اخر الاخبار

‎من قلب المحرقة : نساء غزة وصبر أيوب حكاية الابداع والتحدي في زمن القهر 

أمد/ ‎في غزة، لا تُقاس القوة بالعضلات ولا تُقاس البطولة 

‎بالبندقية، بل تُقاس بصبر امرأة تعجن الخبز على نار الحطب و أطفالٍ ينهضون في الصباح الباكر لملمة ما تيسر من أخشاب مرمى على جوانب الطرق تقاس البطولة بسيداتٍ تُهدّئ أبناءها على ضوء شمعة، وتغزل من العتمة حلماً  صغيرًا يشبه وطنًا جميلاً. النساء في غزة لا يعشن فقط التحدي، بل يصنعنه بين أزمات يومية لا تنتهي، وأحلام تصطدم بجدران الحصار، تتفتّق عقولهن عن بدائل وابتكارات لتُبقي البيوت قائمة والكرامة مرفوعة،النساء الغزّيات بسطرون الان آيات من الابداع  الذي يولد من رحم القهر والمعاناة ليحكي للعالم أن غزة  لا تُهزم

‎في غزة، لا تُقاس العبقرية بالمختبرات ولا تُمنح شهاداتها من الجامعات، بل تُصنع في المطابخ الصغيرة تحت ضوء الشموع، وعلى لهب موقد بدائي في زوايا البيوت والخيم تتقن النساء فنّ تحويل “اللاشيء” إلى “شيء” عندما يصبح “زيت القلي” بديلاً عن زيت الزيتون، بعدما اقتلعت جنازير الدبابات كل ما هو أخضر ويابس… بعدما كانت فلسطين، وغزة، أرض الزيت والزيتون، وأهل الزيت والزيتون والكرم.

هنا، نقف حائرين بين الألم تارة، وبين الأمل تارة أخرى، ونتساءل: كيف لنا، كغزيين، أن نتكيّف إلى هذا الحد؟

لكن باختصار… في غزة، وحدك تصنع القوة والمعجزات، وتهمس في خاطرك وتردد

“نحن هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون”

‎كما أبدعت المرأة الغرية في إعادة تدوير المعكرونة التي كانت يومًا طعاماً شهي تُبعث من جديد على هيئة حلا البسبوسة، المعكرونة التي فقدت غايتها تُحول إلى خبز يسدّ رمق الأطفال  كما حال علب الفاصولياء تُمدّ بالفول لتكفي أكثر عدد من أفراد الأسرة، والفلافل التي كانت تزينها ربّات البيوت بالخضار الطازج الان أصبحت تُطهى من علب البازلاء مع طحن بعض حبوب العدس دون أن يشعر أحد بالفرق.

‎هذه هي  عبقرية القلة، حيث تُصبح كل لقمة فكرة ورسالة صمود وتحدي وكل وجبة معادلة صعبة تُحلّ بالإبداع ليس لأن النساء في غزة تعشقن التحدي، بل لأن التحدي لا يغادرهن أمام رفوف فارغة في الأسواق، وميزانيات لا تكفي قوت يومِ واحد،تُبدع المرأة الغزية في تدوير الطعام، ومزج المكونات، وتطويع الوصفات، حتى لا يشعر أولادها بالجوع، ولا تفقد هي كرامتها.

‎هنا يصبح  الطهي موقفًا من الحياة، والصمود في وجه الجوع في كل وجبة على الطاولة، قصة بطولة صامتة لا توثقها الصحف، لكنها تُروى في قلوب الأمهات اللواتي لا يستغننّ

‎ عن  السند بل من امرأة تُمسك بيد أخرى وتقول لها: “أنا معكِ” السند في غزة يُولد من بقايا قهوة بين جارتين تبادلتا الحديث والدموع، ومن أم تُربّت على كتف ابنتها قائلة: “بتمرّ”. ومن صديقة تُشارك آخر ما لديها من طحين، لتكفي عجينة الخبز بيتين بدلًا من واحد النساء في غزة لا يقفن وحدهن، فكل واحدة تحمل الأخرى في أزمنة الخوف والجوع يرفعن بعضهن بالصبر، وبكلمات العزاء والأمل، ويَصنَعْن من لحظات الانكسار فرصة جديدة للتماسك. السند هنا ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء بين فقد الأحبة ودمار المنازل وقلة الموارد تنبت علاقات متينة لتُبقي الأرواح قائمة وإن سقطت الجدران.

‎هكذا تصبح المرأة وطنًا للمرأة، وتصبح الأسرة حصنًا صغيرًا في وجه الحصار الكبير، ويصير التكاتف هو المعنى العميق للحياة في غزة حتى الرجال حين يقفون إلى جانب نسائهم، لا يفعلون ذلك من باب الواجب فقط، بل من إدراكٍ أن النساء هن من يبقين البيوت حيّة.

‎هكذا تصمد النساء ليس  لأنهن أقوياء بل لأنهن قررنا ألا ينهزمن غزة لا تنهزم لأن نساءها اخترن أن يكنّ أمهات وملاذًا وسندًا، وقررنا أن الحياة تُصنع من الصّعاب هذه هي المرأة الفلسطينية التي باتت أقوى من  الجبل، هي التي تُطعم من القليل، وتُربّي في زمن القهر، وتُخيط أملًا من الوجع، ليست بآلة إنها إنسانة تنزف بصمت، وتبتسم لتُخفي الشقوق التي أحدثها التعب.

“لكل نساء غزة شكراً لأنكن ما زلتن واقفات شامخات كالنخيل  وصامدات كالجبال 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *