أمد/ واشنطن: نشرت مجلة “نيوزويك” تقريرا حول إعمار غزة، قالت فيه، في ظل الهدنة الهشة التي أنهت أحد أكثر الفصول دماراً في تاريخ قطاع غزة، بدأ آلاف الفلسطينيين رحلة العودة إلى ديارهم المهدمة، مشهد الأنقاض الهائل يثير سؤالاً لا يمكن تجنبه: أين سيعيش الغزيون بعد كل هذا الخراب؟.

وفي هذا الإطار، قال الباحثون شيلي كولبرتسون، باحثة أولى في مؤسسة “راند” متخصصة في سياسات إعادة الإعمار، وكوبي روثنبرغ، شريك في مؤسسة ORG Permanent Modernity المتخصصة في العمارة والتخطيط، وروب لاين، مؤسس شركة Plan + Process  للتصميم العمراني، إن الخطة المكونة من عشرين نقطة، التي طرحتها الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب، تضمنت مبدأ أساسياً: “لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يرغب في الرحيل فله الحرية في العودة متى شاء، وسنعمل على تشجيع الناس على البقاء، وتوفير الفرص لبناء غزة أفضل”.

لكن هذا الطموح يصطدم بتحديات واقعية هائلة. فوفقاً للباحثين، تم تدمير أو تضرر أكثر من 62 في المئة من المساكن، فيما تشير التقديرات إلى وجود نحو 51 مليون طن من الركام الممزوج بآلاف القنابل غير المنفجرة، في مساحة لا تتجاوز 140 ميلاً مربعاً، يعيش فيها 2.2 مليون إنسان.

أوضح الباحثون، في تقرير تحليلي بموقع مجلة نيوزويك الأمريكية، أن إسكان هذا العدد الكبير من السكان بعد الحرب يتطلب نهجاً جديداً جذرياً في إعادة الإعمار. وأضافوا أن خطتهم الشاملة للإسكان في غزة تهدف إلى تحقيق توازن بين المأوى الفوري للنازحين، وبناء مجتمعات دائمة ومنظمة على المدى الطويل.

وقال الباحثون إنّ الخطوة الأولى هي إعادة التفكير في مفهوم المخيمات. فالمخيمات، رغم كونها حلاً مؤقتاً، غالباً ما تتحول إلى أحياء دائمة مزدحمة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، كما حدث في ثمانية مخيمات أنشئت في غزة عامي 1948 و1967، وتحوّلت لاحقاً إلى مناطق مكتظة لا تصل إليها سيارات الإسعاف. وأشار الباحثون إلى أن مخيم جباليا يمثل مثالاً صارخاً لذلك، إذ تحول إلى بؤرة سكنية مزدحمة قبل أن يدمر بالكامل خلال الحرب الأخيرة.

المخيمات المستقبلية

تابع الباحثون أن الحل يكمن فيما أسموه “المخيمات المستقبلية”، وهي مخيمات تصمم منذ البداية لتصبح لاحقاً نواة لأحياء منظمة. وأوضحوا أن هذه المخيمات يجب أن تقام على أطراف المدن، ضمن بنية تخطيطية واضحة تتضمن شوارع ومربعات سكنية قابلة للتطوير، بحيث يبدأ السكان بالعيش في خيام أو وحدات جاهزة، ثم تبنى حولهم المباني تدريجياً بشكل منظم.

وأضاف الباحثون أن تحليل الصور الفضائية لغزة أظهر وجود مساحات مفتوحة زراعية سابقة قرب المدن يمكن تحويلها إلى هذه المخيمات الحديثة، على أن تمتد إليها المرافق البلدية تدريجياً، كما يحدث في الضواحي الحديثة.

إعمار تدريجي

وأشار الباحثون إلى أن إعادة الإعمار داخل المدن القديمة ستكون مكلفة وخطيرة وبطيئة، إذ إن بعض المناطق تحتاج إلى الإزالة الكاملة قبل إعادة البناء بسبب الأنفاق المنهارة والألغام والمباني المنهارة. وفي هذه الأثناء، يمكن تطبيق مفهوم “العمران التدريجي” في الأحياء الأقل تضرراً، بحيث يعود السكان إلى منازلهم القابلة للسكن، ويقيمون مؤقتاً في خيام، أو وحدات جاهزة، إلى أن يتم الترميم حولهم.

وأضاف الباحثون أن هذا النموذج يسمح للسكان بالمشاركة الفعلية في إعادة بناء مجتمعاتهم، ويعيد لهم الشعور بالانتماء والاستقرار. وأشار الباحثون إلى أن غزة ستحتاج أيضاً إلى أحياء جديدة بالكامل تقام على الأراضي الزراعية السابقة، حيث يكون البناء فيها أسرع وأقل تكلفة، مستشهدين بتجارب ناجحة، مثل مدينة حمد في غزة (التي دُمرت لاحقاً)، ومدينة روابي في الضفة الغربية.

خطة متكاملة ورؤية واقعية

وقال الباحثون إن دمج 3 مسارات، إعادة البناء، والتنمية الجديدة، والمخيمات المستقبلية، يمكن أن يوفر حلاً واقعياً ومستداماً. وأضافوا أنهم رسموا خرائط لمناطق محددة يمكن أن تستوعب هذه المشروعات الثلاثة ضمن خطة شاملة تراعي الواقع الميداني والاحتياجات الإنسانية.

وأوضح الباحثون أن الهدف هو “ضخ بعض الواقعية المدروسة” في نقاش طالما تعطل بسبب الاعتبارات السياسية والغضب الشعبي والجداول الزمنية غير الواقعية.

وأكد الباحثون أن إرساء الأمن وتخطيط الأراضي بذكاء يمثلان الأساس لبناء أحياء تمنح الغزيين الأمل في مستقبل أفضل. وقالوا إن عملية إعادة إعمار منظمة ومدروسة لن تساعد فقط في بناء حياة جديدة للفلسطينيين، بل ستسهم أيضاً في تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.

نحو إعمار يزرع الحياة

واختتم الباحثون مقالهم بالقول إن إعادة إعمار غزة ليست مجرد مشروع هندسي أو خطة عمرانية، بل مشروع إنساني لبناء الأمل بعد الدمار، والتخطيط الواعي من شأنه أن يحول الركام إلى حياة جديدة، ويمنح سكان غزة فرصة حقيقية لاستعادة إنسانيتهم وكرامتهم.

شاركها.