مصيدة الفأر الفلسطيني.. أمد للإعلام
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2024/08/1604057461-77-8.jpg)
أمد/ في إحدى الأساطير الهندية، كان هناك فأرٌ يطارده رعبٌ لا نهاية له من القطط. رقّ لحاله ساحر، فحوّله إلى قط. لكن الفأر، وإن تغيّر شكله، لم يتغير قلبه، فظل يرتجف خوفًا، ولكن هذه المرة من الكلاب. فما كان من الساحر إلا أن رفعه مرتبةً أخرى وحوّله إلى كلب، ثم إلى نمر، ولكن الخوف ظل يطارد قلبه حتى من الصيادين. عندها أدرك الساحر عبث التغيير الخارجي، وقال له: “لن يُساعدكَ أيُّ شيءٍ أفعله، لأنَّكَ تمتلكُ قلب فأرٍ، إذا أردتَ أن تتغيَّر فابدأ بقلبكَ أولاً”.
هذه الأسطورة ليست مجرد حكاية شعبية تُروى للتسلية، بل هي مرآةٌ تعكس واقع الشعب الفلسطيني الذي حوّلته الفصائل الفلسطينية من فأرٍ مذعور إلى قطٍ جبان، ثم إلى كلبٍ نابح، وأخيرًا إلى نمرٍ مخدوع بقوته، بينما بقي في داخله قلبُ الفأر الذي يركض في دوامة الخوف.
الفصائل والساحر الخادع
تمامًا كما في الأسطورة، لعبت الفصائل الفلسطينية على وتر القوة، وصنعت وهمًا لشعبها بأنها تحوّله من ضعيفٍ إلى قوي، من لاجئٍ إلى مقاوم، ومن مشردٍ إلى صاحب قضيةٍ عالمية. ولكن الحقيقة المُرّة أن هذه الفصائل، كالساحر في القصة، لم تهدف إلى تحريره من خوفه، بل إلى استغلاله. فأبقت على “قلب الفأر” فيه، قلبٌ خائفٌ من الطغاة، من الاحتلال، ومن بطش قياداته أكثر من بطش عدوه.
الفلسطيني اليوم ليس بحاجة إلى أن يكون نمرًا في الشكل فقط، ولا إلى بيانات الفصائل التي تخدّره بأوهام القوة والانتصارات الوهمية، بل هو بحاجة إلى أن يتحرر من الخوف الذي زرعته هذه السلطة فيه منذ عقود. الخوف من السلاح الذي يُرفع في وجهه إن خرج عن الخط، الخوف من الكلام، من الحلم، من رفض الواقع المهين الذي يُفرض عليه باسم القضية.
التحرير يبدأ من القلب
الشعب الفلسطيني في الشتات، كما ذلك الفأر، أُجبر على الهروب مرارًا، متنقلًا من نكبةٍ إلى نكسة، من تهجيرٍ إلى اتفاقياتٍ تُباع فيها حقوقه مقابل مصالح نخبةٍ متسلطةٍ تدّعي تمثيله. ولكن الحقيقة أن أحدًا لم يسأل هذا الشعب إن كان يريد أن يُحوَّل إلى قطٍ أو كلبٍ أو نمر. لقد أراد فقط أن يكون حرًا.
والحرية لا تأتي بتغيير المسميات، ولا بالانتماء إلى فصيلٍ بدل آخر، ولا برفع شعاراتٍ جديدة كل عقدٍ من الزمن، بل تبدأ بتغيير “قلب الفأر” الذي زرعوه فيه، وإعادة إحياء قلب الثائر الحقيقي الذي لا يخاف من السلاسل، ولا تُرعبه التهديدات، ولا يُباع في مزادات السياسة الرخيصة.
تنويه مهم
إنّ تشبيه الفأر هنا ليس انتقاصًا من الفلسطيني، ولا إذلالًا لشخصيته أو نضاله، بل هو صرخةُ وعيٍ قبل فوات الأوان، حفاظًا على الأجيال القادمة من الوقوع في نفس المصيدة التي وقعت فيها الأجيال السابقة. إنها دعوةٌ لكسر دائرة الخوف التي صُنعت بعناية، وتوارثتها السلطة والفصائل، لضمان بقاء الشعب خاضعًا تحت عباءتها، غير قادرٍ على التحرر الحقيقي.
إنّ الفلسطيني اليوم أمام خيارٍ وجودي: إمّا أن يبقى ذلك الفأر الذي تلاعب به السحرة لسنوات، وإما أن يكسر هذه الحلقة، ويستعيد قلبه الحر. عندها فقط، لن يعود بحاجةٍ إلى أن يتحوّل إلى أي شيء آخر، لأنه سيكون هو نفسه، بكرامته، بوعيه، وبحريته.