أمد/    منذ أن عاد خميني إلى طهران على متن طائرة فرنسية عام 1979، تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي، لتحوّل إيران من دولة يحكمها نظام دكتاتوري قومي (إبان حقبة الشاه) إلى نظام دكتاتوري قومي متستر بعباءة الدين ومركز لتصدير الإرهاب بإسم الدين، وكل ذلك ليس بمعزل عن دعم غربي وتواطؤ دولي خفي أو معلن.. فهل كان هذا المشروع وليد اللحظة؟ أم أنه جزء من استراتيجية غربية أوسع؟ وهل يمكن لمن صنعه أن يُسقطه اليوم بعد أن أصبح وحشًا يصعب احتواؤه؟

هل يسقط الغرب من مكنهم من الحكم في إيران والهيمنة على العراق والمنطقة؟

يثير أمر سقوط وإسقاط حكم الملالي في إيران، ومن ثم هيمنتهم على العراق والمنطقة تساؤلات عميقة حول الدور الغربي في تمكينهم.. فالمصيبة الكبرى هي أن الغرب لم يُمكن الملالي من العراق والمنطقة فحسب؛ بل هو من أتى بهم إلى الحكم في إيران، وقدم لهم العراق “على طبق من ذهب” مما أدى إلى خراب المنطقة، وتدمير القضية الفلسطينية وتحطيم آمال الشعب الفلسطيني.

يطرح هذا السؤال إشكالية العلاقة بين صانعي القرار الأصليين ونتائج قراراتهم.. وإذا كان الغرب قد مكن الملالي سواء بقصد أو بغير قصد؛ فهل لديه القدرة أو الرغبة في إزاحتهم الآن؟ التاريخ يوضح أن القوى الكبرى قد تغير استراتيجياتها بناءً على تغير المصالح.. فالعلاقات الدولية غالبًا ما تُبنى على المصالح المتغيرة وليس على المبادئ الثابتة، وفي الوقت الراهن ووفقا للاستعراض الإعلامي يواجه الغرب تحديات كبيرة في التعامل مع النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.. فمن جهة هناك مخاوف من برنامج إيران النووي، ومن جهة أخرى هناك قلق من زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر وكلائها، ومع ذلك فإن إسقاط نظام حكم الملالي القائم ليس بالأمر السهل يتطلب توافقًا دوليًا وإرادة سياسية غربية صادقة بعيدا عن المناورات وسياسة المهادنة.

لقد تغيرت أشكال حماية مصالح الغرب بسبب ما حدث في إيران بشكل كبير بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.. فبعد أن كان الشاه حليفًا استراتيجيًا للغرب؛ أُقيم نظام الملالي كبديل يضمن المصالح.. يتبنى في الظاهر سياسات مناهضة للغرب وإسرائيل، وبالتالي فإن مصالح الغرب باتت مُصانة بشكلٍ كافٍ لدفع الغرب نحو تمكين نظام الملالي الذي تعاون مع الغرب في هدم العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.. الهدم الذي سحق هذه الدول لكنه ضمن مصالح الغرب.

تحول المصالح الغربية من التمكين إلى الاحتواء؟

في البداية، قد يكون هناك جدل حول مدى “تمكين” الغرب للملالي بشكل مباشر في عام 1979.. فأغلب المحللين يرون أن الغرب كان يعتقد أن تغيير النظام في إيران سيؤدي إلى وضع أكثر استقرارًا أو يتماشى مع مصالحه، بينما يرى البعض أن صعود خميني كان نتيجة لتطورات داخلية في إيران، وأن الغرب لم يتمكن من التحكم بها بشكل كامل.

ما لا شك فيه هو أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بدعم من ملالي إيران قد خلق فراغًا في السلطة سمح لملالي إيران بتوسيع نفوذهم بشكل كبير في المنطقة من خلال دعم الميليشيات والجماعات الوكيلة؛ وفي حين يرى البعض أن ذلك أصبح يمثل تهديدًا مباشرًا لمصالح الغرب في المنطقة إلا أن الحقيقة هي أنهم مكنوا الغرب من المنطقة بعد هدم دول عربية كبيرة كالعراق وسوريا واليمن بما يضمن أمن إسرائيل واستقرار مشاريع الغرب بالمنطقة وخلق فرص جديدة وكبيرة لشركاتهم بالمنطقة كما حدث مع توتال الفرنسية وشركات أمريكية وغربية أخرى.

ختاما.. تلك هي الحقيقة.. فقد مكنهم الغرب من إيران والعراق والمنطقة كي يستمر نتاج تقسيم المنطقة.. لكنهم أي ملالي إيران باتوا اليوم عبئًا حتى على من جاء بهم، وما بُني على التآمر والاستغلال لن يصمد أمام إرادة الشعوب إذا وعت وتحررت من الخداع المزدوج؛ خداع الخارج وتبعية وخيانة الداخل، وقد لا يُسقطهم من جاء بهم ولكن سيسقطهم من استيقظ على الحقيقة، ورفض أن يكون مجرد وقود في مشروع غير مشروع.

لقد مكنهم الغرب من الحكم في إيران والعراق، وفتح لهم أبواب الهيمنة على المنطقة؛ لكنهم مثل كل أدوات القوى الكبرى حين تستنفد دورها أو تصبح عبئًا.. تُستبدل أو تُحرق؛ إلا أن السقوط الحقيقي لا يكون فعالًا إلا إذا جاء من الداخل، ومن وعي شعبي يرفض الطغيان والاستغلال تحت أي شعار.. والملالي ليسوا قدرًا أبديًا.. ومن جاء بهم يستطيع أن يزيحهم لكن من سيفعلها حقًا هم من أدركوا الخديعة وتحرروا من سحر الشعارات الخادعة، كما لن يكون غد إيران أفضل بمشاريع من صنع الغرب كـ الشاه والملالي والتلويح بإعادة ابن الشاه الذي لم يحاكم أبيه ونظامه بعد على ما اقترفه بحق الشعب الإيراني.. الغد الأفضل قادمٌ في ظل تنامي حالة السخط والرفض الشعبي للنظام ووجود وحدات المقاومة التابعة لـ مقاومة منظمة ومقتدرة ومستعدة منذ عقود بمشروع دولة إيران المعاصرة وبرنامج المواد العشر الذي يضمن مستقبل أفضل لجميع الإيرانيين ولدول وشعوب المنطقة أيضا.

 

شاركها.