أمد/ بينما لا تزال رائحة الدمار تعبق في أزقة غزة، بدأت مرحلة جديدة من المعركة — لكنها هذه المرة ليست معركة السلاح، بل معركة الحياة. إنها معركة إعادة الإعمار، التي يخوضها أهل القطاع بإصرار لا يقل عن صمودهم خلال الحرب. فبعد أن وضعت العمليات العسكرية أوزارها، وجد الناس أنفسهم أمام واقعٍ مؤلمٍ: بيوت مهدّمة، مدارس مدمّرة، ومستشفيات خرجت عن الخدمة، وبنية تحتية شبه منهارة.

ورغم هذا المشهد القاسي، فإن روح التحدي التي تميّز الغزيين لا تزال حاضرة بقوة. فوسط الركام، بدأت بوادر الأمل تنبت من جديد. الأطفال يلعبون فوق الأنقاض، والنساء يبدأن بتنظيف ما تبقّى من منازلهن، والرجال يبحثون عن مواد يمكن إعادة استخدامها لإصلاح ما يمكن إصلاحه. إنها غزة التي لا تموت، بل تنهض كل مرة من بين الرماد لتقول للعالم إنها تستحق الحياة.

تحديات إعادة الإعمار تبدو ضخمة، فالحاجة إلى التمويل، وإلى المواد، وإلى ضمانات دولية لعدم تكرار العدوان، كلها ملفات معقدة تحتاج إلى تعاون دولي حقيقي وإرادة سياسية جادة. غير أن الأمل لا يزال يلوح في الأفق، مع وعود دول عربية وإسلامية بإطلاق مشاريع دعم وإعمار، ومبادرات شعبية في مختلف الدول لجمع التبرعات ومساندة المتضررين.

لكن الإعمار لا يعني فقط ترميم الحجر، بل هو إعادة بناء الإنسان أيضًا. فالأطفال الذين فقدوا مدارسهم يحتاجون إلى بيئة نفسية سليمة، والأسر التي فقدت أحبتها تحتاج إلى دعم اجتماعي وإنساني. إن إعادة الحياة إلى غزة لا يمكن أن تكون مجرد مشروع هندسي، بل مشروعًا إنسانيًا شاملًا، يعيد الثقة والأمل للناس، ويمنحهم سببًا جديدًا للصبر والمواصلة.

في نهاية المطاف، ستعود غزة لتنبض بالحياة كما فعلت مرارًا. فمهما طال الليل، فإن شمس الإعمار ستشرق، لتؤكد من جديد أن الأمل لا يُهدم، وأن الإرادة لا تُقصف. فغزة، التي اعتادت أن تنهض من تحت الركام، ستظل دائمًا عنوانًا للصمود، ورمزًا للأمل الذي لا يموت.

شاركها.