هل يجب إنفاق حوالي مليارين على مشروع محطة طرقية في بلدة تتوقف فيها 3 حافلات؟ شرورو وسط صفقة مثيرة للجدل في أولماس اليوم 24
تلاحق رئيس جماعة أولماس، محمد شرورو، شكاوى بشأن مزاعم انتهاك قوانين شفافية الصفقات العمومية إثر منحه مليار و700 مليونا، إلى شركة محلية لتنفيذ مشروع محطة للحافلات في مدينته.
نتذكر شرورو، فهو شخصية سياسية تملك حضورها على الصعيد المركزي أيضا. فقد كان رئيسا لفريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، عامي 2017 و2018. برز اسمه عام 2016، عندما أعلن استقالته من مجلس النواب خلال جلسة مساءلة لرئيس الحكومة آنذاك، عبد الإله بنكيران، تنديدا بتدهور الخدمات الصحية في دائرته.
في المقابل، أولماس، بلدة مغمورة يبلغ عدد سكانها حوالي 19 ألفا، وفق الإحصاء العام سنة 2014، متفرقة على بوادي متباعدة عن بعضها بحوالي 20 كيلومترا، تعبر ثلاث حافلات فقط في اليوم الواحد هذه البلدة في طريقها إلى وجهات أبعد. لكن رئيس الجماعة، لم يكف عن تصميمه على إنفاق غلاف مالي هائل على محطة تحيط شكوك عميقة حول جدواها.
لكن، ما حصل قد حصل. الصفقة تمت. في هذا التحقيق، نقدم إضاءة عن الجوانب المثيرة للشكوك في هذه العملية، كما يتحدث إلينا رئيس الجماعة بتفصيل.
مشروع “فوق مقاس” بلدة!
لنبدأ بالمشروع قبل الصفقة. هل هذه البلدة الصغيرة في حاجة إلى إنفاق حوالي مليارين على مشروع محطة طرقية، بينما بالكاد تعبرها حافلات نقل.
لا يوافق رئيس الجماعة، محمد شرورو، على هذه الطريقة في تصوير الموضوع. “نعم، تمر ثلاث حافلات بالنهار على البلدة، فيما ثلاث أخرى تبقى الليل إلى الصباح قبل أن تنطلق إلى وجهتها… ستسألني مستنكرا: هل من أجل هذا العدد نشيد محطة بحوالي مليارين؟ لكني سأجيبك برؤية مستقبلية”.
يؤمن شرورو بأن بلدته في “طور التحول إلى منطقة جذب سياحي” في هذه المنطقة المترامية الأطراف. “نحن موجودون في موقع وسط بين الخميسات وخنيفرة ومكناس… يمكن استثمار هذا الموقع لجعل أولماس ملتقى يربط بين هذه المناطق”. بفضل مشاريع يقيمها في هذه البلدة، يعتقد شرورو أن أولماس ستجذب الناس أكثر فأكثر، وستصبح الحاجة إلى وسائل نقل جماعية، وبالتالي إلى محطة طرقية ملائمة، أمرا حتميا”.
يخطط رئيس هذه الجماعة، كما يقول، إلى جعل أولماس عاصمة للرياضة في هذه المنطقة، بدءا بمشروع قرية لألعاب القوى على مساحة 8 هكتارات، تشمل بنيات استقبال هائلة. يعول هذا المسؤول المحلي على اتفاقات مع السلطات الحكومية المركزية لتحسين مناخ الاستثمار في مشاريع الرياضة، وكذلك السياحة الجبلية. الرجل متيقن من أن لبلدته “مستقبل زاهر بينما تستقبل الآلاف من الزوار”.
حتى ذلك الحين، يتعين أن يكتفي بالحافلات الثلاث التي تعبر بلدته في الوقت الحالي. لكن يمكنه أن يضيف إليها كما يشير، حافلات النقل المزدوج التي تُستخدم بكثرة في هذه المنطقة، وأيضا سيارات الأجرة. بشكل معين، فإن شرورو يخطط لأن تكون محطته “مرفقا اقتصاديا”.
الصفقة… ثم الرخصة
لنعد الآن إلى الصفقة المثيرة للجدل. مضى عام وثلاثة شهور، ولدى جماعة أولماس ما يلي: صفقة مكتملة، وموافقة مبدئية من إدارة الأملاك الخاصة للدولة حول اقتناء العقار، لكن ليست هناك رخصة بناء.
وافق مجلس جماعة أولماس في دورة فبراير من العام الماضي، على اقتناء أرض ستخصص لبناء محطة طرقية. في بلدة مثل هذه، ليس يسيرا الحصول على أرض بالسرعة المطلوبة، فالعقارات كلها في ملكية الدولة، وللحصول عليها، يتعين سلك مسطرة بطيئة.
حتى الآن، فإن جماعة أولماس حصلت على “موافقة مبدئية” من إدارة أملاك الدولة بشأن طلب الاقتناء. لقد حُددت الأرض، لكن سعرها لم يتحدد بعد. يقول محمد شرورو رئيس الجماعة، إن السعر قد يتراوح ما بين 65 و75 درهما للمتر المربع. مساحة الأرض المطلوبة هكتار كامل. سيكلف العقار في نهاية المطاف حوالي 800 ألف درهم على أقصى تقدير.
لكن المشكلة ليست هنا. الأرض رخيصة، لكن رخصة البناء ثمينة في هذا النوع من الإجراءات. بعدما أنهى شرورو صفقة بناء المحطة الطرقية، يقف في الوقت الحالي، منتظرا حصوله على رخصة بناء. إنه يقول بأن “العملية في مراحلها الأخيرة… سنحصل على الرخصة قريبا”. لا يريد شرورو التعرض لانتقادات جراء استباق الرخصة بإتمام الصفقة. إذا ما سارت الأمور على نحو خاطئ، قد يكلف ذلك الجماعة الكثير من الأموال في المحاكم بسبب مطالب تعويضات. يؤكد شرورو بأن هذا “لن يحدث”، وهو يريد من الناس أن تعرف أن “الموافقة المبدئية” لإدارة الأملاك الخاصة للدولة “كافية لاستخراج رخصة بناء”.
صفقة “على مقاس” من؟
لا يتعين على أي شركة أن تفكر كثيرا في هذه التفاصيل. ما يهم هو الصفقة في حد ذاتها.
أطلقت جماعة أولماس طلب عروض أثمان مفتوح مطلع هذا العام. حددت القيمة التقديرية للأشغال في 14 مليونا و972 ألف درهم.
في 31 مارس الفائت، جرت عملية فتح الأظرفة الخاصة بهذه الصفقة. ثلاث شركات قبلت اللجنة المشرفة على هذه العملية مشاركتها في السباق إلى الحصول على الصفقة. شركة SAAT، وERREGGUI، وDELTA RAFIK.
سترسو الصفقة على شركة الـERREGGUI. هذه مؤسسة عائلية مقرها في أولماس. رفضت الجماعة ملفات الشركتين الأخريتين، واحدة مقرها في الخميسات، والثانية في الدار البيضاء، بسبب عيوب جوهرية في عروضها التقنية.
ستثير شركة رابعة ملاحظات حول الطريقة التي نالت بها شركة (E) هذه الصفقة. اسم الشركة HARANITRAV، ومقرها الاجتماعي في العاصمة الرباط، وكانت تحاول أن تنتهز فرصتها كذلك في الحصول على الصفقة، لكنها عجزت جراء الشروط المفروضة من لدن الجماعة.
في رسالة بعثت بها هذه الشركة إلى اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، وهي هيئة إدارية تتكلف بين مهام أخرى، بفحص شكايات المتنافسين أو نائلي عقود أو أصحاب عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص وعقود التدبير المفوض، تشدد الشركة على وجود “شروط متعسفة” في طلب العروض.
هذه الرسالة تلت مراسلات متبادلة بين الشركة والجماعة قبل موعد فتح الأظرفة. واحدة تلو الأخرى، كان رئيس الجماعة، محمد شرورو، يتمسك بنزاهة الشروط المقررة في صفقة محطة الحافلات.
يفرض دفتر شروط الصفقة، على الشركة التي ترغب في نيل الصفقة، أن تقدم إثبات ملكيات، وأوراق تأمين لوسائل عمل تراها ضرورية لتنفيذ المشروع. هذه الوسائل محددة في جدول كالتالي: جرافتين (TRACTOPELLE)، وآلة ضاغطة (COMPACTEUR) من وزن 12 طن، وخزان مياه سعة 8 طن، وشاحنتين بوزن 14 طن، وشاحنة خلط إسمنت، وحفارة (POCLAIN).
ترى الشركة التي تنتقد هذه الشروط، أن هذه الوسائل أُدرجت في دفتر الصفقة بشكل “مبالغ فيه”، كما “لا يتوافق مع طبيعة وحجم المشروع”.
يرد رئيس الجماعة، محمد شرورو، بالقول “إن الآليات المدرجة في هذه الصفقة من المتطلبات الضرورية في مشروع سيكلف تنفيذه أزيد من 17 مليون درهم”، مشيرا إلى أن “دفاتر شروط الصفقات تتضمن مثل هذه المتطلبات في العادة، وليس هناك ما يثير الاستغراب”. في جوابه المؤرح في 29 مارس، على ملاحظة الشركة في هذا الجانب، يؤكد شرورو على “الطبيعة العادية” لهذه الاشتراطات، لكن الشركة لم تقتنع بذلك، مثلما لم تقتنع بمبرراته في نقاط إضافية.
أعمال شركات… وسياسية!
في العرض التقني، لاحظت شكوى تلك الشركة أن رئيس الجماعة طلب شواهد تكييف وتصنيف بخصوص أشغال ثانوية مرتبطة بالصفقة، إضافة إلى تلك المطلوبة في أشغال البناء وفق التشريع المعمول به. لكنه، سيقرر عدم المطالبة بشواهد التكييف والتصنيف الخاصة بالكهرباء. تشكك هذه الشركة في أن تغاضي رئيس الجماعة عن طلب شهادة التنصيف هذه يستند إلى أن “الشركة التي صُممت لها الصفقة، لا تملك شهادة تكييف في الكهرباء”.
لكن رئيس الجماعة يقلل من شأن هذه الشكوك، ويقول لنا: “إن قانون الصفقات العمومية يفرض المطالبة بشهادة تكييف أو تصنيف للكهرباء إذا كانت الأشغال المتعلقة به تعادل أو تفوق مبلغ 500 ألف درهم، بينما في صفقة المحطة الطرقية، فإن قيمة أشغال الكهرباء لا تصل إلى هذا المبلغ”.
بعثت الشركة بشكوى إلى المجلس الأعلى للحسابات. ولقد أشارت إلى حصول شركة (E) على الصفقة بمبلغ يفوق القيمة التقديرية بـ18 في المائة. بدلا عن 14 مليونا و972 ألف درهم التي قدرت الجماعة أن يستحقها مشروع المحطة الطرقية، فإن الشركة نالت الصفقة بـ17 مليونا و741 ألف درهم.
في هذه الشكوى، فإن الشركة الوحيدة التي تقدمت بعرض أعلى مما هو مقرر في طلب العروض كانت هي الشركة التي نالت الصفقة في نهاية المطاف. هل هي مصادفة؟ ليس في الشكوى ما يشير إلى ذلك.
إلا أن رئيس الجماعة يعتبر “هذه التركيبة من الاتهامات مثيرة للاستياء”، فهو يؤكد أن الاطلاع على قانون الصفقات العمومية لا يجعل من الزيادة بـ18 في المائة من القيمة التقديرية للصفقة صكا للاتهام. “القانون يجيز أن نرفع قيمة الصفقة بـ20 في المائة، كما لا يسمح أن تقل بـ25 في المائة… إننا نضع قيمة تقديرية مبينة على قائمة أسعار أولية لمواد البناء، وهي في ضوء تقلبات السوق، لا تسعف أي شركة على التخطيط الجيد للأعمال وفقا للقيمة التقديرية الأصلية”. يشير الرئيس إلى أن جماعته “لا تملك قائمة محينة للأسعار لتقدير قيمة تقديرية دقيقة لتنفيذ مشروع بناء كالمحطة الطرقية”.
بالنسبة للشركتين الأخريتين اللتين فُحصت ملفاتهما خلال عملية فتح الأظرفة، فإنهما لم تتجاوزا مرحلة الملف الإداري. “لا يمكن إذن، الحديث عن زيادة في الأموال العمومية لصالح شركة محددة”، كما يضيف شرورو.
رغم الشكوك، يشعر شرورو بالاطمئنان إزاء هذه الصفقة. “ليس رئيس الجماعة وكأنه استفاق وقرر أن يمنح شركة ما أموالا عامة بدون خضوع لأي رقابة، كما يقول قبل أن يتابع: “دفاتر التحملات أعدها مكتب دراسات، ومهندس معماري… اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية حصلت على نسخة أولية من الصفقة قبل إعلانها، ولم تطرح أي اعتراضات، ثم إن القابض التابع لوزارة المالية لم يشر بدوره إلى أي مخالفة”.
بدلا من الاعتقاد بأن رئيس هذه الجماعة قد سلم أموالا عامة إلى شركة تجاوره عنوان الإقامة في بلدة صغيرة كأولماس، فإنه يريد من الناس أن تنظر إلى ما هو أكثر أهمية في الجانب المتعلق بنيل شركة محلية لصفقة هذا المشروع. “لقد أطلقت الصفقة كي يشارك فيها الجميع… من أولماس أو من الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة. لم أخف شيئا، لكن يسرني أن شركة من أولماس هي من حصلت على الصفقة”. يعتقد شرورو أن هذه الشركة مفيدة أكثر على الصعيد المحلي لاسيما في توظيف العمال المحليين. بالنسبة للشركات الأخرى، “سيكون ذلك مشكوكا في حدوثه لو كانت قد نالت الصفقة”.
يرأس شرورو هذه الجماعة منذ 2009، وطيلة هذه الفترة، كما يقول، نالت الشركة التي تشكوه صفقتين من جماعته، بينما نالت الشركة التي نالت مشروع المحطة الطرقية، صفقتين كبيرتين أيضا شملتا بناء ملاعب.
تستمر شركة HARANITRAV في المطالبة بإجراء تحقيق في ظروف هذه الصفقة. لكن شرورو لا يبدو مهتما. وهو يقول: “لم أكن أرغب في التحدث عن شركة من زاوية غير الأعمال، لكن هذه الشركة يسيرها مسؤول كان يخطط لمنافستي خلال الانتخابات في الجماعة والبرلمان، وقد فشل في ذلك… ما يفعله الآن مشاحنة سياسية مغلفة بغطاء شركة”.
تنفي الشركة أن يكون لديها هدف سياسي من وراء الشكاوى إزاء هذه الصفقة.