موسم الهجرة من قطر أمد للإعلام
أمد/ تتحرك الدول بسياساتها الخارجية وفقا لما تمليه عليها مصالحها الاستراتيجية, ووفقا لما ترسمه نظمها السياسية من خطط طويلة أو قصيرة الأمد في محاولة لتحقيق إنجازات داخلية تنموية واقتصادية واجتماعية, أو انجازات خارجية جيوسياسية ودبلوماسية . وبالتالي فإن تبني سياسة خارجية معينة يصحبه بشكل حتمي تضارب أو توافق في المصالح مع باقي الدول التي تمتد شبكة مصالحها إلى القضايا ذات الاهتمام المباشر.
ولم تشكل دولة قطر حالة استثنائية عما سبق في أي مرحلة من تاريخها, ولم تمارس سياسية توحي بأنها استثناء. الخطأ الجسيم والفادح الذي وقع فيه كثيرون اعتقادهم بأن قطر استثناء وبنوا علاقاتهم معها على هذا الأساس الباطل, ونتيجة لذلك أصبح الخلل واضحاً في ميزان العلاقة وغاب التناظر والتوازي بين العطاء ومقابله والذي تنص عليه القاعدة الأبرز غي عالم السياسة أن لا شيء بلا مقابل.
وسواءً صحت التقارير التي تتكلم عن طلب قطر من حركة حماس مغادرة أراضيها أم لا, فإن مأزق حركة حماس المزمن هو الخلل في علاقتها مع قطر. فلطالما تناولت دولة قطر الوجود الحمساوي على أراضيها بأنه تهمة تحاول تبرئة نفسها منها بشكل دفاعي بالإعلان دوماً بأن افتتاح مكتب لحركة حماس في قطر تم بطلب مباشر من الولايات المتحدة الأمريكة وبالتنسيق المباشر مع الإدارة الأمريكية, وهو إعلان يمكن وصفه من أي طرف متابع بأنه طبيعي ورد دبلوماسي تحاول قطر بواسطته جعل الولايات المتحدة شريك “بالتهمة ” وهو شريك يستطيع الدفاع عن شريكه والتغطية عليه وحمايته إذا اقتضت الضرورة, لكن الغريب هو الصمت الحمساوي المطبق اتجاه الإعلان القطري الدائم بهذا الخصوص, فإذا كان الإعلان طبيعياً بالنسبة لأي طرف ثالث غير حماس وقطر أياً كانت اعتباراته, فإن أقل ما يقال عنه أنه إعلان فيه كثير من الاستخفاف والاستهتار بحركة حماس, وخاصة بعد أن أعلن الناطق باسم الخارجية القطرية في أكثر من مكان ومناسبة أن الوجود الحمساوي في قطر مرتبط بجهود الوساطة القطرية وقال نقلاً عن لسانه (أنه طالما أن وجود قادة حماس هنا في الدوحة مفيد وإيجابي لجهود الوساطة, فإنهم سيبقون هنا) وهو ما يعتبر بشكل أو آخر ضغط رهيب على حماس سيشكل هاجسا يسكن بجانب الشيطان في تفاصيل أي مفاوضات أو حتى في عناوينها الرئيسية.
والمسلم به أن قطر تتعامل مع حركة حماس كأداة بنفس الطريقة التي تتعامل الولايات المتحدة فيها مع قطر, وإن رضيت قطر بكل صدر رحب هذه العلاقة مع الولايات المتحدة باحثة لنفسها عن حامي يضمن وجودها واستمرارها كدولة وعن دور لن تستطيع أن تملأه بأي حال من الأحوال, فلا هي تملك تاريخ تستطيع استحضاره كقوة ناعمة, ولا قوة عسكرية تستخدمها لفرض ما تريده بالقوة, وهو مانتج عنه أن تستخدم قدرتها المالية في لفت الانتباه ومحاولة شراء القوة الناعمة مثل تأسيسها لقناة الجزيرة والمونديال الذي زادت تكلفته عن المئتين والعشرين مليار دولار, وبعض العلامات التجارية والأندية الرياضية, والعقارات وشركات الاتصالات, وغيرها الكثير وصولاً إلى المنحة القطرية الشهرية التي كانت تدخل قطاع غزة في حقائب السفير العمادي عبر المعابر الإسرائيلية, والتي أعلنت قطر أثناء الحرب في دفاعها مرة أخرى عن نفسها أن المنحة كانت تدفع بالتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى كل حال فإن علاقة قطر وحماس لم تشكل إلا عبئاً على القضية الفلسطينية فقد كانت قطر وفي محاولاتها الحثيثة لشراء قوة ناعمة أو مراكز نفوذ الراعي الرسمي للانقسام الفلسيطيني الذي يعتبر السبب الرئيسي في تدمير المشروع الوطني الفلسطيني, لذلك كان من الطبيعي أن ينتج عن هذه العلاقة الغريبة ضرورات اعتقد كثيرون أنها من الممكن أن تبيح لهم ما أرادوا وتمنوا لدرجة الاستجداء من محظورات.