أمد/ مقدمة:
بين أزمة الرواتب وانقطاع مصادر الرزق، يقاوم الموظفون والعمال والعاطلون بإصرار يليق بشعب يرفض الانكسار، صانعين بذلك نبض الحياة اليومية في فلسطين.
في ظل أعوام من الأزمات المالية، والانقسام، وقهر الاحتلال وإجرامه، وتداعيات جائحة كورونا التي لا تزال آثارها حاضرة، يقف الموظف والعامل الفلسطيني في مواجهة واقع معقّد. يعملون بأجور ناقصة، أو بلا عمل ثابت، لكنهم لا يغادرون مواقعهم في حياة الوطن.
النص الرئيسي:
في هذا الوطن المحاصر بالضغوط والضائقة، هناك من يواصل العمل ليس لأن الظروف عادلة، بل لأن الحياة يجب أن تستمر. الموظفون والعاملون الفلسطينيون، الذين لم يتقاضوا رواتبهم كاملة منذ أعوام، ما زالوا يفتحون الأبواب صباحًا ويؤدون واجبهم رغم أن الجهد تجاوز حدود الطاقة، والراتب تجاوز حدود الصبر.
هم قلب الحياة اليومية في فلسطين: المعلم الذي يدخل الصف بابتسامة رغم الهموم، الممرض الذي يناوب في المستشفى بلا يقين من راتبه، الموظف الذي يوقع المعاملات وهو مدين لدكان الحي، ورجل الأمن الذي يحرس أمن المواطنين ويفكر في تأمين قوت أسرته. كل واحد منهم يحمل في روحه صبر المزارع؛ يؤدون واجبهم رغم أنهم منهكون من جهد الوظيفة وواجب الأرض معاً. كل واحد منهم يقدم شكلاً من أشكال المقاومة الهادئة، نضالًا لا يُرى في نشرات الأخبار لكنه يحافظ على نبض المجتمع.
أما العمال الذين فقدوا وظائفهم منذ جائحة كورونا، خصوصًا من كانوا يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل، فكثير منهم عاد إلى جذره الأصيل. إنهم الموظفون الذين هم في الأساس مزارعون بأرواحهم، يسقون الأرض بجهدهم اليومي. بعضهم يحاول إيجاد مصدر رزق يومي، يفتح مشاريع صغيرة، لكنهم جميعاً يزرعون في أرض قاحلة على أمل أن تُثمر. إنهم يرفضون أن تتوقف الحياة، ولا يتوقفون عن غرس حبة القمح أو سقي شجرة الزيتون؛ فصمودهم هو استمرار لدورة الحياة الوطنية التي تربطهم بأرضهم والقضية.
نداء المسؤولية:
أما من في مواقع المسؤولية، فليست المسألة مجرد تذكير بسيط: خلف تلك الأرقام الباردة في التقارير، وجوه حقيقية وبيوت تتآكل تنتظر راتبًا ناقصًا لتسد حاجاتها. العدالة ليست فقط في القرارات الكبرى، بل في الإحساس اليومي بمن يتعبون بصمت. تكريمهم، والتقدير العميق لهم، والاعتراف بجميلهم هو الأساس للحفاظ على خيوط الثقة بين الناس ومؤسساتهم.
ما يفعله الموظفون والعاملون والعاطلون الصابرون اليوم ليس مجرد تأقلم، بل شكل من أشكال البقاء الوطني. إذا كان الوطن يعيش رغم كل الأزمات، فلأنه يسكن في قلوب هؤلاء البسطاء الذين قرروا ألا يتوقفوا.
خاتمة:
هؤلاء الموظفون والعمال والعاطلون الصابرون ليسوا مجرد قوى بشرية عاملة، بل هم الدرع الحقيقي للوطن، ورمز النضال والصمود والمقاومة اليومية. في صبرهم وإصرارهم يختصر الفلسطيني معنى البقاء، ويثبت أن الروح الوطنية لا تُقهر، وأن الأمل يُصنع بأيدي من يرفضون الاستسلام مهما ثقلت عليهم الظروف. إنهم الفخر الحقيقي الذي يستحق الاحتفاء، وقصتهم تذكير دائم بأن قوة الوطن الحقيقية لا تقاس بالمباني أو القرارات، بل بالنبض اليومي لأولئك الذين يواصلون الحياة كشجرة الزيتون؛ متجذرين يزرعون الأمل في قلب كل بيت رغم ثقل الألم والصعاب.
