر، أعتقد أن هذه لحظة مهمة لأي دولة في المنطقة لديها أو قد تفكر في إقامة علاقة مع مجموعة فاغنر للتفكير حقا بما حدث فيما يتعلق بالتمرد الفاشل في روسيا ووفاة بريغوجين. ما أراه هو أين تتجه مجموعة فاغنر في المنطقة، فإن عدم الاستقرار يتبعها مباشرة، ويجب أن يكون ذلك اعتبارا مهما عندما ننظر إلى مستقبل طويل المدى وأكثر استدامة واستقرارا للمنطقة بأكملها.
لقد تم انتخاب الجزائر لعضوية مجلس الأمن للأمم المتحدة، وستبدأ عهدتها عام 2024. فما هي المجالات التي ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في التعاون مع الجزائر، مع العلم أن الجزائر سبق وأن أعلنت عن المسائل التي تودّ معالجتها خلال فترة عضويتها في المجلس؟
بالتأكيد، فقد قمنا بتهنئة الجزائر بحرارة على انتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويسعدنا جدا أن تتاح لنا هذه الفرصة للعمل بشكل وثيق مع شركائنا الجزائريين بشأن مجموعة كاملة من القضايا المعروضة على مجلس الأمن، إذ أن جدول الأعمال واسع كثيرا، والقضايا والمجالات المطروحة أيضا، وبينما تستعد الجزائر للانضمام إلى المجلس في جانفي المقبل، فإن تلك تعد فرصة، لتناول ومعالجة، في إطار متعدد الأطراف، عددا من القضايا التي ناقشناها، على سبيل المثال، الأمن في منطقة الساحل، والوضع المقلق للغاية في النيجر، كما أن هناك حاجة ملحة لاستعادة الحكم الدستوري هناك. إلى جانب ذلك، هناك العديد من الملفات الإقليمية الأخرى أيضا، فمن ناحية، تشترك الجزائر والولايات المتحدة في التزام عميق للغاية فيما يتعلق بالملف الإسرائيلي الفلسطيني بتعزيز حل الدولتين لضمان تدابير متساوية من الأمن والاستقرار والازدهار للجانبين على حد سواء، وهو أمر يعد ملفا مهما مطروحا أمام مجلس الأمن.
وفيما يتعلق بليبيا، يظل مجلس الأمن موحدا تماما خلف الممثل الخاص، عبد اللاي باتيلي، بشأن هذا الملف في محاولة دعم العملية السياسية في ليبيا لتمكين إجراء انتخابات وطنية وانتخابات ناجحة وتهيئة البيئة المواتية في ليبيا للمضي قدما بهذه العملية. إنها أجندة واسعة بشكل لا يصدق، ولكن أعتقد أن صوت الجزائر في المجلس سيكون مهمّ للغاية، وأستطيع أن أقول لكم، باختصار، إننا كولايات متحدة، متحمسون للغاية بشأن إمكانية العمل مع شركائنا الجزائريين في هذا السياق خلال فترة ولاية الجزائر في المجلس.
إحدى المطالب الجزائرية التي تسعى لإبرازها، هي الدفاع عن حصول إفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمم المتحدة. فهل ستدعم الولايات المتحدة الأمريكية المطلب الجزائري؟
أعتقد أن ذلك يمثل بالتأكيد جانبا مهما من المحادثة بين الولايات المتحدة والجزائر والأعضاء الآخرين في مجلس الأمن للأمم المتحدة كمؤسسة وحول أفضل السبل لضمان قدرة مؤسسات مثل مجلس الأمن على العمل، وأتوقّع أنه سيكون لدينا الكثير من الفرص خلال الأشهر المقبلة، بينما تستعد الجزائر للانضمام إلى المجلس في جانفي للاستماع إلى المزيد من التفاصيل حول رؤية الجزائر لمستقبل الأمم المتحدة وكيف يمكننا أن نكون قادرين على ذلك. والعمل معا لضمان نجاح هذه المؤسسات المهمة في المضي قدما.
ولذلك، فأنا متشوّق لسماع المزيد عن أفكارهم في هذا الصدد، وأعلم أن ذلك سيكون بالتأكيد عنصرا أساسيا في مناقشاتنا قبل شهر يناير. إذا سمحتم لي، أود أن أغتنم الفرصة في الختام لأقول إنه لمن دواعي سروري حقا التحدث مع اثنين من الصحفيين المعروفين لدى سفارتنا، وبالطبع، نحن على دراية بعملكم وكتابتكم هنا، وأشكركم جزيل الشكر على العمل الذي تقومون به في هذه البيئة الإعلامية.
أعتقد أننا أجرينا تبادلا ثريا حقا حول الكثير من القضايا، وكان ذلك عملا بالغ الأهمية حقا. ولقد كان من دواعي سروري البالغ أن أتحدث معكم. شكرا لكم، ولقد كان من دواعي سروري بالنسبة لي، شكرا جزيلا.