أثار قرار المحكمة الدستورية بشأن مشروع قانون المسطرة المدنية وخاصة إقرار عدم دستورية تولي وزارة العدل تدبير النظام المعلوماتي المخصص لتوزيع القضايا وتعيين القضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بها، زلزالاً في وزارة العدل التي انخرطت في وضع هذا النظام المعلوماتي وصرفت عليه ميزانية ضخمة وموارد بشرية مهمة.

مبعث القلق هو ما يبدو من تناقض قرارين للمحكمة الدستورية، كل قرار أصدره قضاة مختلفون بعد تغيير أعضاءالمحكمةالدستورية:

القرار الأول صدر في 8 فبراير 2019 في عهد الرئيس سعيد إهراي، بشأن التنظيم القضائي للمملكة، وقد أجاز المادة 25 التي تسند لوزارة العدل تدبير النظام المعلوماتي.

وقد نصت المادة على ما يلي:
« تعتمد المحاكم الإدارة الإلكترونية للإجراءات والمساطر القضائية، وفق برامج تحديث الإدارة القضائية التي تضعها وتنفذها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، وذلك بتنسيق وثيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، كل فيما يخصه. »
اما القرار الثاني فصدر في 4 غشت 2025 في عهد الرئيس الحالي محمد أمين بن عبد الله بشأن مشروع قانون المسطرة المدنية، واعتبر إسناد تدبير النظام المعلوماتي لوزارة العدل غير دستوري، ومخالفاً لمبدأ فصل السلط واستقلال السلطة القضائية، المقررين بموجب الفصلين الأول و107 من الدستور.

وقد انصب القرار الثاني على المادتين 624 (الفقرة الثانية) و628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة) من قانون المسطرة المدنية، اللتين نصتا على أن:

« تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبير هذا النظام المعلوماتي ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة به، بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة. »
و »تُقيد القضايا حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها في السجل الإلكتروني المعد لهذه الغاية بالنظام المعلوماتي، ويعين النظام المعلوماتي القاضي أو المستشار المقرر أو القاضي المكلف، حسب الحالة، باعتباره مكلفاً بتجهيز الملف المحال إليه فوراً بطريقة إلكترونية. »

واعتبرت المحكمة أن توزيع القضايا وتعيين القضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بها يعد عملاً ذا طبيعة قضائية، مما لا يجوز معه تخويل تدبير هذا الجانب، باستخدام نظام معلوماتي، لغير السلطة القضائية.

ومن حيثيات القرار أن الفقرة الأولى من المادة 54 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص على ما يلي:

« تُحدث هيئة مشتركة بين المجلس والوزارة المكلفة بالعدل ورئاسة النيابة العامة تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، وتعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة، كل فيما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية. »

وأكدت المحكمة أن حسن تدبير الإدارة القضائية يندرج في إطار الصالح العام، وأن الشأن القضائي لا يعد موضوعاً للتنسيق بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بل تستقل به هذه الأخيرة، ويمارسه قضاة الأحكام والنيابة العامة دون تدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وأضافت أنه وإن كان مبدأ التعاون بين السلط، خصوصاً في مجال الإدارة القضائية، يقتضي عند الحاجة التنسيق بينها لتحقيق غايات مشتركة ومنها النجاعة القضائية عبر « رقمنة المساطر والإجراءات القضائية »، إلا أن توزيع القضايا وتعيين القضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بها يظل عملاً قضائياً صرفاً، مما لا يجوز معه تخويل تدبير هذا الجانب لغير السلطة القضائية.

كما أوضحت أنه إذا كان تعيين القضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بالقضايا يتم بصفة آلية عبر النظام المعلوماتي أو تغييره من قبل رئيس المحكمة، فإن ذلك لا يطرح إشكالاً متى كان هذا النظام مدبَّراً من قبل السلطة القضائية وحدها. أما إذا تولت وزارة العدل تدبيره ومسك قاعدة بياناته، واقتصر دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة على مجرد « التنسيق » مع الوزارة، فإن ذلك يعد مخالفاً لمبدأ فصل السلط واستقلال السلطة القضائية، المقررين بموجب الفصلين الأول و107 من الدستور.

وبناء عليه، اعتبرت المحكمة أن الفقرة الثانية من المادة 624 والفقرتين الثالثة والأخيرة من المادة 628 مخالفة للدستور.

أمام هذا الوضع، كيف ستتصرف وزارة العدل التي أطلقت خصصت موارد مالية وبشرية مهمة  لوضع النظام المعلوماتي؟ وهل سيتم نقل كل هذه الموارد إلى السلطة القضائية؟

شاركها.