أمد/ في اللحظة التي اختفيا فيها القلم والأوراق عن أعيننا وجدت الأستاذ في حالة صمت. يهز راسه وكأن هناك أمر يؤسفه، ” الرؤى حولي غامت بين شكي و يقيني”.
فملت عليه وسألته بصوت منخفض: خير يا أستاذنا مالك؟ أنا حاسس أنك مش راضي عن المقال؟
أجاب بعفوية: أبدا بس بتفكرني برواية لألبير كامو اسمها الطاعون، رواية كئيبة يصور فيها كامو في الأغلب حال اوروبا بعد حرب عالمية، يسير الطاعون في الشارع يقتل البشر والحياة، الضحايا في الشارع ، لا مفر! لم أتخيل اني ساراه يوما رأي العين! فمنذ تنفيذ مخطط الانقسام والخراب الصهيوني، وصولًا للمحرقة الكبرى، جاء حكم موالسة الخراب هنا، واتحاد ملاك القضية هناك، ولم ترى قضية شعبك إلا حزنا فوق حزن واسى بعد اسى! هذا انحدار سياسي بحانب الانقسام. يأخذ بقايا قضية عليلة قضى عليها إلى قاع بلا قرار، فالحكم إما مسؤولية أمام الشعب أو غنيمة وسبوبة وحلب الشعب.
قلت له: دائمًا فيه احتياج متبادل ومنافع وتواطؤ بدرجات متفاوتة بين موالسة الخراب وبين أتحاد ملاك القصية.كل يوم يبقى فيه موالسة الخراب و الفساد، واتحاد ملاك القضية هو خصم من شرعية القضية الوطنية..كل يوم كان فيه أستمرار لمخطط الانقسام والخراب الصهيوني هو خصم من شرعية بقاء القضية الوطنية، و كل يوم يبقى فيه موالسة الخراب واتحاد ملاك القضية بلا حساب او محاكمة خصم من وجودنا وقدرتنا نحن على البقاء.
فقال : الانقسام، وسوءُ الإدارة ، وسوءُ ترتيب الأولويات ، والغُرورُ الزائدُ عن الحد، بجانب الفساد والحزبية والتخلف السياسي والخردة الفكرية، والدجل على الناس. كانت ومازالت سماتُ الحُكْمِ عند ثنائية الجحيم، وظهرت نتائجُها الكاريثة السلبيةُ. وتداعياتُها الضارةُ على كافة اوجه الجحيم وصولا للمحرقة. هذه مشكلة مجتمع كامل لا يقوم على الجدارة بل على الواسطة..مجتمع الانقسام و الحزبية والمحسوبية.
و حتى لا نغفل الأسباب الحقيقة لصالح شعارات سياسية وشحن سياسي واجتماعي. الأمر الذي يجعل النكبة تستمر، وتستمر معها المخاوف والاحتمالات المخيفة. قبل المحرقة الحالية، كان الناس يعيشون في بلد عبارة عن معتقل، بل فخٍ محكم الإغلاق، كل يوم يستيقظون على مأساة جديدة..حرب ضحيتها أبرياء، أو جباية وضرائب سرقة وفساد يلتهم أعمارهم وأموالهم. وصولا للمحرقة والنكبة الكبرى.
فلو كان حكم موالسة الخراب واتحاد ملاك القضية حريصًا حقًّا على كرامة الناس، لوفّر لهم حياة آدمية تحفظ أرواحهم وحقوقهم. وهذا اضعف الإيمان، لكن الواقع أن الناس مرتهنون لمجانين وسفلة، يقود أغلبهم شخصيات سوابق تنبلة اغلبها لا تصلح. وتتصدر للمسؤولية تحت تأثير أجندات خارجية وحزبية رخيصة، ينهشون الحم الأبرياء بصلف وغباء لا يُحتمل. يتحدثون وكأنهم سياسيين ومفكرين ، بينما خطابهم لغو، وسطحية تثير السخرية !
قلت له : يبدو أن الشخصية الحزبية ‐ اخدت أكبر من حجمها الطبيعي تنابلة التي ترى في نفسها القدرة على الحكم والوصم، والتي تغزي الإحساس الوهمي بالتفوق، من نوعية تأكيد سياسة الدجل و الفهلوة، ربما تكون هناك دراسة كيف ينظر الناس بعد المحرقة لهؤلاء وتكشف لنا عن الكثير من تفاصيل ذهنية موالسة الخراب واتحاد ملاك القضية، وكيف ينظرون إلى أنفسهم وكيف ينظرون لأنفسهم عبر تنميط الآخر.
يا أستاذ إذا كانت السياسة هي إدارة الشأن العام بمُقتضى الحكمة والمسؤولية. فإن الانقسام و الفساد و الاستبداد هو إدارة الشأن العام بمُقتضى الهوى والفساد و الحزبية. فلا توجد سياسة، هناك فقط كلمات مبهرة لملء فراغ أدمغة الناس، لو رجعت لتصريحات المسؤولين وحتى غير المسؤولين اللي مالهومش أي صفة غير إن الواحد منهم كان ماشي حافي ودخل في رجله حزب، تلاقي نوع من العبث السخيف والمرفوض.
فقال: سيبك من فهم هؤلاء للمسؤولية، ويعني إيه مسؤولية من وجهة نظرهم لكن الشحصية العبقرية دي، هي مرآة حقيقية للحضيض اللي إحنا وصلنا له، ولصورة العقل الهمجي اللي بيقول كلام وهو مش فاهم إيه اللي ورا الكلام ده.. وممكن ميكونش مقصود بيه غير إن اللي بيقوله، بيتكلم عن القضية من وجهة نظره، وإنه ممكن يكون شايف إن المسؤولية هي إنك تعمل اللي هو شايفه حزبه وخلاص.وأعتقد إن هي دي الكارثة الحقيقية.
العقل الهمجي ده، اللي تم تدجينه وهندسته. بعد تنفيذ مخطط الانقسام والخراب الصهيوني ثم التخلص منه تماما ووضع فردة حذاء بدلا منه، بعد أستمرار حكم موالسة الخراب. و زي ما قلت لك قبل كدا، عن مصنع ثنائية الجحيم الذي ينتج السلع حسب مواصفات محددة.. وكلهم شبه بعض ليس شكلا فقط وإنما كمان على الصعيد الحزبي و النفسي والمعنوي.
العقل ده مش واخد باله إنه وهو بيتكلم عن قضية كبرى وشعبك تحت المحرقة بالشكل ده، وبيتكلم بالاستهانة دي، والاستمتاع بما تقدمه بعض الدول لإقليمية لمثل هؤلاء، مقابل تدمير ما تبقى لنا، وكأن القضية دي لا سمح الله حاجة كده “استغفر الله العظيم”، هو مش واخد باله إنه بيحط نفسه في خندق واحد مع الصهاينة زي ما كانوا نفس هؤلاء الأشخاص رأس حربة في تنفيذ مخطط الانقسام والخراب الصهيوني والفساد والتخلف، أو في أحسن الأحوال في سيرك كبير وكله مهرجين، ممكن يبقى الشخص في ثنائية الجحيم فاسد أو غير كفء، لكن إنه يبقى فاسد وغير كفء وجلده تخين؟! دي حاجة صعبة علينا اوي والله.
فقلت له: شعبك هو البرسيم في رواية حمارهم!
لكن مع الأسف ماحدش كان فاهم ولا عايز يفهم كده!
نهايته..للصبر حدود وللجهل أيضًا!