أمد/ بيروت: قالت “هيومن رايتس ووتش” يوم الأحد، إن الهجمات المتكررة التي شنها الجيش الإسرائيلي على معدات إعادة الإعمار وغيرها من المرافق المدنية في جنوب لبنان طوال العام 2025 تنتهك قوانين الحرب وتشكل جرائم حرب مفترضة.
قال سكان ومسؤولون في البلديات المحلية لـ هيومن رايتس ووتش إن الهجمات أعاقت جهود إعادة الإعمار وقدرة عشرات آلاف النازحين على العودة إلى ديارهم في جنوب لبنان. تعرض أكثر من 10 آلاف مبنى لأضرار جسيمة أو التدمير هناك بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويناير/كانون الثاني 2025.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “في خضم وقف إطلاق النار، شنت القوات الإسرائيلية هجمات تستهدف بشكل غير قانوني المعدات والمرافق المتعلقة بإعادة الإعمار. بعد أن حوّل الجيش الإسرائيلي العديد من البلدات الحدودية في جنوب لبنان إلى أنقاض، ها هو الآن يسعى إلى عرقلة محاولة عشرات آلاف السكان إعادة بناء منازلهم المدمرة والعودة إلى بلداتهم”.
حققت هيومن رايتس ووتش في أربع هجمات على مواقع متعلقة بإعادة الإعمار، منها ثلاث هجمات على معارض في الهواء الطلق ومرافق صيانة للجرافات والحفارات والآليات الثقيلة في بلدات دير سريان، والمصليح، وأنصارية في جنوب لبنان، بالإضافة إلى هجوم على مصنع إسمنت وأسفلت في سيناي. أسفرت الغارات، التي وقعت بين أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد أشهر من وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة 11 شخصا على الأقل.
زار الباحثون المواقع وأجروا مقابلات مع 13 شخصا، بينهم مالكو مرافق تخزين وصيانة، ورؤساء البلديات، ومدير في مصنع الإسمنت والأسفلت، ومقاول حكومي، وثلاثة أشخاص يعملون في منظمة غير حكومية دولية تقدم المساعدة في جنوب لبنان. كما راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق الجرد والعقود التي قدمها ثلاثة من مالكي المواقع.
دمرت الغارات الأربع أكثر من 360 آلية ثقيلة، بينها جرافات وحفارات، بالإضافة إلى مصنع للأسفلت والإسمنت. قال مالكو مواقع الآليات الثقيلة إنهم باعوا الآليات أو أجّروها في مناطق مختلفة من لبنان، وإن بعض الآليات التي باعوها أو أجّروها استُخدمت في جهود إعادة الإعمار المدنية، بما في ذلك إزالة الأنقاض.
قال إبراهيم كريم، مالك موقع في دير سريان: “لا نستطيع حتى إزالة الأنقاض [من مواقعنا] لأننا نخشى تعرض المزيد من الآليات التي نستخدمها لإزالة الأنقاض للقصف إذا أزلناها. لذلك نقلنا الأنقاض بأيدينا”.
في كل واحدة من هذه الهجمات، أصدرت القوات الإسرائيلية بيانات تفيد بأن المعدات والمواد استخدمها حزب الله أو “سمح” لها أو “مكّنها” أو “قصد” أن يستخدمها حزب الله “لإعادة بناء” أو “إعادة تأسيس” “أصوله” أو “نشاطه” أو “بنيته التحتية”، دون الكشف عن أي تفاصيل.
لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على وجود أهداف عسكرية في المواقع وحولها. تمكن الباحثون من التحقق من أن بعض الآليات والمستلزمات كانت تُستخدم لأغراض مدنية. لم يتمكن الباحثون من التحقق من استخدام جميع الآليات والمواد التي تعرضت للهجوم، لكنهم لم يعثروا على أي دليل على استخدامها لأغراض عسكرية من قبل حزب الله.
قال جميع المالكين والموظفين إنهم لا يعرفون ما إذا كانوا يعملون مع الجناح العسكري لحزب الله. قالوا إنهم لا يسألون زبائنهم عادة عن انتماءاتهم السياسية، وإنهم يبيعون الآليات الثقيلة ويصلحونها لأي شخص يطلب خدماتهم.
لدى حزب الله جناح عسكري (يُعرف باسم “المقاومة الإسلامية”). ومنظمات غير عسكرية، مثل حزبه السياسي ومؤسساته الصحية ومنظماته الاجتماعية. مثل الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى، لدى حزب الله آلاف الأعضاء الذين لا ينشطون في أي جانب من جوانب عملياته العسكرية.
إلا أنه حتى في الحالات التي تم فيها بيع أو صيانة معدات مدنية لأشخاص لهم صلات بحزب الله، فإن ذلك في حد ذاته لا يجعل المواقع أو الآليات أهدافا عسكرية مشروعة.
استنادا إلى الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش، فإن المساهمات المحتملة التي قد تكون الآليات والمواقع المستهدفة قد تكون غذّت بها قدرات حزب الله العسكرية غامضة أو ضعيفة للغاية بحيث لا تجعل هذه الأهداف أهدافا مشروعة. السماح بمثل هذه الهجمات قد يجعل جميع الآليات الثقيلة والمصانع التي تنتج مواد للبناء أهدافا عسكرية عرضة للهجوم.
كما نفذت القوات الإسرائيلية مرارا وتكرارا هجمات غير مشروعة على الآليات الثقيلة المستخدمة في إعادة الإعماروغيرها من البنى التحتية المدنية الحيوية، وعرقلت جهود إعادة الإعمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أرسلت هيومن رايتس ووتش إلى الجيش الإسرائيلي في 3 ديسمبر/كانون الأول رسالة تعرض نتائجها وتطرح أسئلة. رد الجيش الإسرائيلي بسؤال، أجابت عنه هيومن رايتس ووتش، لكن الجيش الإسرائيلي لم يقدم بعد ذلك أي رد آخر على الأسئلة المطروحة.
تنص الدراسة المرجعية لـ “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” حول قوانين الحرب العرفية على أن الأطراف المتحاربة لا يمكنها استهداف سوى الأهداف العسكرية المشروعة: أي الأهداف التي، بحكم طبيعتها أو موقعها أو غرضها أو استخدامها، “تسهم إسهاما فعّالا في العمل العسكري سواء بطبيعتها أو موقعها أو غايتها أو استخدامها، والتي يحقق تدميرها كليا أو جزئيا، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها في الأحوال السائدة في حينه ميزة عسكرية مؤكدة”.
مجرد احتمال أن تُستخدم المعدات في مساهمة غير محددة في المستقبل لأغراض عسكرية، مثل بناء تحصينات، لا يشكل هدفا عسكريا مشروعا. والأفراد الذين يأمرون بشن هجمات متعمدة على أعيان مدنية وبنية تحتية مدنية مسؤولون عن جرائم حرب.
ينبغي لحلفاء إسرائيل الرئيسيين، بمن فيهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، أن يتحركوا على وجه السرعة للضغط على إسرائيل لوقف جميع الهجمات على الأعيان المدنية والجهود المتعلقة بإعادة الإعمار، بسبل تشمل التعليق الفوري للمساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات محددة الهدف على المسؤولين المتورطين بشكل موثوق في جرائم خطيرة. ينبغي للسلطات القضائية في لبنان أن تبدأ تحقيقات محلية في الجرائم الدولية الخطيرة، وينبغي للحكومة أن تنضم إلى “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” وتقدم إعلانا بقبول اختصاص المحكمة قبل تاريخ الانضمام، يشمل الفترة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الأقل.
قال قيس: “عودة عشرات آلاف النازحين اللبنانيين إلى ديارهم وقراهم تعتمد على قدرة الحكومات على الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها على جهود إعادة الإعمار. على الحكومات أن توقف فورا توريد الأسلحة إلى إسرائيل وفرض عقوبات محددة على المسؤولين المتورطين بشكل موثوق في جرائم خطيرة مستمرة”.
