نفوذ فرنسا يتآكل في الساحل الإفريقي
يتواصل تآكل نفوذ فرنسا وتتراكم خيبتها في الساحل، حيث أعرب حزب رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم عن معارضته لأي تدخل عسكري أجنبي لإرجاعه إلى السلطة. وفيما كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن سفير بلاده “محتجز” في النيجر طردت بوركينافاسو الملحق العسكري الفرنسي من أراضيها بتهمة ممارسة “أنشطة تخريبية وأمهلته مع فريق عمله أسبوعين لمغادرة البلاد، في مشهد يؤكد أن فرنسا باتت معزولة في دول كانت تعد حديقتها الخلفية.
أعرب حزب رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم، في بيان له، عن معارضته لأي تدخل عسكري أجنبي في البلاد، داعيا إلى العودة للنظام الدستوري في البلاد. وطالب الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية بإطلاق سراح “الرئيس بازوم وعائلته المحتجزين منذ 26 جويلية”، كما طالب بـعودة رئيس الجمهورية إلى مهامه وإعادة إرساء النظام الدستوري بكل الوسائل غير العسكرية وتعزيز وحدة الحزب وانضباطه.
واعتبر حزب بازوم أن أي تدخل عسكري لحل الأزمة في البلاد من شأنه أن يعرّض حياة المعتقلين للخطر، فضلا عن تبعاته السلبية على النيجر وشعبها. وقال البيان إن قادة الحزب درسوا موقفهم من الحل العسكري طوال الفترة ما بين 2 و14 سبتمبر، قبل التوصل إلى اتفاق بالأغلبية على معارضة التدخل الأجنبي المسلّح.
ويأتي موقف الحزب فيما تسعى فرنسا للدفع نحو التدخل عسكريا في النيجر. فبعد مبرر إرجاع السلطة لحليفها محمد بازوم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن السفير الفرنسي في النيجر “يحتجزه” العسكريون الحاكمون، لافتا إلى أن الطعام الذي يتناوله عبارة عن “حصص غذائية عسكرية”.
وأمر العسكريون في النيجر السفير الفرنسي بمغادرة البلد نهاية أوت الماضي، بعدما رفضت باريس الانصياع للمهلة التي طالبت برحيله ومنذاك الحين تستمر فرنسا في معارضة هذه المغادرة، معتبرة أن هذه الحكومة لا تتمتع بالشرعية للتقدم بمثل هذا الطلب.
وتؤيد فرنسا خطط المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في التدخل العسكري في النيجر لإعادة بازوم إلى السلطة، وقد كشف المجلس العسكري الأسبوع الماضي أن باريس بدأت بـنشر قواتها في عدد من دول غرب إفريقيا استعدادا لشن عدوان على البلاد في إطار تمسكها بخيار التدخل العسكري من أجل إرجاع حليفها الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى الحكم، في حين تعهّدت بوركينافاسو ومالي بالوقوف إلى جوار النيجر إذا ما أقدمت “إكواس” على عمل عسكري.
ويشهد نفوذ فرنسا في الدول الأخيرة تآكلا مستمرا يعكسه تعامل الأنظمة الجديدة معها، حيث طردت بوركينافاسو الملحق العسكري الفرنسي بتهمة ممارسة “أنشطة تخريبية” وأمهلته مع فريق عمله أسبوعين لمغادرة البلاد، جاء ذلك في مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية في واغادوغو، موقعة بتاريخ 14 سبتمبر الحالي وموجهة إلى الخارجية الفرنسية، تداولتها وسائل إعلام محلية وفرنسية، وهذه الخطوة هي أحدث علامة على تصاعد التوتر بين الدولة الواقعة في غرب إفريقيا ومستعمرتها السابقة فرنسا منذ استيلاء حكومة عسكرية على السلطة في انقلابين العام الماضي.
وورد في المذكرة أن وزارة الخارجية “سحبت اعتماد ملحق وزارة الدفاع في السفارة الفرنسية لدى بوركينافاسو، إيمانويل باسكييه، بسبب أنشطة تخريبية” دون تفاصيل عن ماهيتها. وتابعت المذكرة أن “باسكييه وفريق عمله لديهم مهلة أسبوعين لمغادرة الأراضي البوركينابية”.
وفي أول رد لها، اعتبرت باريس الاتهام الموجه من بوركينافاسو إلى ملحقها العسكري “خياليا” ونقلت وكالة “يورونيوز” عن ناطقة باسم الخارجية الفرنسية قولها إن “الاتهام بممارسة أنشطة تخريبية هو بالطبع من نسج الخيال”.
وتشهد العلاقات بين فرنسا وبوركينافاسو تدهورا منذ الانقلاب العسكري في هذا البلد في سبتمبر 2022، علما أنه الثاني في ثمانية أشهر. ومطلع العام الجاري قال القائد إبراهيم تراوري، الرئيس الانتقالي لبوركينافاسو الذي وصل إلى السلطة إثر انقلاب في نهاية سبتمبر من العام الماضي، كان الثاني في 8 أشهر، أمام مجموعة من الطلاب، إن “الكفاح من أجل السيادة قد بدأ”.
وبعد يوم من هذا التصريح علقت حكومة بوركينافاسو حينها الاتفاق الذي ينظم منذ 2018 وجود القوات المسلحة الفرنسية على أراضيها، كما ألغت بوركينا في مارس اتفاقا عسكريا مع فرنسا يعود إلى العام 1961، وذلك بعد بضعة أسابيع من مطالبتها بانسحاب القوة الفرنسية “سابر” من أراضيها التي تشهد أعمال عنف متطرفة. كذلك طلبت الحكومة مغادرة نهائية لجميع الطواقم العسكرية الفرنسية التي تعمل في إداراتها العسكرية وتم استدعاء السفير الفرنسي في واغادوغو بعد انقلاب سبتمبر 2022 ولم يعين أحد مكانه.
وباتت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة في عين العاصفة في بوركينافاسو طوال الشهور الماضية، كما فقدت نفوذها العسكري أيضا في مالي المجاورة. وتواجه باريس، التي كانت يوما الحليف التقليدي لدول الساحل الناطقة بالفرنسية، ضغوطا متزايدة من منتقدين يتهمونها بممارسة استعمار جديد، ورغم ذلك لا تبدو باريس مستعدة لوقف تدخلاتها العسكرية والسياسية في المنطقة بل تسعى لاتخاذ كافة الإجراءات في سبيل الحفاظ على مصالحها هناك.