”هكذا جرفنا عالم الإدمان وكلنا أمل في التعافي”
أحمد، ياسين، مصطفى، عمر، منير وغيرهم، شباب في عمر الزهور من مختلف ولايات الوطن، التحقوا بمركز مكافحة المخدرات ببوشاوي في العاصمة، وكلهم أمل في التخلص من شبح الإدمان وفتح صفحة جديدة في حياتهم بعيدًا عن دوامة الموت البطيء. هذه هي القصص التي ترويها شهادات هؤلاء الذين تحدثوا عبر منبر “” عن تجربتهم.
التحقنا بالمقر بعد موعد مسبق. كانت الساعة تشير إلى 11 صباحًا. بدا المكان الموجود داخل الغابة هادئًا. بعد التعريف بهويتنا، توجهنا رفقة أحد أعوان الأمن إلى إحدى القاعات لحضور أول جلسة مع إحدى الدفعات.
في طريقنا، وجدنا العديد من الأولياء جالسين في الرواق بانتظار فلذات أكبادهم، وعيونهم مليئة بالكسرة والحسرة. دخلنا القاعة التي كان فيها حوالي 12 شابًا قدموا من مختلف ولايات الوطن للبدء في رحلة العلاج، رفقة رئيس المركز الذي استقبلنا ليطلعنا على البروتوكول المتبع لمساعدة المدمنين.
أبدى الحاضرون خلال جلستهم الأولى للعلاج إرادة قوية في ترك عالم الإدمان، وتبادلوا أطراف الحديث مع مدير المركز الذي شرح لهم طريقة العلاج الطبيعية التي يعتمدها المركز.
وبعد مرور لحظات، بدت على أحدهم علامات القلق وهوس التعاطي. رغم محاولات المدير التخفيف عنه، إلا أن الشاب لم يستطع المكوث أكثر في المكان وقرر الهروب والقفز من النافذة. لحسن الحظ، جميع القاعات عبارة عن شاليهات متواجدة في الطابق الأرضي.
وعلى مدار ساعة تقريبًا، قدم عبيدات نصائح وإرشادات للمدمنين تساعدهم على الاستجابة للعلاج. ركز هذا الأخير على الوازع الديني والنفسي لإرشاد هؤلاء، حيث اختار لعبة نفسية هي “مروج المخدرات”.
فقام بتوزيع أموال مزيفة على الشباب بعدما سألهم عن المبلغ الذي كانوا يصرفونه على هذه السموم. تباينت الأجوبة بين من كان يدفع 4000 دج إلى غاية 12000 دج يوميًا. بعد انتهاء الحصة، تقربنا من بعض الوافدين وأجمع معظمهم أن المشاكل الأسرية ورفاق السوء هم السبب الرئيسي لولوجهم عالم المخدرات.
هشام… رمز للكفاح
أثناء جولتنا في المركز، شد انتباهنا هشام، شاب في العشرينيات من العمر. تقربنا منه، وبعد التعريف بهويتنا لم يمانع في الحديث معنا. أخبرنا هشام أنه كان مدمناً على المخدرات وبعد انتهاء علاجه تم تنصيبه موظفًا في إدارة المركز، ليصبح بذلك رمزًا للشاب المكافح.
يقول: “الحمد لله، تغلبت على شبح الإدمان الذي سلبني الحياة وقتل كل جميل بداخلي. ها أنا الآن أسرد لكم تجربتي وكيف قضيت قرابة عقد من عمري تائهًا في دوامة الإدمان، وكيف تمكنت من الخروج منها في النهاية”.
بعد لحظات من الصمت، تابع هشام وعلامات التأثر بادية على وجهه: “بداية الكابوس كانت في 2015، عندما كنت تلميذًا في المرحلة الثانوية مقبلاً على شهادة البكالوريا. كنت ضعيف الشخصية بسبب تراكمات الأفكار والمشاعر السلبية، خاصة بعدما مررت بتجارب خذلان. عانيت من جرح عميق وعدم استقرار نفسي منذ الطفولة. كانت البداية بتدخين الشيشة في المقاهي مع الأصدقاء. كنت مولعًا بكرة القدم آنذاك، ولكن لم تعد تلك الجلسات تلبي رغباتي كما كانت في السابق”.
وأضاف بنبرة حزينة: “استمررت في تدخين الشيشة لمدة عام تقريبًا، وكنت أستهلكها مرة واحدة في الأسبوع. ولكن لم يكن ذلك كافيًا بعد فترة، وتزايدت مرات الاستهلاك. بعد عام من تدخين الشيشة، ومع اجتيازي لشهادة البكالوريا، وجدت صعوبة في تلبية رغباتي، فلجأت إلى تدخين السجائر”.
وتابع: “في شهر رمضان من عام 2015، استبدلت الشيشة بالسجائر، حيث كانت متوفرة وسهلة الوصول. بعد عيد الفطر من نفس العام، تم الإعلان عن نتائج البكالوريا ونجحت بمعدل متوسط. التحاقي بمعهد البيطرة في سوق أهراس كان بداية فصل جديد من معاناتي مع الإدمان”.
وأوضح هشام أنه بعد فترة من الضياع، قرر الخروج من متاهة الإدمان وزار المركز. بفضل العلاج، استعاد عافيته وطوّر مهاراته، وبدأ العمل في مجال التصميم الجرافيكي والمونتاج.
وأضاف: “هدفي اليوم أن أصبح أفضل صانع محتوى، كما أنني شرعت في تأليف كتاب أسرد فيه تجربتي مع الإدمان”.
التفكك الأسري…
من بين الشباب الذي تحدثنا معه، كان محمد، 18 سنة، الذي كان برفقة والدته. بعد طمأنته بعدم كشف هويته، سرد قصته قائلاً: “ترعرعت وسط عائلة مفككة، وعند بلوغي 15 سنة تركت الدراسة. بعد سنة من الضياع، تعرفت على رفاق السوء الذين أوهموني أن المخدرات ستكون الحل”.
تابع: “كنت أصرف حوالي 4000 دج يوميًا على المخدرات، ووصل بي الحال إلى سرقة أغراض المنزل لتمويل إدماني”. وبفضل مساعدة والدته، تمكن محمد من تلقي العلاج في المركز ويقول: “البداية كانت بالصلاة والعودة إلى الله”.
أرقام مفزعة…
سجل المركز أرقامًا مخيفة للحالات الواردة في سنة 2023/2024. فيما يخص الحبوب المهلوسة، تم إحصاء 1998 حالة للفئة العمرية من 17 إلى 30 سنة، 3 بالمائة منها إناث. أما القنب الهندي، فقد تم تسجيل 1445 حالة، 2 بالمائة منها إناث. المخدرات الصلبة، مثل الهيروين، تم تسجيل 844 حالة، والكوكايين 745 حالة.
”هذه مراحل العلاج بالمركز ونستقبل الجميع”
من جهته، كشف مدير المركز الوطني لإنقاذ الشباب من آفة المخدرات، عبد الكريم عبيدات، لـ “”، أن المركز تابع للمجتمع المدني “المنظمة الوطنية لرعاية الشباب” ويندرج بروتوكول العلاج فيه ضمن برنامج طبيعي بنسبة 100 بالمائة، حيث يشهد إقبالاً من 58 ولاية، ويُعتبر نموذجًا على مستوى إفريقيا.
وأكد عبيدات أن للمركز خصوصيات تتمثل في السرية قبل كل شيء، وقد افتُتح هذا المركز في عام 2019 وشهد إقبالًا من 7750 شابًا وشابة، ويعالج حاليًا 1600 شخص.
وقال المتحدث أن العلاج يتم من خلال تحفيز الشباب والتركيز على الجانبين النفسي والديني، بالإضافة إلى تقديم “تيزانة” مكونة من أعشاب طبيعية مدروسة، صُنعت من قبل أحد المختبرات وتحتوي على 13 عشبة.
هذه الأعشاب تساعد في تخفيف القلق، التعب الجسدي، الوسواس القهري وتهدئة الجسم، وبالتالي مساعدته على النوم، ويتم تناولها مرتين في اليوم.
أما العلاج الثاني “الميكانيكي”، فيتم من خلال أجهزة تحرك الدورة الدموية وتحفز الجسم. كما يوجد جناح رياضي لتحريك الجسم، وجناح شبه طبي تُستخدم فيه الحجامة والتدليك لمختلف أجزاء الجسم لتحفيز الدورة الدموية. بالإضافة إلى جهاز “سكانير” لتنقية الجسم من السموم.
ويشمل العلاج أيضًا وضع المدمنين في حمام مائي لمدة 30 دقيقة، وبعد أسبوع يقومون بحركات رياضية لمدة 40 دقيقة في المسبح، إلى جانب توفير أطباء نفسيين.
وأضاف أن الشباب يخضعون لاختبارات في نهاية كل شهر للكشف عن وجود الإدمان في الجسم، ويُستخدم جهاز آخر بعد 3 أشهر لمعرفة تطور حالة المريض.
وأكد عبيدات أن المركز يكرم المتعافين من الإدمان عند تخرجهم، حيث تُقدم لهم شهادات من قِبل أوليائهم في لحظات مليئة بالمشاعر. وأشار إلى أن دفعة جديدة تتخرج من المركز كل ثلاثة أشهر.
وأوضح عبيدات أن نسبة كبيرة من النساء، سواء المتزوجات أو العازبات ومن مختلف الشرائح، تأتي للمركز لتلقي العلاج. وأكد أن متعاطي المخدرات الصلبة يتم توجيههم إلى مستشفيات تيزي وزو، شراقة والبليدة وعيادة خاصة في حيدرة.