أمد/ ما أن انتهت القمة العربية الإسلامية في الدوحة، لبحث العدوان السافر على دولة قطر بهدف اغتيال قيادات حركة حماس، حتى اختلفت التقييمات لنتائجها بين مؤيد ورافض ومستنكر. المؤيدين اعتبروا أنّ نجاح قطر في حشد هذا الكم من الدول العربية والإسلامية وحده يمثل إيجابية يجب عدم التقليل من أهميتها، لأنها وجهت رسالة للعالم بأنّ الدول والمجتمعة في قمة الدوحة الطارئة ترفض رفضاً قاطعاً هذا العدوان. وبالتالي وجد هؤلاء في الموقف الموحد في إدانة العدوان فرصة لتطوير هذا الموقف إلى ترجمات عملية. وليس بعيداً فإنّ الدعوة إلى إعادة النظر في العلاقات مع الكيان أيضاً من إيجابيات تلك النتائج، وإن لم يسمي اتفاقات “أبراهام” صراحة. وعكست تلك النتائج إدراكاً بأن العدوان الصهيوني على قطر في استهدافه قد شكّل خطراً على المنظومة الأمنية الإقليمية واستقرارها.
أما من رفض واستنكر تلك النتائج وهم على حق وذلك لسبب بسيط، أنّ كل القمم السابقة سواء العربية أو العربية الإسلامية بما فيها التجمعات والمنظمات بياناتها الختامية مكررة ولم تتضمن ومنذ عقود طويلة أية مواقف وفق خطط ومنهجية عمل وآليات تنفيذية بعناوين طرد السفراء الصهاينة من الدول المشاركة بالقمة وتفعيل المقاطعة الاقتصادية، ووقف ما يسمى “الاتفاقات الإبراهيمية”. وقد أثبتت تلك القمم وبياناتها الختامية عجزها وعقمها في كبح الكيان الصهيوني وعدوانه المستمر على أكثر من بلد عربي وإسلامي، في حرب الإبادة الجماعية منذ السنتين على قطاع غزة وعلى الضفة الغربية بما فيها القدس. وعلى لبنان واليمن وسورية وتونس وإيران وليس أخرها على قطر. وبالتالي البيان الختامي لقمة الدوحة الطارئة في مجمل مخرجاتها لم ترقى إلى مستوى المأمول والمتوقع، بل أكدت كما سابقاتها عجز الموقف العربي وفشله أمام الهيمنة الأميركية ودعمها اللامحدود لكيان الاحتلال الصهيوني. الأمر الذي وجد فيه من رفض نتائج القمة على أن تلك النتائج الباهتة والهابطة سيفتح على المزيد من عدوانية حكومة الكيان الفاشية بزعامة نتنياهو مدعوماً من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتماديه في مواصلة العدوان ليس عند حدود الدوحة وقد يطال العديد من الدول العربية والإسلامية في مصر والجزائر وتركيا والعراق… الخ.
رغم النتائج المخيبة للآمال، فإنّ ما شهدته المنطقة على وقع العدوان على الدوحة، مع استمرار حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يجب أن يضع الجميع أمام مواجهة التحديات في ظل التمادي الغير مسبوق لحكومة كيان الاحتلال في تجاوزها للخطوط الحمراء بهدف إعادة رسم المنطقة وفق رؤيته بأبعادها المختلفة. وقد عبر عنها نتنياهو بوقاحته المعهودة، وخلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “i24” العبرية، أطلق تصريحات غاية في الخطورة كاشفاً عن أطماعه التوسعية، في قوله: “إنني في مهمة تاريخية وروحانية ومرتبط عاطفياً برؤية إسرائيل الكبرى”. وهذا سيدفع أولاً، إلى إعادة تقييم استمرار العلاقات مع الكيان وفق اتفاقات “أبراهام”. وثانياً، وقف أو فرملة الانحدار نحو المزيد من الانخراط في اتفاقات “أبراهام” والسعودية نموذجاً. وثالثاً، التفكير من داخل الصحن كما يُقال في إنشاء تحالفات في المنطقة بدأت تظهر ولو لا تزال في بداياتها إلاّ أنها هامة، وما اتفاق “الدفاع الاستراتيجي المشترك” بين السعودية وباكستان. من ثم تفعيل مخرجات الاتفاق الإيراني السعودي في أذار 2023، وما استجد من فتح لباب تسوية الخلافات بين المملكة السعودية وحزب الله إلاّ مؤشر على هذا التفعيل. ومن ثم إعطاء دفعة جديدة لتطوير العلاقات المصرية التركية. لتشكل في مجموعها دلالات على التنبه من مخاطر المشروع التوسعي للكيان المدعوم أمريكياً، على حساب المصالح والأمن القومي لدول المنطقة. من شأن تلك التطورات أن تشكل منعطفاً هاماً في معادلات الأمن الإقليمي.