من قصص التائبين
دلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، على أن باب التوبة لا يغلق أمام أحد، وتواترت الأدلة على أن الإنسان مهما فعل من آثام، فإن هذا لا يسلبه ثوب التقي إذا أفاق من غفلته وبادر بالرجوع إلى ربه، كما قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}، وقال عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}، وهذه الأهمية القصوى للتوبة.
وتأكيدا على فضل الله الواسع في قبول التائبين إليه، أوردت لنا سنة النبي صلّى الله عليه وسلم بعضا من القصص في هذا الجانب، ليعيش الناس الواقع العملي مدعما بالكثير من شواهد القرآن والسنة في الجانب النظري. إن القلوب بيد الله عز وجل، وكم من إنسان على غاية من الفسوق والفجور والشرك والإلحاد يهديه الله عز وجل بكلمة واحدة يسمعها، إما من واعظ، أو من داعية، أو مقال منشور، وما أشبه ذلك، وكم من إنسان على العكس يكون ظاهرا حاله الاستقامة، وأنه ثابت على الحق، ثم يخصم له من سوق العافية، نسأل الله العافية.
ها هو عبد من عباد الله: أطاع الله أربعين عاما، وعصاه أربعين، فنظر إلى وجهه في المرآة، وقد كبرت سنه وشاب شعر رأسه، فقال: يا رب، أطعتك أربعين وعصيتك أربعين، فهل إذا جئتك قبلتني؟ فسمع مناديا يقول له: أطعتنا فقرّبناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك. (العقد الفريد:3/130).
وليست التوبة لأصحاب الفواحش والمنكرات فقط، بل هي لكل مؤمن. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار}، ونبينا محمد صلّى الله عليه وسلم كان يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة، وفي رواية أكثر من مائة مرة، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد للنبي صلّى الله عليه وسلم في المجلس الواحد: “رب اغفر لي وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم” (صحيح أبي داود:1516).