أمد/ لا اريد ان اتحدث عن مخرجات مؤتمر نيويورك برئاسة جمهورية فرنسا والمملكة السعودية والوثيقة الهامة والنوعية المكونة من 42 نقطة، كوني تحدثت عن أهميته في زاوية الامس الأربعاء 29 تموز/ يوليو الحالي، غير أني سأركز على المعادلات السياسية التي افرزها المؤتمر في لحظة هامة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتحولات الكيفية والدراماتيكية التي شهدها الوطن العربي خلال العامين الماضيين في اعقاب اشعال إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية ومن يدور في فلكهم بعد السابع من تشرين اول / أكتوبر 2023 للإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة خصوصا والوطن عموما، في استغلال فاضح لذريعة “طوفان حماس”.

المعادلة الأولى التي كرسها مؤتمر نيويورك، تمثلت في سحب البساط من تحت اقدام الولايات المتحدة الأميركية كراعي وحيد لعملية السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال اشراك دول العالم بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة في تحديد أسس حقيقية وجادة للسلام في المنطقة ترتكز على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 لا سيما وان الادارتين الاميركيتين الأخيرتين عبثت بالسلام، وقادت وشاركت إسرائيل اللقيطة والنازية في الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وكادت ان تبدد خيار حل الدولتين كليا، عبر انتهاكاتها الخطيرة  لأسس العملية السياسية في المنطقة، وخاصة على المسار الفلسطيني، حيث تمكنت كل من العربية السعودية وفرنسا من كسر التابوهات الأميركية الإسرائيلية، ونجحت في جمع اكثر من 100 دولة بالإضافة الى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ليس هذا فحسب، بل في إنجازها الرائع بإحياء خيار الدولتين، وإعادة الاعتبار لمبادرة السلام العربية بمحدداتها الأربعة المعروفة.

المعادلة الثانية الهامة، نجاح القيادة السعودية بالتعاون مع القيادة الفرنسية والحشد الدولي المشارك في مؤتمر دعم حل الدولتين، في صد وافشال مخطط بنيامين نتنياهو وحكومته الائتلافية النازية، الذي روج وبشر به رئيس الحكومة الإسرائيلية بتغيير هيكلة الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير، حيث فرض المؤتمر معادلة مغايرة، قوامها إعادة الاعتبار لخيار حل الدولتين، والتأكيد على الحل السياسي والقانوني للمسألة الفلسطينية، والعمل وفق الميكانيزمات التي وضعها المؤتمرون على مدار الأيام الثلاثة 28 و29 و30 من يوليو الحالي لاستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة لإعطاء المسألة الإنسانية ثقلها واولويتها التي تستحق، من خلال الدعوة الى الوقف الفوري للإبادة الجماعية وتأمين ادخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها من المعابر كافة وبكميات كبيرة لوقف حرب التجويع والامراض والاوبئة على الفلسطينيين في قطاع غزة، وإعادة الاعمار لما دمرته الإبادة الجماعية الإسرائيلية الاميركية.

والاهم في المعادلة، أنها بحسن إدارة وابداع رئاسة مؤتمر نيويورك بشكل مباشر وغير مباشر، تمكنت من قطع الطريق حتى اللحظة الراهنة من تقسيم سوريا أو لبنان او غيرها من دول الإقليم، دون أن يعني ذلك، أن إسرائيل ومن خلفها إدارة ترمب استسلمت أو استكانت وقبلت بمخرجات المؤتمر، بتعبير أدق، ستواصل الدولتان العمل لتحقيق هدفها الاستراتيجي وفق الخرائط التي حددتها الدولة العميقة في الولايات المتحدة والدولة العبرية الخارجة على القانون. غير ان المؤتمر رسم طريقا ورؤية مختلفة.

المعادلة الثالثة، استعداد عشرة دول جديدة للاعتراف بدولة فلسطين في أيلول / سبتمبر القادم على هامش الدورة ال 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة الى الدول الأوروبية الخمس التي اعترفت سابقا، وهي اسبانيا وايرلندا، وبلجيكا، وسلوفينيا والبرتغال، وأصدرت الدول ال 15 نداءً عبرت فيه عن عزمها على الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فضلا عما اعلنه رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر ووزير خارجيته ديفيد لامي عن عزم المملكة المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، في حال لم توقف إسرائيل الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مما أضعف مبدأ الاستعداد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووضع علامة سؤال على الموقف البريطاني. رغم ان وزير الخارجية البريطاني اعترف بالخطيئة التاريخية التي ارتكبتها حكومة المملكة المتحدة في عام 1917 بإصدار وعد بلفور المشؤوم، وعطلت مع شرائكها من دول الغرب الرأسمالي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين وفقا لقرار التقسيم 181 الصادر في 29 تشرين ثاني / نوفمبر 1947، وعمليا قدم لامي اعتذارا للشعب العربي الفلسطيني في كلمته من على منصة مؤتمر نيويورك في الأمم المتحدة أول أمس الثلاثاء عما أصابه من ويلات نتاج الوعد البريطاني الخطير على مستقبل الشعب الفلسطيني.

هذه المعادلات السياسية الهامة عززت مخرجات مؤتمر نيويورك بقيادة السعودية وفرنسا، وستفتح الأفق واسعا امام خطوات جدية ونوعية لدفع عملية السلام قدما، بما تمثله الدول المشاركة من ثقل سياسي وديبلوماسي واقتصادي وديمغرافي، ومن المؤكد ان الأسابيع والشهور القادمة تحمل في طياتها تحولات إيجابية تجاه المسألة الفلسطينية.

 

شاركها.