اخر الاخبار

“نيوزويك”: فوز ترامب نهاية لزعامة الإمبراطورية الأمريكية العالمية

أمد/ واشنطن: تناول دان بيري، محرر سياسي خبير بشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، الدور المتغير لأمريكا في السياسة العالمية، بالنظر إلى الاحتمالات الانعزالية في ولاية ترامب الثانية.

وقال اهتم العالم بشكل كبير بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ويتساءل الناس في كل مكان عما ستعنيه عودة دونالد ترامب في الجغرافيا السياسية، ولكن هل أمريكا مهتمة بالعالم؟ على نحو متزايد، وبالتأكيد إذا حكمنا من خلال الحملة الانتخابية التي تركز على الداخل، ليس كثيرًا، وهذا خروج خطير عن الإجماع الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية.

وأوضح بيري، وهو محرر سابق في وكالة أسوشيتد برس، في مقاله بموقع مجلة “نيوزويك”، كيف تحولت السياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقود من الزمان: من منظور دولي بعد الحرب العالمية الثانية، إلى موقف ترامب الأخير الذي يركز على الداخل تحت شعار “أمريكا أولاً”.

فنادرًا ما كان الناخبون الأمريكيون يتحمسون كثيرًا للسياسة الخارجية، لكن المؤسسة السياسية كانت كذلك بالتأكيد، وإذا ما استمعت إلى خطابات الرؤساء من هاري ترومان ودوايت أيزنهاور إلى جورج دبليو بوش وباراك أوباما ستلاحظ إجماعًا مذهلًا من الحزبين حول استخدام القوة الأمريكية لتعزيز الديمقراطية والحرية والقيم الليبرالية.

”قال أيزنهاور الجمهوري في خطاب الوداع عام 1961: ”طوال مغامرة أمريكا في الحكم الحر، كانت أهدافنا الأساسية هي الحفاظ على السلام، وتعزيز التقدم في الإنجازات الإنسانية، وتعزيز الحرية والكرامة والنزاهة بين الشعوب وبين الأمم. وقال الديمقراطي ليندون جونسون، في عام 1967: ”نحن نحلم بعالم يتغذى فيه الجميع ويشحن بالأمل، وسنساعد على تحقيق ذلك“.

فبدءاً من ترومان، أكد الرؤساء الأمريكيون باستمرار على تعزيز الديمقراطية والسلام والاستقرار الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم.

وعززت المبادرات البارزة، مثل تشكيل حلف شمال الأطلسي وخطة مارشال، الالتزام بالأمن الجماعي والنظام القائم على القواعد.

وأيّد الرؤساء أيزنهاور وجونسون ونيكسون هذا النهج، إذ اعتبروا القوة الأمريكية أمراً حاسماً للدفاع عن الحرية العالمية.

وحتى في خضم التأثيرات الانقسامية لحرب فيتنام، شعر قادة البلاد بواجب مقاومة الاستبداد، مما يؤكد تفانيهم الحزبي للقيادة الأمريكية.

وكانت زيارة نيكسون التاريخية للصين وسياسات ريغان في الحرب الباردة مبنية على رؤية أمريكا لتعزيز الاستقرار والنمو العالميين.

واستمر هذا الالتزام في إدارة أوباما، التي سعت إلى تحقيق التوازن بين القوة والأهداف، والاعتراف بعيوب السياسة الخارجية الأمريكية ولكنها أكدت على تأثيرها الإيجابي الشامل في الأمن العالمي.

انقلاب ترامب على السياسة الخارجية

ورأى الكاتب أن انتخاب ترامب في عام 2016 انحرف بشكل كبير عن هذا التقليد، إذ أكد ترامب أن كل دولة يجب أن تعطي الأولوية لمواطنيها، وحث البلدان على رعاية نفسها بدلاً من الاعتماد على الدعم الأمريكي.

وهزت تصريحات ترامب بأن حلف شمال الأطلسي “عفا عليه الزمن”، وأن أمريكا لا تتحمل سوى القليل من الالتزامات بدعم الأنظمة الدولية حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وألقت بظلال من الشك على الالتزامات الخارجية الأمريكية طويلة الأمد.

وأوضح الكاتب أن هذا التحول يأتي بعواقب وخيمة على الاستقرار العالمي، خاصة فيما يتصل بالتحالفات والردع. على سبيل المثال، أثار خطاب ترامب “أمريكا أولاً” مخاوف من أن تتخلى الولايات المتحدة عن المساعدات العسكرية لأوكرانيا، الأمر الذي يترك البلاد فعلياً عرضة للعدوان الروسي.

وقال، بيري إن مثل هذه الخطوة لن تؤثر في أوكرانيا فحسب، بل إنها تشير أيضاً إلى تحول أوسع نطاقاً من شأنه أن يشجع القادة الاستبداديين.

أوروبا الشرقية والشرق الأوسط

ولفت الكاتب إلى أن موقف ترامب الانعزالي يثير المخاوف بين حلفاء أوروبا الشرقية، الذين قد يضطرون إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الدفاع دون دعم أمريكي مضمون.

ويروي بيري المخاوف من مؤتمر أوكرانيا الأخير في بوخارست، حيث كان الحاضرون قلقين من أن أمريكا بقيادة ترامب قد تقلل من الانتشار العسكري في بولندا ورومانيا، الأمر الذي قد يعرض موقف أوروبا الشرقية الأمني لخطر التوسع السوفييتي.

وفي الشرق الأوسط، يعكس موقف ترامب العدواني تجاه إيران، والتحالفات غير التقليدية مع بعض دول الخليج وإسرائيل ميله إلى العمل الأحادي الجانب بدلاً من الدبلوماسية التقليدية.

وأشار الكاتب إلى أن أنصار ترامب في المنطقة يتوقعون أنه قد يتعامل مع إيران بنهج “العصا الغليظة”، مما قد يؤدي إلى تعطيل الاستقرار الهش في المنطقة. ومع ذلك، فإن أسلوب ترامب قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها، حيث أن تركيزه على العلاقات الثنائية قد يهمل الأطر المتعددة الأطراف التي ساعدت تقليدياً في استقرار الصراعات الإقليمية.

مسألة تايوان ونفوذ الصين المتوسع

في المحيط الهادئ، يحذر الكاتب من أن عدم القدرة على التنبؤ بترامب يمثل نقاط ضعف جديدة، وخاصة بالنسبة لتايوان؛ فاعتماد تايوان على الدعم الأمريكي أمر بالغ الأهمية لردع الصين، التي أظهرت اهتماماً متزايداً بتأكيد السيطرة على الجزيرة.

وأوضح بيري أن أمن تايوان قد يقوضه إحجام ترامب المحتمل عن التدخل في الصراعات الأجنبية. وقد يشجع هذا التقاعس طموحات الصين، ويزيد من عدم الاستقرار الإقليمي ويقوض التزام الولايات المتحدة التاريخي بالدفاع عن الدول الديمقراطية من التعدي الاستبدادي.

الانقسامات الداخلية

وتناول الكاتب الاختلاف داخل الحزبين السياسيين الرئيسين في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن نهج بايدن في السياسة الخارجية يعتمد على العودة إلى القيم التقليدية للأممية، والدفاع عن التحالفات، ودعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي.

ومع ذلك، أشار الكاتب إلى أن هناك جناحاً تقدمياً داخل الحزب الديمقراطي يفضل إعادة تخصيص الموارد لبرامج محلية مثل الرعاية الصحية والتعليم. وعلى الجانب الجمهوري، ابتعد جناح “أمريكا أولاً” الذي يهيمن عليه ترامب عن الميول العالمية، التي مثلتها ذات يوم شخصيات مثل ريغان وبوش، مفضلاً التوجه الانعزالي الذي يعطي الأولوية للمخاوف المحلية على التحالفات والتدخلات العالمية.

العواقب العالمية لتراجع الإمبراطورية الأمريكية

وقال الكاتب إن تآكل الدور العالمي للولايات المتحدة يتطلب من العالم الاستعداد لمستقبل بدون حاميه التقليدي. ويؤكد هذا التغيير على تراجع أوسع نطاقاً عن الرؤية المشتركة بين أجيال من القادة الأمريكيين.

وخلص الكاتب إلى أن العالم يمر بمرحلة انتقالية مع إعادة تقييم أمريكا لمسؤولياتها، وهو ما قد يشير إلى نهاية “إمبراطورتيها الحسنة النية”، ومع تضاؤل دور أمريكا، قد يواجه المجتمع الدولي تهديدات متزايدة من الاستبداد الجامح، منوهاً إلى أن تداعيات هذا التحول لن تشكل مستقبل أمريكا فحسب، بل وأيضاً استقرار العالم الذي اعتمد على الزعامة الأمريكية لعقود من الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *