أمد/ في ظل واقع اقتصادي يزداد تعقيدًا، تواصل أزمة الرواتب في الضفة الغربية خنق موظفي القطاع العام، دون مؤشرات على حلول قريبة، حتى خرج وكيل وزارة المالية الفلسطينية، مجدي الحسن، في تصريحات حديثة أكد فيها أن الأزمة ليست عابرة، بل تعكس اختناقاً مالياً هيكلياً تعيشه السلطة الفلسطينية.

“الحسن” أوضح أن أقل من ٦٠٪ فقط من موظفي الحكومة يتقاضون رواتبهم كاملة حالياً، فيما تواجه وزارة المالية احتمالية خفض هذه النسبة إلى نحو ٣٥٪ خلال الأشهر القادمة، وهو ما ينذر بموجة احتجاجات اجتماعية وربما اضطرابات مؤسساتية أوسع.

ويبدو أن المسؤول المالي الفلسطيني حمّل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية المباشرة عن هذه الأزمة، وهذا لأن استمرار إسرائيل في احتجاز أموال المقاصة أو الضرائب، وهي المصدر الأساسي الذي تعتمد عليه ميزانية السلطة الفلسطينية في دفع رواتب موظفيها. فتلك الأموال التي تحتجزها إسرائيل تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وتشكل أكثر من 60% من الإيرادات العامة الفلسطينية، ويعد تجميد هذه الأموال عقابًا سياسيًا تستخدمه إسرائيل كلما تصاعد التوتر بين الطرفين، ما يترك الحكومة الفلسطينية في مأزق مزمن.

ربما لا تقتصر الأزمة هناك على الرواتب فحسب، بل تمتد لتشمل كامل البنية المالية للسلطة، حيث تعاني من انكماش في الإنفاق العام وتراجع في التحويلات الخارجية وصعوبة في الحصول على تمويلات دولية مشروطة بالاستقرار السياسي، فالأزمة الحالية تُضاف إلى سلسلة أزمات متراكمة منذ أكثر من عقد، كما أن ارتباط الوضع المالي الفلسطيني بالقرار السياسي الإسرائيلي يجعل أية خطط إصلاح اقتصادي مرهونة بمتغيرات خارجة عن الإرادة الوطنية.

وواقعيا، انعكس الشلل المالي مباشرة على حياة أكثر من 140 ألف موظف حكومي في الضفة، بينهم معلمون وأطباء وعاملون في الأمن، الذين أصبحوا عاجزين عن تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية في ظل تآكل الأجور وارتفاع الأسعار، كما تمتد تداعيات الأزمة إلى القطاع الخاص أيضا، إذ تعتمد الكثير من المؤسسات التجارية والخدمية على إنفاق الموظفين العموميين ما أدى إلى ركود اقتصادي واضح وزيادة في معدلات البطالة وتراجع في القوة الشرائية.

في المقابل، لم تصدر الحكومة الفلسطينية حتى الآن خططًا واضحة لتخفيف آثار الأزمة أو إعادة ترتيب الأولويات المالية، ويعتبر كثيرون أن غياب الشفافية المالية والاعتماد المفرط على الإيرادات المحتجزة يضعف من قدرة الحكومة على المناورة.

أما الشارع الفلسطيني، فيعيش حالة من القلق المتزايد لا سيما في ظل انسداد الأفق السياسي وغياب آليات دولية فعالة للضغط على إسرائيل للإفراج عن الأموال المحتجزة، وهو ما يترك الموظفين في مواجهة مفتوحة مع الغلاء والديون والإحباط.

لذلك إذا استمر تآكل دخل الأسرة الفلسطينية دون تدخلات عاجلة من المجتمع الدولي أو حلول داخلية مبتكرة كإعادة هيكلة الإنفاق أو فرض ضرائب تصاعدية مؤقتة، فقذ ينفجر الوضع لأكثر من ذلك، ورغم تشديد السلطة الفلسطينية على أنها تبذل كل ما في وسعها لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار، فإن الأزمة تبدو أكبر من قدراتها خاصة مع استمرار التوترات الأمنية على الأرض، والتي تزيد من تعقيد المشهد المالي. 

مع مرور الوقت دون حلول جذرية، تزداد المخاوف من أن تتحول أزمة الرواتب إلى وضع دائم يفرض نفسه على الفلسطينيين كأمر واقع، فغياب الأفق السياسي، وتراجع الدعم الدولي، والانكشاف المالي للسلطة، كلها عوامل تجعل من تدهور الرواتب حالة مزمنة، وإذا لم تُتخذ خطوات إصلاحية جريئة، فقد يصبح “تقبل النقص” سياسة مالية غير معلنة وهو ما يهدد بتآكل الأمن الاجتماعي وفقدان الثقة في الدولة.

لذلك يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى يمكن للموظف الفلسطيني الصمود في وجه أزمة يبدو أنها قد تتحول من ظرف طارئ إلى وضع دائم؟

شاركها.