هل وفّقت المقاومة في اختيار توقيت الإعلان عن استشهاد الضيف؟
فاجأت المقاومة بإعلان استشهاد أبرز قياداتها العسكرية خلال المواجهة مع قوات الاحتلال والتي كانت بدأت منذ السابع أكتوبر 2023، أبرزهم محمد الضيف الذي كان المطلوب الأول لأجهزة استخبارات الكيان منذ عقود، لكن اختيار القسام لهذا التوقيت للإعلان عن استشهادهم بعد ستة أشهر من سقوطهم في ميدان الشرف، يطرح الكثير من الأسئلة حول دوافع وحسابات هذا التوقيت.
في الوقت الذي كانت فيه العيون منتبهه ومشدودة بشكل مركّز إلى عملية تسليم الأسرى الصهاينة واستقبال الأسرى الفلسطينيين المحررين من سجون الاحتلال، فاجأ المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة بإعلان قاس ومؤلم، باستشهاد الرقم الأول في الكتائب قائد أركان القسام، محمد الضيف، نائب قائد أركان القسام مروان عيسى وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية غازي أبو طماعة، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت وقائد لواء خان يونس رافع سلامة، قائد لواء الشمال أحمد الغندور وقائد لواء المحافظة الوسطى أيمن نوفل في أثناء المعركة.
تعتقد بعض المواقف أن توقيت الإعلان لم يكن مناسبا، كون أنه ليس هناك ضاغط على المقاومة يفرض عليها إعلان استشهاد القادة الآن، وأنه كان يمكن تأجيل ذلك إلى وقت لاحق، كما أنه إعلان قد يؤثر على مناخات الفرحة الفلسطينية بالعودة وتحرير الأسرى، والعامل الأبرز أنه قد يمنح حكومة الاحتلال جرعة نشوة بتحييد أغلب قيادات الصف الأول في المستوى العسكري للمقاومة، إضافة إلى القيادات السياسية التي سبق وأن تم استهدافها، في وقت تغرق فيه حكومة نتنياهو في أتون أزمة داخلية حادة قد تطيح بها في غضون شهر مارس المقبل.
تبدو هذه التحفظات معقولة على صعيد سياسي، لكن المقاومة تكون قد قدّرت أن هذه الفترة التي يشعر فيها الفلسطينيون بالفخر والاعتزاز بنجاح خط العودة إلى الشمال، والانتصار على خطط العدو وحلفائه لتهجير الفلسطينيين واتساع نطاق الفرحة بعودة عشرات الأسرى من سجون العدو، بما فيهم عدد من أسرى المؤبدات والأحكام العالية، ظرف مناسب للإعلان عن استشهاد القادة لدفع كل الأطراف الفلسطينية المعنية بهذه المكاسب المحققة، أنها لم تأت من فراغ وإنما كانت في مقابل تضحيات كبيرة وقاسية.
على صعيد آخر، يمكن فهم تصرف المقاومة على أساس تقديرها أن الإعلان عن استشهاد هذه القيادات في الوقت الحالي، لا يشكل أي خبر جديد بالنسبة لمجتمع الكيان ومستوياته السياسية والعسكرية التي كانت تعلم في الغالب باستشهاد قيادات القسام منذ يوليو2024، بعد استهداف مربع كبير في منطقة خان يونس، حيث كان الكيان أعلن حينها أن الغارة تلك كانت استهدفت القيادي في القسام، الضيف ومروان عيسى وعدد من القيادات المهمة في القسام، إذ كان رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو قد أعلن في 13 يوليو 2024، أن الغارة ضد خيام النازحين في منطقة المواصي بخان يونس استهدفت القيادي في كتائب القسام محمد الضيف، إضافة إلى أن المجتمع الصهيوني يبدو منشغلا الآن على وجه التحديد باستعادة الأسرى واستكمال الصفقة، وهذه كلها عوامل تحد من قدرة حكومة نتنياهو المرتبكة داخليا والمقيّدة بضغوط ترامب على توظيف هذا لصالحها سياسيا أو استغلاله كدعاية للنصر وتحقيق أهداف الحرب على غزة.
وعلى مستوى آخر تبدو المقاومة بصدد إعطاء مؤشرات هامة في تعاطيها بصدق وشفافية مع حاضنتها الشعبية والسياسية، حيث لم تتردد حال انتهاء المحاذير الأمنية الضاغطة، من الإعلان والإقرار باستشهاد الضيف، خاصة وأنه لم يكن ممكنا الإعلان عن ذلك في وسط المعركة بالنظر إلى مخاوف من تأثير ذلك على الصف المقاتل، مع ما يتضمّن الإعلان عن استشهاد الضيف ورفاقه قادة الصف الأول، من مغزى سياسي وعسكري وتعبوي كبير في علاقة باستمرار أداء المقاومة وبمنحى أكبر طيلة الستة أشهر الأخيرة التي أعقبت استشهاد الضيف والقيادات بين يوليو 2024 حتى التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في 16 يناير 2025.
وإضافة إلى الضيف ورفاقه الذين أعلن الخميس عن استشهادهم قبل فترة في غضون معركة “طوفان الأقصى”، خسرت حماس خلال هذه المواجهة عددا آخر من قيادات الصف الأول، أبرزهم رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، والقائد يحيى السنوار، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، ورئيس مجلس القضاء الحركي الأعلى لحركة حماس، تيسير إبراهيم رئيس مجلس شورى حركة حماس بقطاع غزة أسامة المزيني، وعدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس روحي مشتهى وسامح السراج جميلة الشنطي جواد أبو شمالة رئيس جهاز الأمن العام لحماس بقطاع غزة سامي عودة وأعضاء من قيادة الضفة الغربية ياسين ربيع خالد النجار والقيادي زكريا معمر.