اخر الاخبار

منظمة التحرير بين الادّعاء والخيانة

أمد/ حين يتحدثون باسمها وهم يعملون على دفنها

في زمن الأزمات الوطنية الحادّة، لا يُقاس الانحياز بالعبارات، ولا يُقوَّم الالتزام بالشعارات، بل بالمواقف التي تُتَّخذ، وبالتحركات التي تكشف النوايا، مهما كان خطابها مصقولًا.

وبينما يعيش الشعب الفلسطيني أحد أكثر فصول نكبته تعقيدًا منذ 1948، خرج علينا من قرّروا عقد ما سُمي بـ”المؤتمر الوطني الفلسطيني” في الدوحة، تحت شعار “إعادة بناء منظمة التحرير”، يرفعون راية التمسك بها، بينما يمارسون نقيض ذلك تمامًا على أرض الواقع.

وما تبعه من تشكيل “لجنة لصياغة رؤية حول إعادة بناء المنظمة”، ووضع سياسات وتخطيط، ليس أقل خطورة من المؤتمر نفسه، بل هو امتداد عضوي لمسار موازٍ يُدار بخيوط متصلة من الدوحة إلى عمان، فبيروت.

وإنْ ادّعى البعض أن ما يجري ليس باسمهم مباشرة، فإننا نفهم جيدًا هذا النوع من السياسة: حيث يُمارس الفعل في الظلّ، وتُترك الكلمات تُناور في الضوء.

نفهمهم من طبيعة تفكيرهم، من بنيتهم الخطابية، ومن مسارات تحركهم المتناغمة، ولو أنكروا نسبتها لأنفسهم.

ازدواجية الخطاب: يقولون “منظمة التحرير” ويفعلون نقيضها

ما يجري ليس اجتهادًا تنظيميًا، بل محاولة لتفكيك التمثيل الوطني الفلسطيني من بوابة المبادرة الفردية، المغلفة بالشعارات الجامعة.

فالقول بـ”التمسك بمنظمة التحرير” لا يعني شيئًا إن اقترن بإقامة أطر بديلة، وتشكيل لجان موازية خارج مؤسساتها، ووضع رؤى وسياسات دون الرجوع إلى مؤسساتها القيادية، من مجلس وطني أو لجنة تنفيذية.

فإعادة بناء المنظمة لا تكون في فندق ولا لجنة ظل، بل عبر قنواتها الشرعية، وبمشاركة كل قواها، لا عبر دائرة محدودة تعيد إنتاج نفسها بأسماء جديدة.

اللجنة المُعلَنة: تخطيط من خارج الشرعية

ما أُعلِن عنه من تشكيل لجنة تخطيط سياسي وفكري لصياغة رؤية “حول إعادة بناء المنظمة”، ليس مجرد فعل تنظيمي داخلي، بل خطوة مدروسة تُستكمل بها بنية بديلة، تتجاوز الصفة الرمزية لتبدأ مرحلة الفعل السياسي الموازي.

وكل من يراقب تحركات هذا التيار، يدرك أن ما يجري ليس وليد فكرة عابرة، بل مسار متكامل، يُدار بعناية، ويُلبس لبوس المشاركة الوطنية، بينما هو في جوهره عملية تقويض تدريجية لمنظمة التحرير عبر التمدد المنهجي خارجها.

منظمة التحرير: الإصلاح لا يكون من خارجها

نحن أول من يطالب بإصلاح المنظمة وتجديد شرعيتها وتوسيع قاعدتها.

لكننا نعلم أن الإصلاح لا يكون من خارج البيت، بل من قلبه، عبر النضال المؤسسي، والضغط الداخلي، والمشاركة لا القطيعة.

كل ما يُبنى من خارجها، ولو لم يُعلَن أنه بديل، هو بديلٌ بالفعل.

وكل من يخطط خارج مؤسساتها، ويرسم رؤى دون العودة إلى مرجعياتها، إنما ينشئ كيانًا رديفًا ولو أنكره.

الصمت عن هذا المسار هو شراكة في الجريمة

ما يُمارَس اليوم تحت شعار “الرؤية والتخطيط” ليس فكرًا سياسيًا حرًا، بل مشروع تآكل تدريجي للتمثيل الفلسطيني.

والتاريخ لن يرحم من خدم هذا المسار، سواء نطق باسمه أو اكتفى بالدفع من خلف الستار.

إننا نحذر من استسهال بناء المسارات الرديفة تحت شعارات الإنقاذ.

وإنّ من أراد الدفاع عن منظمة التحرير، فليدافع عنها بالفعل، لا بالتحايل على شرعيتها، ولا بتفكيكها باسم إعادة بنائها.

ومن يظن أن الشعب الفلسطيني لا يرى هذا التشابك بين الدوحة، وعمان، وبيروت، فهو لا يقرأ واقعنا، ولا يفهم ذاكرة هذا الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *