أمد/ توصل إسرائيل و”حماس” إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن مختطفين ومحتجزين بجهد مصري قطري تركي أميركي، وحضور الرئيس دونالد ترمب إلى القدس وشرم الشيخ، وتوقيعه والرئيس عبدالفتاح السيسي والأمير تميم بن حمد آل ثاني والرئيس رجب طيب أردوغان على ما سمي إعلان ترمب للسلام، يفتح الباب أمام خلاصات مهمة من شكل ومضمون المناسبتين، وضرورات من الأهمية مراعاتها للوصول إلى سلام، بخاصة والهدف الإسرائيلي بعد فشل مسيرة التهجير الفلسطيني هو ضمان إفشال أي جهد لإقامة دولة فلسطينية.
كخطوة أولى وللاستفادة من الزخم السياسي المصاحب لاتفاق غزة يجب تأمين وتحصين القراءة السليمة لما تقرر، مع تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، التي شملت الإفراجات المتبادلة وفك اشتباك إسرائيلي فلسطيني أولي بانسحاب جزئي من بعض مناطق غزة.
ADVERTISING
أبرم اتفاق بين الأطراف المتنازعة وحضور الضامنين، وجرى البدء في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني الغزاوي البطل، على رغم تناقض بعض عناصر الاتفاق مع المواقف المعلنة مطولاً من نتنياهو و”حماس”، مع تمسك الأول بعدم وقف العمليات العسكرية إلا بعد نزع سلاح الحركة والقضاء نهائياً عليها، وكذلك مع موقف “حماس” بعدم تسليم الأسرى والجثامين كافة إلا بعد وقف الحرب نهائياً والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، وهو مؤشر على أن جميع الاطراف أرهقت إنسانياً ومادياً، وأن المجتمع الدولي فاض به الكيل من بشاعة العمليات الجارية وتجاوزها كل الاعتبارات الإنسانية، وعد الاتفاق خطوة مفيدة على رغم ما يحمله من غموض وعموميات.
وعكست المراسم والترتيبات في كل من القدس وشرم الشيخ أن المجتمع الدولي بأسره كان مقدراً الدور الأميركي، وعلى استعداد لمغازلة الرئيس ترمب والاستجابة إلى نرجسيته الشديدة، مما يتجاوز كل السوابق والتقاليد، بما في ذلك من شخصيات قيادية نرجسية سابقة، وهو أمر استغله ترمب ذكاء، والدبلوماسية النرجسية والشخصية أصبحت في حساباته وحسابات الآخرين.
لم تشمل محطة القدس سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين جمعت محطة شرم الشيخ عدداً كبيراً جداً من القادة الإقليميين والدوليين مع وجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وغياب نتنياهو و”حماس”، ويعكس ذلك التقارب الشديد للموقف الأميركي الإسرائيلي، وانعزال هذا الموقف عن موقف الشرعية الدولية الذي مثله وعكسه الحضور الواسع في اجتماع شرم الشيخ.
وأفرط ترمب بالقدس في الثناء على المواقف الإسرائيلية وعلى نتنياهو شخصياً، وسعى نتنياهو إلى استثمار الحدث نحو اليمين السياسي الإسرائيلي، مشيراً إلى نقل ترمب السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بضم إسرائيل للجولان، فضلاً عن محاولة رفع عنه الضغوط الإسرائيلية السياسية والقضائية، وكلها دلالات أن تنفيذه للاتفاق لن يكون شمولياً أو بما يرضي الطموحات الفلسطينية.
في حين أشاد ترمب في شرم الشيخ بدور ومواقف القادة المشاركين في الوساطة وفي احتفالية شرم الشيخ من دون تناول مضمون الاتفاق وتطلعاته بأي قدر من التفصيل حول كيفية التنفيذ أو أهدافه النهائية، وتجنب التطرق كلية إلى الشق الختامي والهدف الأسمى، وهو تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق أمانيه وتطلعاته المشروعة.
وفي المقابل عرض الرئيس السيسي الموقف السياسي المصري والعربي والدولي كاملاً، مؤكداً بوضوح أن الهدف النهائي هو إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بدءاً بوقف إطلاق النار ووصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة لكي تعيش مع إسرائيل في أمن وأمان، وقد وفق وأصاب في ذلك، وهو تسجيل مهم للموقف أمام جمع دولي كبير وتأييد واسع لشرعية هذا الموقف وضرورته، وبحضور الرئيس الأميركي شخصياً، في صورة مهمة ولها مغزاها السياسي، لأن هذه القيادة كانت عارضت فكرة تهجير الفلسطينيين وجعلت ترمب يعدلها ولو مرحلياً.
وتضمن عناصر إعلان ترمب للسلام والاتفاق الحمساوي الإسرائيلي المقدم نصوصاً واضحة في مراحله الأولى الخاصة بالإفراجات ووقف إطلاق النار، وعناصر أقل وضوحاً وتفصيلاً من حيث المضمون والآليات في المراحل التالية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر “تفكيك أسلحة حماس”، وهي الترجمة الفنية لعبارة (arms decommissioning) المستخدمة، ودور تفاصيل وقواعد عمل اللجنة الإدارية، وتشكيل ومهمات عمل القوات الأمنية الدولية الموقتة، وحدود الدور الذي تسعى إليه إسرائيل في تقييم سلامة تنفيذ كل بند من البنود قبل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.
عن إندبندنت عربية
