من هو الشهيد علي مقطيط المكرم في منتدى الشباب ؟
بادرت قيادة المجلس الأعلى للشباب ووزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، اليوم 23 نوفمبر، على تكريم روح الشهيد “علي مقطيط ” واسمه الثوري “فريد” الذي قدم أعظم تضحية وسنه لا يتجاوز 17 عاما وذلك بفتح غرزات جرحه وترك دماءه تسيل بمستشفى وهران لتفادي استنطاقه والبوح بأسرار الثورة بعد قيامه بعملية فدائية وسط مدينة وهران في سبتمبر 1957، حسب المعطيات التي جمعها الزميل الصحفي لحسن بوربيع عقب زيارة الرئيس الفرنسي لوهران وزيارته لمقر محل “ديسكو مغرب”.
الشهيد “علي مقطيط”، بطل العملية الفدائية التي استهدفت المقهى حانة “كافي دو بريزيل، في 13 سبتمبر 1957 في قلب الحي “الأوربي” لمدينة وهران، كان جميلا أشقرا “متمردا” منذ صباه، وهو ثاني أبناء عائلة متكونة من 11 فردا، أنجبهم والده المرحوم أحمد مقطيط مع والدته.
أوقف نبضات قلبه بإرادته وبيديه يوم 15 أكتوبر 1957، في فراشه بعد أن استفاق من غيبوبته في مستشفى وهران، الذي كان البوليس الاستعماري الفرنسي يحرص على الفريق الطبي الذي كان يعالجه كي يبقيه على قيد الحياة، لإخضاعه للاستنطاق.
فضّل الشهيد صاحب 17 سنة فقط حينها، نزع الأنابيب الموصولة بجسمه، وفتح غرز الجروح التي أصيب بها لتسيل دماءه ويتوقف قلبه عن النبض لكي لا ينتزع منه جلادوه اعترافات عن شبكة الفدائيين الوهرانيين الذين كان يعمل معهم ومن بينهم المجاهد حصام قويدر مجاهد محكوم عليه بالإعدام الذي حظي بالتكريم اليوم رفقة شقيقة الشهيد.
البطل “علي مقطيط” واسمه الثوري “فريد”، تم اختياره من بين الشباب الوهراني، وأبناء حي المدينة الجديدة بالتحديد، لتنفيذ عملية “كافي دو بريزيل” مقر محل ” ديسكو مغرب حاليا” والتي قررتها قيادة جيش التحرير الوطني في وهران بقيادة المجاهد الراحل بن قاسمية الشادلي “سي عبد الحميد”، لتخفيف الخناق عن مجاهدي وسكان الجزائر العاصمة تحت سطوة الجنرال السفاح “جاك ماسو” والعقيد بيجار وفرقة المظليين.
نشأ الشهيد في أسرة ميسورة الحال، تملك منزلا واسعا اشتراه والده المرحوم أحمد مقطيط سنة 1947 في حي المدينة الجديدة بشارع محمد علي مصطفى، ميمون عبد السلام حاليا، على بعد أمتار قليلة أسفل جامع بن كابو، غير بعيد عن متحف وهران وما خلفه من حي أوربي.
تابع الشهيد تعليمه في مدرسة “لوي لوميير” علي بومنجل حاليا، غير بعيد عن مسكنه العائلي. لم يواصل الطفل علي مقطيط دراسته، وتوجه إلى التكوين المهني في النجارة، لتندلع الثورة التحريرية وعمره 14 سنة. ولم تكن أسرة مقطيط تعرف أن ابنها محمد انخرط في صفوف الثوريين، كما لم تكن تعرف أن شقيقه الذي يليه علي تبعه.
في بداية نشاطه الثوري، كانت قيادة الثورة في وهران تكلفه هو وأقرانه في السن بتنفيذ عمليات مهاجمة مواقع تواجد عساكر وشرطة الاستعمار وغيرها من الأهداف عن طريق رمي عبوات “المولوتوف”.
وكان كل ذلك مخفيا على أولياء عائلة مقطيط، باستثناء شقيقه الأكبر محمد، الذي سيلقى عليه القبض فيما بعد ويزج به في سجن الأصنام “الشلف حالي” إلى غاية الاستقلال.
وقع اختيار قيادة العمليات التي تقررت لتخفيف الخناق عن الجزائر العاصمة، على علي مقطيط “فريد”، بالنظر أولا لشكله، كونه أشقرا جميلا لا يلفت الانتباه عندما يتجّول في وسط مدينة وهران، التي كانت مداخلها محاطة بأسلاك شائكة وحراسة عسكرية كبيرة، وممنوعة عن “العرب”.
وتقرر أن يتم تنفيذ عملية تفجير المقهى حانة “كافي دو بريزيل” يوم 13 سبتمبر 1957، وهو المحل الذي كان يرتاده عساكر وبوليس فرنسا ويحتفلون فيه كل ليلة بجرائمهم في حق الجزائريين. نزل إلى وسط المدينة قبيل المغرب، وكان يحمل قنبلة يدوية، تسلمها من منظمي العملية وعندما وصل إلى ساحة “فيلوبوا دو ماروي”، فرانز فانون حاليا، التي تتقاطع فيها شوارع الأمير عبد القادر، محمد خميستي، جاودي بن عبد الرحمن شارلومان وبن سنوسي احميدة شارع فندق المدينة، توجّه إلى “كافي دو بريزيل” (ديسكو مغرب حاليا)، ألقى نظرة داخله، وألقى القنبلة اليدوية داخل الحانة، وانفجرت، وفرّ هاربا.
وجرى حوالي 50 خطوة، واستدار على اليسار ليسلك ممر بلايلي جلول (ممر كومبي) سابقا، والذي يطلق عليه سكان الحي حاليا “طريق البنان”. لينتقل من شارع بن سنوسي احميدة إلى شارع جاودي عبد الرحمن، عن طريق السلالم التي كانت تربط بين الشارعين. إلا أنه لحق به شرطيان بزي مدني وأطلقا عليه النار وأصابه وسقط مجروحا في ممر “كومبي”.
وقد خلفت العملية قتيلا واحدا في صفوف من كانوا داخل الحانة و11 جريحا.
ودوّت صفارات الإنذار بعدها وهرعت الشرطة إلى الموقع، ليتم نقل “علي مقطيط” إلى المستشفى المدني لوهران بحي بلاطو سان ميشال، سيدي البشير حاليا، واستدعى الأمن الفرنسي فريقا طبيا جراحيا على استعجال، لعلاج الجريح الذي أصيب بعدة عيارات نارية.
واستنجد مسعفوه بتجهيزات إبقائه حيا. ليدخل في غيبوبة دامت يومين في جناح المحبوسين في المستشفى.
ونشرت صحيفة “ليكو دوران” التي كان مقرها حيث تتواجد اليوم جريدة “الجمهورية” الحكومية في اليوم الموالي خبر “إلقاء القبض على شخص ذي صفات أوربية، متهم بتفجير البار”. في يوم 15 سبتمبر 1957 استفاق من الغيبوبة، واسترجع قواه الذهنية. ليقدم على أسمى أشكال التضحية حيث اقتلع الأنابيب الطبية التي كانت موصولة بجسمه وفتح غرز الجروح التي أصيب بها، لينزف إلى أن فارق الحياة.
في الصباح اكتشف معالجوه وعناصر الشرطة التي كانت تحرسه أنه توفي. وعندما كان المستعمر يهم بنقله إلى مقبرة عين البيضاء لدفنه مثل عشرات الشهداء في المربع الذي خصصته السلطات الاستعمارية للضحايا الجزائريين الذين تم اغتيالهم دون التعرف على هوياتهم، تقدمت السيدة يمينة جيلالي إلى الطبيب الذي عالج الشهيد.
وقالت له “إنني أعرفه، إنه ابن أختي واسمه علي مقطيط”. وسألها الطبيب لماذا لم تتكلمي قبل هذا؟ ردت عليه “كنت خائفة”. وتم استدعاء المرحوم أحمد مقطيط والد الشهيد، وتعرّف على ابنه، ورافق الأشخاص (الفرنسيين) الذين تكفلوا بدفنه. وبعد مراسيم الجنازة قام ببناء القبر وغطاه بالبلاط الأخضر، الذي مازال صامدا من سبتمبر 1957 إلى اليوم.
وخلال تواجد الشهيد في المستشفى تعرفت عليه خالته المجاهدة يمينة جيلالي، ولم تخبر أحدا عنه بمن فيهم أختها وعائلتها لكنها أخبرت اتصالاتها في قيادة الثورة في وهران، لأنها كانت هي الأخرى تشارك في الأعمال الثورية في المدينة، وهذه ملحمة أخرى، واحتفظت بالسر لكي لا ينكشف أمرها وتنقضي المدة التي تتطلبها علمية فرار أعضاء المجموعة التي كان يشتغل معها الشهيد.
نال الشهيد “علي مقطيط” بعد مرور 66 سنة على تضحيته الجسيمة من أجل تحرير الجزائر أسمى اعتبارات الاعتراف أمام شباب من كل ولايات الوطن وستة وزراء وممثلين عن كل الوزارات والهيئات العمومية.