من شّبْ على شيء، شاب عليه!
أمد/ الحكومات والأحزاب والقوى والأشخاص، كل منهم شخصية اعتبارية، لها ملامحها وسماتها وخصالها الخاصة، ووفق التربة والأسس التي نبت فيها أي مكون منها، تتبلور شخصيته، وتتحدد أهدافه وعلاقاته في الوسط الاجتماعي الثقافي والاقتصادي والسياسي، ومن الصعب الحياد عن تلك المنظومة، حتى لو حاولت أي شخصية اعتبارية المناورة ولبست ثوبا مغايرا لحين، فإن ما شبت عليه، ستشيب عليه. وبالتالي من حمل راية الوطنية الاصيلة، وبانتماء صادق، مهما تكن الصعوبات والتحديات والاغراءات، لا يمكن الحياد عن أهدافه، ومن ولد في حاضنة فاسدة وموبوءة، لا يمكن التراجع او التخلي عن مرتكزات بناءه، حتى لو حاول البعض تنظيفه، وغسله من الشوائب والمثالب، سيبقى كما ذيل الكلب الاعوج.
وفي الوقت الذي تعمل فيه القوى الوطنية المختلفة المشارب في الساحة الفلسطينية على توحيد صفوف القوى تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لمواجهة التحديات الصهيونية الأميركية في زمن الإبادة الجماعية في قطاع غزة خصوصا والوطن عموما، الا ان القوى الانقلابية وعنوانها حركة حماس ترفض مغادرة مربعها وخندقها، الذي ترعرت فيه، وتعاند الواقع المعقد والخطير الناجم عن حرب الأرض المحروقة لليوم 356، وتُصر على خيارها الانقلابي، رغم ان اليد الوطنية مدت لها لبناء شراكة وطنية جامعة لحماية مصالح وحقوق الشعب العليا، الا انها ترفض مغادرة دورها الوظيفي غير الإيجابي في مواصلة دوامة الانقلاب الأخطر على مستقبل الشعب الفلسطيني.
وعشية انطلاق الدورة ال79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أرسلت قيادة حركة حماس يوم الاحد في 22 أيلول / سبتمبر الحالي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، نشرتها على مواقعها يوم الثلاثاء 24 ايلول / سبتمبر الحالي مع افتتاح الدورة الأممية الجديدة، أعلنت فيها للمرة الأولى عن اعترافها بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية واستعدادها للانخراط في عملية سياسية بهدف إزالة الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين.
ودعت غوتيرش بالشروع في خطوات عملية وفورية لتحقيق ذلك، ونادت بمواصلة الضغط على دولة إسرائيل اللقيطة ومن يقف خلفها لوقف الحرب في الوطن الفلسطيني والذهاب لبناء ركائز السلام. وجاء في رسالة الحركة الانقلابية: “نكتب اليكم وأنتم تفتتحون الدورة العادية ال79 للجمعية العامة، ونؤكد ما تفضلتم به في السابق أن “الحرب في غزة تتسبب في معاناة إنسانية مروعة (…) فقد تجاوز الوضع الإنساني في قطاع غزة حد الكارثة بسبب العدوان الصهيوني الهمجي.” وأكدت الحركة على ما وافقت عليه في اتفاق 2 تموز / يوليو الماضي بالمراحل الثلاث، وتقوم على ركائز، وقف إطلاق النار، تبادل الاسرى، وإعادة الاعمار، وكسر الحصار، ولذر الرماد في العيون الفلسطينية، دعت لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع، والانخراط في عملية سياسية شاملة، تستند الى القرارات الدولية ذات الصلة لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية … الخ
وخطورة الرسالة تكمن في الاتي: أولا ارسال الرسالة باسمها الى الأمين العام للأمم المتحدة، دون التنسيق مع القيادة الفلسطينية، وفي ظل وجود الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة لإلقاء كلمته باسم الشعب الفلسطيني؛ ثانيا عدم ذكر منظمة التحرير الفلسطينية نهائيا، كممثل شرعي ووحيد للشعب؛ ثالثا السعي من خلال ارسال رسالتها، توجيه رسائل للولايات المتحدة ولإسرائيل والدول الأوروبية، بأنها تراجعت عن عدم اعترافها بالقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وجاهزيتها، لأن تكون شريكا في المفاوضات، واستعدادها ضمنا التخلي عن شعار “المقاومة”، وفق ما تريد إسرائيل وسادتها في البيت الأبيض؛ رابعا إذا كانت تريد المصالحة وتشكيل حكومة توافق وطني تمثل الجميع، ما الذي منعها من ان تذهب أولا لقيادة منظمة التحرير وتطالبها بإبرام اتفاق المصالحة، طالما هي الغت اعتراضها على القرارات الدولية، التي كانت مع حركة الجهاد تعتبرها مرفوضة، ولا تقبل بها، حتى الامس القريب، وآخرها بيان بكين في 23 تموز / يوليو الماضي؟
للأسف الشديد، أكدت حركة حماس مجددا، رغم الويلات والمصائب التي نجمت عن 7 تشرين اول / أكتوبر 2023، وقدم الذرائع لإسرائيل والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي لشن الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، انها تبحث عن حساباتها الفئوية الضيقة. رغم ان قيادة منظمة التحرير ومن ضمنها وعلى رأس فصائلها حركة فتح، أبدوا جميعا الاستعداد للشراكة السياسية، والتنسيق المشترك في معالجة مختلف الملفات، التي تضمنتها رسالتها لغوتيرش. الا يعني ذلك، انها شعرت، بأن القطار سيفوتها في حال لم تنخرط في صفوف المنظمة، طالما تراجعت عن موقفها الرافض للقرارات الأممية، التي تغنت بها في رسالتها المثلومة والغبية، وفاقدة الاهلية؟ ولماذا لم تستبق هذا الموقف، ودعت قيادة المنظمة لإدارة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي طيلة الشهور ال11 الماضية من الإبادة الجماعية؟ اليس ذلك دليلا واضحا على رغبتها وإصرارها على التمسك بحساباتها الفئوية الضيقة، واجندتها الخاصة؟
رسالة حماس للأمين العام للأمم المتحدة، عكست خيارها الانقلابي، وإفلاسها السياسي، لأن ما ورد فيها عن المصالحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لا يحمل دلالات جادة لبناء صرح الوحدة الوطنية، وانما للتغطية على خيارها المعيب والمتناقض مع خيار المصالحة والوحدة الحقيقية. لان من يريد الوحدة، كان عليه ان يعمل وفق الاجندة الوطنية، ويبدأ أولا بالوحدة الوطنية، ثانيا بالتنسيق في كل صغيرة وكبيرة مع قيادة منظمة التحرير، ثالثا عدم ارسال رسالتها لغوتيرش، لان هناك ممثل واحد للشعب الفلسطيني يتحدث باسمه، هو رئيس الشعب الفلسطيني، رابعا بتوحيد الوفد الفلسطيني للمفاوضات مع إسرائيل الخارجة على القانون تحت راية منظمة التحرير، بعيدا عن التفرد، والإصرار على الدور الذاتي على حساب الكل الفلسطيني. وهو ما يؤكد عنوان المقال “من شّبْ على شيء، شاب عليه!”