أمد/ عرفت أوروبا في العصور الوسطى حروبًا طويلة الأمد لم تُنتج سوى الخراب والدمار، من بينها حرب المئة عام (13371453) بين إنجلترا وفرنسا، التي اندلعت بسبب نزاع على العرش الفرنسي وتضارب المصالح الإقطاعية. ورغم ما تحقق خلالها من انتصارات متقطعة لهذا الطرف أو ذاك، انتهت الحرب بتعزيز الهوية الوطنية الفرنسية، وتطور التكتيكات العسكرية، لكن بثمن بشري واقتصادي باهظ دفعه الشعبان.

كذلك كانت الحروب الصليبية (10951291) سلسلة من الحملات العسكرية التي رُفعت تحت شعارات دينية، لكنها في حقيقتها انقلبت إلى صراع مصالح ونفوذ اقتصادي وسياسي. وبعد قرنين من الدماء، انتهت بالفشل الذريع، وبقيت عبرة تاريخية على أن الحروب التي تُخاض تحت شعارات دينية زائفة لا تحقق أهدافها، بل تورّث الخراب واللعنات على أصحابها.

الدرس التاريخي

هذه النماذج التاريخية تبيّن أن الحروب الممتدة، حين تُبرر بخطابات دينية أو عرقية، لا يمكنها أن تنجح في محو شعب أو القضاء على هويته، بل تؤدي إلى ترسيخ مقاومته وتعزيز هويته الوطنية. والأهم أن التاريخ لا يغفر للقادة الذين يدفعون شعوبهم إلى مغامرات دموية باسم “الحق الإلهي” أو “التفويض المقدس”.

رسالة إلى الشعب اليهودي في إسرائيل

أيها الشعب اليهودي،

إن ما يقوم به قادتكم اليوم من دفعكم نحو حرب دينية ضد الشعب الفلسطيني، لا يختلف في جوهره عن الحروب الصليبية أو حرب المئة عام. نتنياهو، وسموتريتش، وبن غفير، وغيرهم من غلاة اليمين المتطرف، يستغلون النصوص الدينية لتبرير حرب إبادة في غزة والضفة الغربية، بينما حقيقتها حرب سياسية بامتياز هدفها البقاء في السلطة وتوسيع الاستيطان على حساب دماء الأبرياء.

إن الأكاذيب التي تُروَّج حول الفلسطينيين بأنهم “أغيار” أو “عماليق” ليست سوى تزييف للتاريخ والدين. فالفلسطينيون ليسوا عماليق، بل شعب من شعوب هذه الأرض، آمن بالأنبياء الذين تؤمنون بهم، وتعايش مع الأمم منذ آلاف السنين. إن حرب الإبادة التي تشاهدونها اليوم في غزة والمخيمات الفلسطينية ليست حربكم، بل حرب قادتكم، وستكون لعنة تلاحقكم كما لاحقت الصليبيين في التاريخ.

المرجعية القانونية والدولية

القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة واضحة ولا لبس فيها:

القرار 181 (1947): الخاص بالتقسيم، نصّ على إقامة دولتين على أرض فلسطين، يعيشان جنبًا إلى جنب.

القرار 194 (1948): أكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم.

القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973): شددا على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وحل النزاع بالطرق السلمية.

القرار 2334 (2016): اعتبر الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويشكل عقبة أمام السلام.

هذه القرارات مجتمعة تؤكد أن المجتمع الدولي يرى في السلام العادل القائم على إنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار.

ونختم بين لعنة التاريخ وأمل المستقبل

من حرب المئة عام في أوروبا إلى الحروب الصليبية في الشرق، وصولًا إلى الحرب الإسرائيلية على غزة اليوم: العبرة واحدة، وهي أن الحروب التي تُخاض بدافع الهيمنة والتوسع لا تحقق أهدافها، وأنها تنتهي بلعنات سياسية ودينية تطارد شعوبها.

أيها الشعب اليهودي،

برهنوا للعالم أنكم قادرون على أن تقولوا “لا” لقادتكم المتطرفين، وأنكم لستم أسرى لأوهام الحرب. اضغطوا من أجل وقف العدوان، وكونوا أنتم القوة التي تفتح بابًا للسلام. فالطريق الوحيد للنجاة، لكم ولنا معًا، هو الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير، حتى نتمكن جميعًا يهودًا ومسلمين ومسيحيين من العيش المشترك بسلام، وكرامة، وحقوق متساوية، بعيدًا عن لعنة التاريخ.

✦ العبرة واضحة: السلام العادل وحده هو ما يضمن مستقبل الشعوب، بينما الحروب الدينية لا تخلّف سوى الموت والعار.

شاركها.