هذه تأثيرات حرب النيجر على الجزائر
أخطر ما قد يترتب عن حرب النيجر المتوقعة لا يتعلق بالحرب وتداعياتها الأمنية، بل التداعيات الإنسانية والاقتصادية للنزاع، والتي تتجاوز الجزائر إلى دول أوروبا.
أدى اندلاع الحرب الأهلية في مالي، في الفترة بين عامي 2012 و2013، إلى نزوح 55 ألف مواطن مالي نحو الجزائر بين عامي 2012 و2015، بمعدل هجرة أكثر من 18 ألف شخص سنويا، وساهم عدم الاستقرار في مالي في هجرة وفرار ما لا يقل عن 30 ألف مواطن نيجري إلى الجزائر، نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء. وقد بدأت الهجرة القادمة من النيجر عندما قررت الجزائر استقبال لاجئين فارين من حرب مالي، وبلغ إجمالي اللاجئين والمهاجرين السريين الذين تدفقوا على الجزائر في غضون أقل من 4 سنوات أكثر من 100 ألف، نجح عدد منهم في الوصول إلى أوروبا، وعانت الجزائر في الفترة بين 2012 و2017 من أطول موجة هجرة ولجوء من إفريقيا الصحراء، وهذا رغم أن حرب مالي كانت في المنطقة الشمالية من البلاد أو إقليم أزواد ذي الكثافة السكانية الضعيفة، واحتاجت الجزائر لترتيب عمليات ترحيل طويلة ومرهقة بالاتفاق مع دول الجوار، اعتبارا من 2017.
أما الحرب المتوقعة في النيجر فإنها ستشمل مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة في النيجر، في جنوب البلاد، وهو ما يعني أن الجزائر قد تواجه مشكلة وأزمة هجرة ولجوء أكبر من تلك التي عرفتها قبل حوالي 10 سنوات، ومن المتوقع أن لا يقل عدد المهاجرين الفارين من النيجر عن 100 ألف، وطبقا للتوقعات فإن نسبة كبيرة من المهاجرين واللاجئين ستتجه إلى أوروبا عبر الجزائر، وقد تواجه الجزائر ودول المنطقة كارثة إنسانية في الصحراء في حالة تمدد النزاع وانتقاله إلى دول أخرى.
ما يثير القلق بالنسبة لجمهورية النيجر، التأثير الاقتصادي للحرب المتوقعة، فالجزائر تراهن بشكل كبير على مشاريع مشتركة بين الجزائر والنيجر للتنمية في المنطقة ككل، ضمن المقاربة الاقتصادية والتجارية للجزائر مع دول الجوار الإفريقي، ومن المؤكد الآن أن حرب النيجر الجديدة ستؤدي على الأقل لتأجيل مشروع خط أنابيب الغاز نيجيرياالجزائرأوروبا، ومشاريع أخرى تجارية واقتصادية مهمة، ومصدر القلق الأشد بالنسبة للجزائر أن يسفر التدخل العسكري المتوقع في النيجر عن اندلاع حرب أهلية طويلة تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد المحلي، ومن ثَمَّ الانهيار الاقتصادي في هذا البلد، مع نتائج كارثية على الوضع الإنساني، واحتمال نزوح موجات من اللاجئين نحو الجزائر، وهذا سيضع على الجزائر عبئا إنسانيا واقتصاديا وأمنيا، ليس فقط في مجال تحضير مخيمات لإيواء الفارين من الحرب المحتملة، بل لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا مرورا بالجزائر.
على عكس ما يشاع ويتداول من تحاليل أمنية وسياسية حول تأثير الحرب المتوقعة في النيجر على الجزائر، فإن النزاع الجديد جنوب الجزائر لن تكون له تأثيرات على الأمن الوطني الجزائري، لكن تأثير النزاع الاقتصادي والإنساني في المنطقة هو مصدر القلق الحقيقي في الجزائر كما في عدة دول بالمنطقة.
وساهمت الجاهزية القصوى للقوات العسكرية الجزائرية المرابطة على الحدود الجنوبية مع مالي والنيجر في منع أي تسلل عبر الحدود طيلة الفترة منذ عام 2012، تاريخ بداية الحرب الأهلية في دولة مالي، ثم التدخل العسكري الفرنسي في هذا البلد في 2013، ومن غير المتوقع، بل شبه مستحيل أن تسفر أي حرب جديدة عن اضطراب أمني أو تسلل إرهابيين أو تهريب أسلحة إلى الجزائر، وهذا ليس فقط بسبب الجاهزية القصوى للقوات العسكرية الجزائرية الموجودة على طول حوالي 2300 كلم من الحدود البرية الجزائرية مع مالي والنيجر، وقد أثبتت تجارب حرب ليبيا وحرب مالي فاعلية الإجراءات والتدابير الأمنية في الحدود الجزائرية، فبالرغم من ملايين القطع من السلاح التي تم تهريبها من ليبيا إلى دول المنطقة بعد اندلاع الحرب في هذا البلد، نجحت الجزائر في حجز كميات ضخمة من السلاح المهرب، وهو جزء بسيط من الأسلحة المهربة من ليبيا، كما أن خبرة الجيش الوطني الشعبي في مكافحة الإرهاب المتراكمة في الصحراء ستلعب دورا كبيرا في حالة وقوع أي طارئ أمني على الحدود، وبينما تتحدث تقارير إعلامية وتحاليل عن التأثيرات الأمنية للحرب على الجزائر، فمن شبه المؤكد أن الوضع على الحدود الجزائرية في كل مكان تحت السيطرة الكاملة.