هل تغيّر فعلاً أم يرتدي قناعًا جديدًا؟” تصريحات أحمد الشرع وزيارة عضو الكونغرس الأميركي إلى سوريا تثير انتباه دوائر إسرائيلية

أمد/ أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقائه مع عضو الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان، الذي زار سوريا مؤخرًا، جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية في المنطقة، وطرحت تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت هذه التصريحات تعبّر عن تحوّل استراتيجي حقيقي في موقف الشرع، أم مجرد مناورة تكتيكية تستهدف تحسين صورته وتوسيع نفوذه السياسي.
لقاء غير مسبوق ومطالب “واقعية”
الشرع خلال لقائه مع ستوتزمان تحدث بلغة سياسية معتدلة، طالب فيها بـ:
1. انسحاب القوات الإسرائيلية من الجانب السوري من الجولان.
2. وقف القصف داخل الأراضي السورية.
المثير أن هذه المطالب، ورغم حساسيتها، اعتُبرت من قبل بعض المراقبين مطالب “واقعية نسبيًا”، خاصة في ضوء ما طرحه دان فيفرمان، رئيس مجلس إدارة منظمة “شراكة”، المعنية بدعم السلام بين إسرائيل ودول اتفاقيات إبراهيم، الذي قال:
“لا أعلم هل تغيّر الشرع فعلاً أم فقط يرتدي حُلّة مختلفة؟ لكن ما أعلمه هو أن نظرتنا للعالم تتغير مع النضج، وإذا لم تستغل إسرائيل والولايات المتحدة هذه اللحظة، فقد نخسر لصالح إيران وروسيا”.
مناورة تكتيكية أم تحوّل حقيقي؟
مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن قال في ورقة تقدير موقف أن التساؤل الأهم حاليا : هل تغيّر أحمد الشرع بالفعل؟ أم أن ما نشهده هو محاولة براغماتية لإعادة التموضع السياسي في ظل تحولات إقليمية ودولية؟
رغم أن الشرع كان سابقًا أحد أبرز وجوه التنظيمات الجهادية المسلحة، إلا أن ظهوره الأخير كمحاور سياسي يطالب بـ”وقف القصف” و”انسحاب تدريجي”، قد يُفهم في سياق محاولة فتح قناة حوار مع الغرب، خصوصًا مع مؤشرات التراجع في نفوذ إيران داخل سوريا، والضغوط الروسية للتهدئة على الساحة الجنوبية.
لكن عدم صدور أي تعليق رسمي من الحكومة السورية حول زيارة ستوتزمان، أو حتى حول زيارة ما يقرب من ٦٠٠ رجل دين درزي من دمشق والسويداء إلى إسرائيل، يطرح أسئلة أخرى حول مدى التنسيق الداخلي، والتباين بين مراكز القرار في سوريا، وخصوصًا بين السلطة المركزية والفاعلين العسكريين والسياسيين المحليين.
فرصة استراتيجية… أم خطر مزدوج؟
يرى بعض المراقبين، ومنهم فيفرمان، أن الوقت الحالي يشكل فرصة نادرة لإعادة رسم دور سوريا في المنطقة، من بوابة “اتفاقيات إبراهيم” التي تدفع بها الولايات المتحدة كشبكة نفوذ واستقرار جديدة في الشرق الأوسط. غير أن غياب الرؤية الإسرائيلية الواضحة، وتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الأخيرة الرافضة لأي انفتاح سياسي، قد تقوّض هذا المسار قبل أن يبدأ.
كما أن المطالب التي طرحها الشرع تقابلها مخاوف أمنية إسرائيلية مشروعة، تتعلق ببقاء المنشآت العسكرية الحساسة في الجنوب، ومنع أي فراغ تستغله إيران أو حزب الله لإعادة التمركز.
توصيات وملاحظات ختامية
وخرجت الورقة البحثية لمركز رصد بعدد من التوصيات ومنها إن التصريحات الأخيرة للشرع تمثل تحوّلًا في اللغة لا بالضرورة في النوايا، ويجب التعامل معها بواقعية استراتيجية دون الوقوع في فخ الانبهار أو الشك المطلق.
كما آن إسرائيل والولايات المتحدة أمام نافذة فرص ضيقة يمكن من خلالها تحييد بعض الجبهات، وإعادة صياغة دور سوريا في معادلات المنطقة.
وتوصلت الورقة أيضا إلى أن زيارة ستوتزمان، بصرف النظر عن نتائجها، كسرت جدار العزلة الأميركي عن سوريا، وقد تكون مقدمة لمزيد من الانفتاح السياسي غير التقليدي.
وفي النهاية تشير الورقة إنه سواء كانت تصريحات الشرع انعكاسًا لتحوّل داخلي حقيقي أو مجرد قناع سياسي جديد، فإن اللحظة الراهنة تتطلب حذرًا دبلوماسيًا، وجرأة محسوبة، خصوصًا في ظل السيولة الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وتبدّل مواقف بعض اللاعبين المحليين والدوليين تجاه الملف السوري.