اخر الاخبار

من وحي مذيعة خبيثة أمد للإعلام

أمد/  ■ تغابت (أو ربما تخابثت) مذيعة في إحدى الفضائيات العربية الشهيرة، وتساءلت بتهكم: ماذا تفعل بندقية المقاومة في مواجهة الدبابات والطائرات الإسرائيلية، سوى أنها تبرر لإسرائيل قتل المدنيين في قطاع غزة؟

منذ أن أطلقت اللجنة التنفيذية في م. ت. ف. مواقفها الداعية إلى الكف عن المقاومة المسلحة أو «العنيفة» لصالح «المقاومة السلمية»، وتسليم سلاح المقاومة، والإستسلام لإسرائيل، بما في ذلك إطلاق سراح الأسرى اليهود مجاناً، ومنذ أن أطلقت شعار «سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد» في تزوير فاقع لواقع السلطة، أو لطبيعة الدولة الفلسطينية، وحقيقة سيادتها على أرضها، أو لمدى قدرة سلاح السلطة على أداء دوره في حماية أبناء الضفة الغربية في مواجهة المستوطنين، القطعان الهائجة التي سلحها بن غفير، أو قوات الإحتلال الإسرائيلي وهي تخترق المنطقة المسماة (أ) بما فيها مدينة رام الله، نفسها.

منذ ذلك الوقت إنفرجت أسارير من أحرجتهم المقاومة، وحشرتهم في الزاوية، وتركتهم تحت شمس «الطوفان» يتصببون عرقاً، يشعرون بالخجل من واشنطن، ومن كل الذين سارعوا إلى مناصبة المقاومة العداء، بإعتبارها إرهاباً، يشعرون بالخجل وبالعزلة، بعد أن أصبحت المقاومة هي العنوان الفلسطيني أمام عواصم العالم، بما في ذلك واشنطن نفسها، وأمام المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن نفسه، تمثل وتشكل مركز الإهتمام الأول في وسائل الإعلام، من مرئية ومسموعة ومقروءة، قدمت البديل للرهان على الوعود الأميركية، وعلى سياسة الإنتظار، والهرولة وراء «أفق سياسي» كلما اقتربت منه،  كأي أفق آخر، إبتعد عنك، تعاند العقل، تعيش حالة إنكار زماني ومكاني عن واقع القضية الفلسطينية، يحرجهم أن جهود حوالي عشرين عاماً من الجهد الحثيث، لم تنجح في إطفاء شعلة المقاومة التي تلألأ ضوءها ونورها في 1/1/1965، وما زلنا نحرص على مدها بالوقود والقدرة على مواجهة العواصف والزوابع، ونحتفل بها كل عام، بإعتبارها الخيار الذي تلمس فيه شعب فلسطين السبيل لتحطيم قيود النكبة.

إذن المسألة ليست مسألة بندقية في مواجهة دبابة أو طائرة غربية، بل إن المسألة في جوهرها: ما هو الطريق إلى تحرير الأرض المحتلة من الوجود الإسرائيلي.

ولو أن كل الشعوب في مرحلة التحرر الوطني، فكرت حكوماتها في المنفى، أو قياداتها السياسية، على غرار ما فكرت اللجنة التنفيذية في م. ت. ف. ودعت له، خاصة في بيانها عشية دورة المجلس المركزي 32، ولو أن إعلامها الرسمي، ولو أن بعض «النخب» ذات «الياقات البيضاء» أسهمت هي الأخرى في حرب التشنييع على المقاومة وشيطنتها، ودعت بالمقابل إلى «مقاومة سلمية»، «حضارية»؛ ولو أن كل هؤلاء فعلوا هذا، لكنا الآن أمام عالم آخر، معظم دول آسيا وإفريقيا، وأميركا اللاتينية، تعاني فيه ظلم الإستعمار، والعسف والإستبداد والقرصنة، وأية محاولة لوضع التعارض بين سلاح المقاومة من جهة، وسلاح السلطة من جهة أخرى، إنما هي محاولة لتشويه الواقع، وعدم تسمية الأشياء بأسمائها، وإن أية محاولة لإفتعال تعارض بين سلاح المقاومة وسلاح الدولة، بذريعة أن ما من دولة تقبل أن يكون إلى جانبها سلاح غير سلاحها الشرعي، إنما هو تزوير للواقع.

القضية باختصار، هي الخلاف على الخيار الوطني للخلاص من الاحتلال والإستيطان.

هل نعود إلى أوسلو وإلتزامات أوسلو، بما فيها الأمنية والإقتصادية والسياسية، بما فيها الإعتراف بدولة الاحتلال، متجاهلين أن ثلاثين عاماً، بل أكثر، لم تنتج إلا الخراب، وأن الفاشية الإسرائيلية تحللت من أوسلو، وباتت تعلن رفضها قيام دولة فلسطينية غرب النهر، وترفض أي سلطة فلسطينية في قطاع غزة، لا تحت إشراف فتح، ولا تحت إشراف حماس.

وهل نتجاهل قرارات حكومة إسرائيل والأخيرة والإدارة المدنية للإحتلال في الضفة، تتجاهل أي وجود للسلطة الفلسطينية وتجاوز وزاراتها، وباقي مؤسساتها، والتعاون مع المجتمع الفلسطيني مباشرة، أي بتعبير آخر، إسقاط الإعتراف بالسلطة جهة رسمية، ممثلة للفلسطينيين في الضفة، دون حلها، بل الإبقاء عليها لتؤدي خدمتها للمجتمع الفلسطيني حتى لا تتورط بذلك دولة الاحتلال.

هذا خيار سقط، ولا يتوقف نتنياهو وسموتريتش وغيرهما عن التبشير بأفوله، ليس قولاً بل فعلاً من خلال سياسات القضم والضم، وتقليص مساحة ولاية السلطة، وإلغاء صلاحياتها وإدراجها في خيار الزوال البطيء، إلى أن يتوفر البديل طبعاً لمواصفات تل أبيب وواشنطن.

إذا كان هذا هو واقع السلطة، فَعَنْ أي دولة نتحدث؟ هي المشروع الوطني للشعب الفلسطيني، لكن سياسات أوسلو أبعدت هدف الدولة كثيراً كثيراً، بل إنها تحفر تحت السلطة لتدمر أسس بقائها.

أما سلاح المقاومة، فهو خيار المقاومة الشاملة بكل الوسائل، المواجهة الشاملة، ورفض التعايش مع الاحتلال، ورفض الإلتزام بأي شيء، ورفض الإعتراف به، إذ كيف نمنح الاحتلال شرعية وجوده، وهو لا يعترف بشرعية الوجود الفلسطيني، ويعمل في الوقت نفسه على قتل الفلسطينيين والتخطيط لتهجيرهم.

المقاومة مكلفة تتطلب تضحيات من فيها من أبناء شعب فلسطين، على المستوى الفردي والجماعي، هذه كلها يعرفها شعب فلسطين، فخبرة نضال لأكثر من 60 عاماً، ثبتت لديه قناعات ويقيناً أن فلسطين لا تسترد لا بالبكاء ولا بالعويل ولا بالوقوف على الأطلال، بل بالمقاومة وما يجري الآن، في الحقيقة هو محاولة لإفساد هذه القناعات، وإقتلاعها بأساليب ملتوية مكشوفة، تصطدم بواقع صلب في قطاع غزة، وبواقع صلب في الضفة.

ولعل إصرار هذه «النخب» ومن خلفها السلطة واللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي الأخير، على المضي في هذا المسار الفاسد سياسياً، لن يعود على أصحابه إلا بالمزيد من العزلة، ومزيد من الإنزواء، وإتساع المسافات بين الشارع وبين الرسميات الفلسطينية، خاصة إذا ما أصرت هذه الرسميات على التوغل أكثر فأكثر في سياسات الإنكار ■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *