نتنياهو ومحور فيلادلفيا لعبة السيطرة وعودة إلى ما قبل أوسلو
أمد/ في خضم الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط، تتجه الأنظار نحو بنيامين نتنياهو، الذى يجب على الفلسطينيين اخد الحذر منه الرجل الذي يعرف كيف يلعب بأوراقه في اللحظات الحرجة. لا يمكن لأحد أن ينكر براعة نتنياهو في مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي والسيطرة على مزاجه، حيث يُعرف بقدرته الفائقة على تحويل الأزمات إلى فرص، وقلب الأمور لصالحه في مواجهة خصومه. خصوصاً وهو متمرس فى السياسة وكان انتخب رئيسا للوزراء في عام 1996 وكان يعتبر اصغر رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل حين ذاك.
في خطابه الأخير، قدّم نتنياهو رسائل تحمل في طياتها دلالات هامة، ليس فقط للجمهور الإسرائيلي، ولكن أيضًا للمجتمع الدولي. أبرز هذه الدلالات كان ربط مصير الرهائن وعدم تخليه عن محور فيلاديلفيا بوجود إسرائيل ذاته، وهو طرح استراتيجي يخدم عدة أهداف. بالنسبة لنتنياهو، هذا الربط يجعل من نفسه ركيزة لا غنى عنها في معادلة الأمن القومي الإسرائيلي، ويعزز من مكانته كقائد يزعم أنه لا بديل له في هذه المرحلة الحرجة. من خلال هذه الخطوة، يسعى نتنياهو إلى تصوير نفسه ليس فقط كقائد سياسي، بل كمخلّص للشعب اليهودي، مُصوّبًا نحو إعادة بناء إسرائيل الجديدة بملامح تعكس رؤيته السياسية.
لكن هذه الورقة ليست الوحيدة في جعبة نتنياهو، فالمقترح الأمريكي الأخير حول التعامل مع قضية محور فيلادلفيا يُظهر توجهًا نحو إحالة بعض القضايا الشائكة إلى مراحل لاحقة من المفاوضات. يبدو أن إدارة الصراع الآن تركز على القضايا الأكثر إلحاحًا فى الحرب على غزه مثل الانسحاب الشامل من القطاع ووقف إطلاق النار. هذا النهج يُعيد إلى الأذهان أسلوب “إحالة القضايا العالقة للمرحلة النهائية”، حيث يتم تأجيل الحسم في المسائل المعقدة إلى حين تهيئة الظروف المناسبة لها.
على الجانب الآخر، تبدو حركة حماس في موقف متأزم، حيث يتراجع موقفها بشكل مستمر منذ السابع من أكتوبر. كانت حماس تمتلك أوراق قوة كبيرة في بداية التصعيد، مع اننا منذ البداية حذرنا من هذه الخطوة وتبعياتها وها نحن ندفع ثمنها الان ومستقبلا لكن مع مرور الوقت، تبدو هذه الأوراق تتساقط واحدة تلو الأخرى. الخسائر الكبيرة في الأرواح والإبادة الجماعيه التى ترتكبها إسرائيل يوميا فى غزه والبنية التحتية والبيوت المدمرة مع كل مقومات الحياه إلى جانب فقدان السيطرة على أجزاء من الأرض، تجعل موقف حماس أكثر ضعفًا في أي مفاوضات مستقبلية.
إضافةً إلى ذلك، تفقد حماس ببطء الأوراق التفاوضية التي كانت تمتلكها، مما يجعلها تواجه صعوبات متزايدة في فرض شروطها أو تحقيق أي مكاسب استراتيجية. هذه التراجعات لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى الجانب السياسي أيضًا، حيث يبدو أن حماس تواجه عزلة متزايدة وصعوبات في الحفاظ على الدعم الإقليمي والدولي.
أحد القضايا المحورية التي تؤكد رغبة نتنياهو في إبقائها ضمن إطار المفاوضات هي قضية محور فيلادلفيا. هذا المحور يعتبره نتنياهو أساسيًا في منع تهريب الأسلحة إلى غزة، وهو ما يجعله متحفظًا بشدة على الانسحاب منه. بالنسبة لنتنياهو، فإن السيطرة على هذا المحور تعد عنصرًا استراتيجيًا في ضمان تفوق إسرائيل العسكري على حماس واحتواء أي تصعيد مستقبلي.
وفي الوقت الذي يركز فيه نتنياهو على محور فيلادلفيا، تشن إسرائيل حملة عسكرية وأمنية واسعة في الضفة الغربية، تستهدف الإنسان الفلسطيني والأرض على حد سواء. هذه الحملة تتزامن مع جهود منهجية لإفراغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، والدفع باتجاه التهجير القسري، وهو ما تحدث عنه سابقآ وهو ما يعد امتدادًا لسياسات إسرائيلية تهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي على الأرض.
إن هذه السياسات في الضفة الغربية، بالتوازي مع تشديد القبضة على غزة ومحور فيلادلفيا، تعكس استراتيجية إسرائيلية شاملة تستهدف تقليص الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية. بالنسبة لنتنياهو، هذه الاستراتيجية تعتبر وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية، حتى لو كانت تعني استمرار الحرب بل استمرار النزاع وتأجيل أي حلول دائمة.
انعكاسات هذا الوضع على المفاوضات القادمة ستكون كبيرة، إذ أن حماس تجد نفسها في وضع أضعف مما كانت عليه في بداية الحرب. كل خطوة إلى الوراء تقلل من خياراتها التفاوضية وتضعها في موقف حرج أمام الشعب الفلسطيني وأمام المجتمع الدولي. وفي المقابل، يستغل نتنياهو هذا الوضع لتعزيز موقعه التفاوضي، حيث يسعى لتقديم إسرائيل كطرف قوي ومستعد لحسم الأمور وفقًا لمصلحته، مما يضع حماس في موقف المدافع بدلًا من المهاجم.
ومع كل هذه التطورات، نجد أن المشهد يعيدنا إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، حيث كانت الفصائل الفلسطينية تعاني من انقسامات داخلية وضعف في الموقف التفاوضي أمام إسرائيل. اتفاق أوسلو جاء كمحاولة لتغيير هذا الواقع، ولكنه في النهاية لم يحقق الأهداف التي كانت تطمح إليها القيادة الفلسطينية. اليوم، ومع تراجع حماس وفقدانها للأرض والأرواح، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بشكل أو بآخر، وهو ما ينذر باحتلال غزه من جديد.
حماس، التي كانت تأمل في إعادة رسم الخارطة السياسية في غزة وفلسطين، لتقدم نفسها كقائد للشعب الفلسطيني وبديلا عن المنظمه تجد نفسها الآن محاصرة بواقع جديد يعيدنا إلى نفس الأسئلة التي طرحت قبل أوسلو: كيف يمكن للفلسطينيين تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية في مواجهة إسرائيل، وما هو السبيل للخروج من دائرة الخسائر المستمرة؟ هذا الوضع يعزز من موقف إسرائيل، التي تستغل كل تراجع فلسطيني لتعزيز سيطرتها على الأرض وفرض شروطها في أي مفاوضات قادمة.
اعتقد على ما يبدو أن الطريق أمام حماس والفلسطينيين بشكل عام بات أشد تعقيدًا، والعودة إلى مرحلة ما قبل أوسلو تعني مواجهة نفس التحديات القديمة ولكن في سياق أكثر صعوبة وتعقيدًا. الأيام القادمة ستكشف إن كانت حماس ستتمكن من استعادة بعض أوراقها التفاوضية، أم أن التاريخ سيعيد نفسه بشكل أكثر قسوة هذه المرة. وهل ستنجز صفقه مشرفه وتوقف الحرب ام بافعالها ستبقى الاحتلال فى غزه سواء بالشكل الحالى اوبشكل اخر.