أمد/ متابعات: أراد القدر أن يجعل من برج مشتهى في مدينة غزة الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي اسمًا على مسمى، وهو يكشف عن شهية مفتوحة لدى الجيش الذي يصف نفسه بالأكثر أخلاقية في العالم، لتدمير الأبراج السكنية.

شهية الاحتلال لا تزال مفتوحة وبشكل كبير على إحداث مزيد من الدمار في قطاع غزة، استكمالا لما بات يُجمَع بشكل كبير على وصفها بحرب إبادة يتم شنّها منذ أكثر من 700 يوم.

برج مشتهى دُمِّر تلاه برج السوسي سُوِّي بالأرض ويبدو أن القائمة مرشحة لتشهد المزيد من الأبراج الشاهقة التي يدمرها الاحتلال الإسرائيلي في المدينة التي تحتضن مئات آلاف الفلسطينيين، المدعوين تحت وطأة التهديد الناري والتخويف المميت للنزوح من مناطقهم.

بالعودة للوراء، يجد المتابع للشأن الفلسطيني أن سياسة تدمير الأبراج السكنية ليست وليدة الحرب الراهنة على غزة، لكنّها جريمة إسرائيلية معتادة، لها ما وراءها من الأهداف.

ففي عدوان 2014 استهداف الاحتلال أبراجًا سكنية كبيرة لعل أبرزها برج الظافر، مرورًا حرب 2021 لم يختلف الأمر كثيرًا عن تدمير أبراج سكنية وكان لافتًا في ذلك العدوان التدمير بوتيرة متسارعة، وصولًا بالحرب الراهنة التي تتوعد إسرائيل فيها بأن مدينة غزة سترى فيها جحيمًا، ويبدو أن الوعيد بدأ تنفيذه.

كلمات مبكية في رثاء الأبراج

علاقة خاصة تلك التي تجمع بين الفلسطينيين في غزة وأبراجهم، حيث يودعونها كأنها شهداء فقدوهم خلال حرب ألمت بهم كما لم تألم بهم حرب من قبل.

دوافع نفسية من وراء تدمير الأبراج

يؤكد المكتب الإعلامي الحكومي أن تدمير الاحتلال للأبراج السكنية مرتبط بدوافع عسكرية واستراتيجية ونفسية وسياسية بجانب الدوافع العسكرية المعلنة زعمًا باستهداف مواقع للمقاومة.

وقد اعتاد جيش الاحتلال على إتباع سياسة صدمات نفسية للفلسطينيين عبر توزيع آلة قتل فتاكة ومستمرة تُصنفها الكثير من الدول والجهات الدولية بأنها حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان تجمع بين القتل بالنار والتجويع.

مبررات الاحتلال للتدمير

تبرر إسرائيل غاراتها المدمرة للأبراج بأن الأخيرة تحوي نشاطًا لحركة حماس، في خطوة يراها مراقبون بأنها ذريعة لتبرير تدمير كل شيء في غزة.

الذريعة الإسرائيلية فنّدها مكتب الإعلام الحكومي وإدارتا البرجين المدمرين “السوسي ومشتهى”، بتأكيد أنه لا يوجد أي نشاط للمقاومة في هذه الأبراج.

غزة.. مدينة الـ51 ألف مبنى

في مدينة غزة، يبلغ عدد الأبراج والعمارات السكنية متعددة الطوابق في مدينة غزة أكثر من حوالي 51 ألف مبنى وفق إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع، ما يشير إلى أن دمارًا هائلًا سيكون سائدًا حال تنفيذ مخطط الاحتلال.

يقول المكتب الإعلامي إن تدمير الاحتلال برج مشتهى السكني وإصدار تهديدات بإزالة مبانٍ سكنية في مناطق مأهولة يمثل انتهاكًا جوهريًّا لالتزامات القانون الدولي الإنساني فيما يخص التمييز والتناسب والحماية التتبعية للسكان المدنيين.

علاقة التدمير بالتهجير

التدمير الممنهج لأبراج غزة رُبط بمخطط إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من القطاع، وهو ما يمثل أحد الأهداف المعلنة للحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.

في حديث لـ«الشروق»، يقول سفير فلسطين السابق في القاهرة بركات الفرا، إن مخطط الاحتلال في تدمير أبراج غزة يأتي في إطار التمهيد لإجبار الفلسطينيين على المغادرة من خلال التهجير.

الخطة الإسرائيلية في هذا الإطار تتضمن العمل على ألا يبقى في غزة مسكن صالح للسكن سواء كان التدمير كليًّا أو جزئيًّا، وفق الفرا.

مخطط ريفيرا غزة يطل برأسه

وبحسب السفير السابق، فإن ما تشهد مدينة غزة من توسيع للعدوان ولحجم الدمار يأتي أيضًا في إطار تنفيذ خطة إسرائيلية أمريكية تهدف للسيطرة على غزة وتنفيذ مشروع ريفيرا في غزة.

ووفق تسريبات عدة، فإنّ جوهر مشروع ريفيرا يتضمن العمل على تهجير مليوني فلسطيني قسرًا، مع وضع غزة تحت وصاية أمريكية تمتد عقدًا كاملًا.

ويسوِّق هذا المخطط لفكرة الرحيل الطوعي أو إعادة توزيع السكان مؤقتًا داخل القطاع بذريعة تسهيل إعادة الإعمار.

يقول السفير الفرا إن الولايات المتحدة التي تمنع جوازات السفر عن الفلسطينيين لدخول الولايات المتحدة، لن تسمح لهم بالعودة إلى قطاع غزة إذا غادروه تحت ذريعة هذا المشروع.

ما السبيل لوقف مخطط إسرائيل؟

«المواجهة العربية» هي السبيل الوحيد لوقف مخطط التهجير، وفق الفرا الذي يقول إن هذه المواجهة يجب أن تكون حقيقية لوقف الحرب الراهنة على الفلسطينيين.

سألت «الشروق» عن الآليات المتاحة للدول العربية، فأجاب سفير فلسطين السابق بأن الأمر ليس بالضرورة خوض حرب، لكن هناك إمكانية للضغط على الولايات المتحدة عبر مصالحها الممتدة في المنطقة بما يجعلها تتخذ قرارًا بوقف هذه الحرب لتفرضه على إسرائيل.

يحذر الفرا من أن المشكلة لا تقتصر على غزة، وينبه إلى الوضع المزري في مختلف الأراضي المحتلة، قائلًا إن هناك دمارًا كبيرًا في الضفة الغربية ومحاولة لفصل شمالها عن جنوبها، بجانب محاولة فصل القدس عن محيطها العربي.

الشروق المصرية

شاركها.