مناورات مفضوحة لليمين الفرنسي المتطرف
بقراءة متأنّية وبعيدا عن الشحن الإعلامي والسياسوي الفرنسي لقضية الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، الموقوف على ذمة التحقيق في تهم خطيرة سيجيب عليها عندما يمثل أمام المحكمة لاحقا، يلمس المتابعون نقاط ظل من المهم تجليتها للرأي العام الوطني والفرنسي المنشغل منذ أيام بمصير “بوعلام”.
ننطلق من ظاهر قضية بوعلام الذي اشتهر وسطع نجمه الآفل بعد إعلان الجانب الفرنسي، صحافة وأحزاب وقصر الإليزيه والمسؤولين السابقين والحاليين ومؤرخون، وكل من يدور في فلكهم من المسلوبين فكريا وثقافيا.
فقد ارتكب الإعلام الفرنسي خطأ جسيما عندما راح يروّج لأطروحة بعيدة كل البعد عن الواقع، وانخرط في تنفيذ مفضوح لخطة الدولة العميقة هناك، بالنقل الحرفي لها دون تصرف، مما عرّى الخطة وأغرق بوعلام في مستنقع التنديد والاستنكار من الأغلبية الصامتة في فرنسا والجزائر، وجعل التعاطي الإعلامي مع قضيته محفوفة بالمخاطر.
يزعم الإعلام الفرنسي البروباغندي على الطريقة النازية، أن بوعلام ضحية اختطاف نفّذه “النظام الديكتاتوري” في الجزائر.. وتكررت هذه العبارة في كل تدخلات الطبقة الحزبية اليمينية المتطرفة الفرنسية ونخبها الإعلامية، تحت مظلة فانسون بولوري الدعائية، في حين أن بوعلام صنصال أوقف في مطار الجزائر من طرف الجهات المختصة وجرى استجوابه وإحالته على العدالة في قضية واضحة المعالم تتعلق بافتراءات ومزاعم وروايات عارية من الصحة والمصداقية، خاصة وأن جوهر كلامه يدخل في اختصاص التاريخ والمؤرخين وليس ضمن اهتماماته.
يحاول الإعلام الفرنسي ومن يقف وراءه، في الغرف المظلمة للدولة العميقة هناك، توظيف بوعلام صنصال ضمن مخطط جهنمي يرمي فيما يرمي إلى إيهام الرأي العام الفرنسي والدولي، أن الدولة الجزائرية يحكمها “نظام مستبد”، وأن قيادته الممثلة في الرئيس عبد المجيد تبون، خاضع للتيار الإسلاموي المتطرف المعادي للحداثة والحضارة والحريات وحقوق الإنسان ولكل ما هو فرنسي وصهيوني.
لماذا؟ الجواب: ليسهل، بفضل استراتيجية الإقناع، إدراج الجزائر وسلطاتها ومؤسساتها في قائمة دول محور الشر المحرّض على الإرهاب ويدعمه، في إشارة إلى نصرة الجزائر للقضايا العادلة في العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية.
إن التغطية على المعلومة الجوهرية وهي توقيف بوعلام صنصال وتحريفها إلى “اختطاف”، تعطي الانطباع على أن الجزائر أصبحت دولة مارقة وتحكمها جماعة إرهابية، وبالتالي، ونظرا لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين منذ سحب الجزائر سفيرها وإنهاء مهامه، فإنه يطلب من السلطات الفرنسية والإليزيه تحديدا الدخول في “مفاوضات” مع الجهات الجزائرية لإطلاق سراح، حسبه، “المختطف بوعلام صنصال”! وفي حال سقوط الجزائر في هذا الفخ يصبح من السهل جدا استدراجها فيما بعد إلى الاستقرار آليا في قائمة دول محور الشر، على مقربة من استلام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، وبالتالي تركيز الأضواء على الجزائر وجعلها في دائرة الاستهداف خلال الفترة المقبلة.
الخطأ الآخر الذي يروّج له الإعلام الفرنسي، أن ادعاءاته المبنية على أساس أن صنصال مسجون بسبب مواقفه المعادية للتيار الإسلامي المتغلغل في دواليب مؤسسات الدولة الجزائرية، وهو من خلال هذه الكذبة يحاول الإساءة إلى صورة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مباشرة وشيطنة مواقف الجزائر الدبلوماسية فيما بعد.. وتأليب الرأي العام الدولي ضده.
لكن وما يغيب عن هؤلاء المرجفون، أن الجزائر ومؤسساتها وجميع رؤسائها السابقين، وتحديدا تبون الذي كان ضمن المسؤولين المعنيين، حاربوا الإرهاب المغلف بالدين الإسلامي المدعوم من دوائر خارجية، منها فرنسا وجار السوء المغرب، ومن يريد معرفة المزيد من المعلومات يرجع إلى اعترافات الإرهابيين وقياداتهم، وكثير منهم من يزال على قيد الحياة.
إن من يرصد مواقف بوعلام صنصال المعادية لموطنه الجزائر الذي احتضنها ومكّنه من المناصب السامية في مؤسساته، يلاحظ أنه انتقل من المولع والمعجب بالثقافة الفرنسية والاستعمار الجديد ورموزه في التيار اليميني المتطرف المناوئ للعرب والمسلمين في فرنسا، لن يتعب كثيرا ليكتشف أنه زاد من حدة هجماته على الجزائر بمجرد حصوله على الجنسية الفرنسية، ليصبح معول هدم فتاك ضد موطنه وشعبه لحساب أجندة فرنسية صهيونية ومغربية، تستهدف كسر عزيمة القيادة الجزائرية على مواصلة برنامجها الرامي إلي تخليص البلاد من الارتهان والتبعية السياسية والاقتصادية لباريس.
إن إقدام بوعلام صنصال على فعلته، تؤشر على أن انخراطه في العدوان الثلاثي على الجزائر جعله يظن أن باريس ستحميه، بسبب جنسيته الفرنسية، من أي طارئ يتعرض له في الجزائر. علما أن فرنسا لا تمنح جنسيتها إلا في نطاق حسابات ضيقة جدا.
يعتبر بوعلام صنصال ركيزة قوية لدى الدولة العميقة الفرنسية في تنفيذ سياساتها في إطار نشر الفرنكفونية في المنطقة المغاربية، وبخسارته، سيصعب تعويضه، بالرغم من تعزيزه بالكاتب الصحفي كمال داود المتجنس حديثا والمتورط في قضية لا تقل خطورة على مستوى محكمة وهران، اعتدى فيها على خصوصيات الجزائرية سعادة عربان، الناجية من القتل على يد الجماعات الإرهابية خلال تسعينيات القرن الماضي.
تساؤلات بحاجة إلى أجوبة
ختاما، يجدر الكلام عن شؤون داخلية بكل صراحة وبهدوء.. هي مجرد تساؤلات تحتاج أجوبة شافية وواضحة ودقيقة من المعنيين والمسؤولين على الحركة الجمعوية على مستوى الحكومة.
أين الأحزاب والكتّاب والأدباء ورجالات الثقافة الجزائريين، ولماذا لا يردّون على نظرائهم في فرنسا؟
أين المنظمات الحقوقية وتلك المدافعة عن حقوق المرأة من قضية السيدة سعادة عربان؟ لماذا لم يدافعوا عنها أو يسعون إلى رد الظلم الواقع عليها؟
وقبل سعادة عربان، لماذا صمتت هذه المنظمات إزاء الهجمة العنصرية الهمجية ضد ابنة الجزائر إيمان خليف التي واجهت لوحدها محاولات تكسيرها وإبعادها من أولمبياد باريس 2024؟
وأخيرا، إذا كان وجودها لا يقدّم شيئا للقضايا المصيرية للأمة، فما جدواه !