أمد/ الدوحة: قال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، إن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة النظر في سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، داعيًا إلى وقف الانحياز المطلق لإسرائيل، والعمل بما يخدم المصالح الأميركية ويحقق استقرارًا حقيقيًا في المنطقة.

 وفي مقابلة مطوّلة مع الصحفي الأميركي جيريمي سكيل، أشار إلى أن أصواتًا داخل التيار المحافظ الأميركي (MAGA) بدأت تتساءل عن جدوى الدعم غير المشروط لإسرائيل، معتبرًا أن على ترامب الإصغاء إلى هذا النقاش المتنامي.

وأكد مشعل أن جوهر الصراع يتمثل في الاحتلال الإسرائيلي واستمرار الدعم الأميركي له، مضيفًا أن الفلسطينيين سيُبدون استعدادًا للتعاون مع واشنطن إذا استخدمت نفوذها للضغط من أجل انسحاب إسرائيلي وإنهاء ما وصفه بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.

وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار، قال مشعل إن حركة حماس منفتحة على هدنة طويلة الأمد، ومستعدة للعمل مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من أجل تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار قطاع غزة، والدخول في مفاوضات سياسية مستقبلية ضمن إطار واضح وضمانات متبادلة.

ورفض مشعل بشكل قاطع أي ترتيبات تفرض إدارة غير فلسطينية على قطاع غزة، سواء كانت قوة دولية أو سلطة خارجية، معتبرًا أن مثل هذه الخطوات ستُعد “شكلًا جديدًا من الاحتلال” وستؤدي إلى تفجير صراع جديد بدل احتوائه.

وقال مشعل، إن الحركة ترفض أي مقاربة تقوم على نزع سلاح الفصائل الفلسطينية بالقوة، مؤكّدًا في المقابل استعدادها للدخول في هدنة طويلة الأمد بضمانات إقليمية ودولية، ومشيرًا إلى قبولها ترتيبات “تثبيت الاستقرار” على الحدود لا داخل قطاع غزة.

ووصف مشعل الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها “حرب إبادة غير مسبوقة”، داعيًا الرأي العام الغربي إلى “الاستماع إلى الفلسطينيين مباشرة لفهم طبيعة الصراع”.

وأضاف أن مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنزع السلاح “غير واقعية”، معتبرًا أن التجربة التاريخية الفلسطينية “لا تسمح بالثقة بإسرائيل”.

وأوضح مشعل أن حماس طرحت، عبر وسطاء مصريين وقطريين وأتراك، مقاربة بديلة تقوم على أربع ركائز:

 أولها الاحتفاظ بالسلاح من دون استخدامه أو استعراضه بقرار ذاتي وجاد.

 وثانيها قبول قوات دولية على الحدود للفصل بين الجانبين لا داخل غزة.

 وثالثها هدنة لمدد تتراوح بين خمس وعشر سنوات، ورابعها ضمانات من دول عربية وإسلامية تؤكد التزام الفصائل بالاتفاقات.

وقال إن “المشكلة ليست في التزام الفلسطينيين بل في السجل الإسرائيلي في خرق الاتفاقات”.

وفيما يتعلق بإدارة غزة، حذّر مشعل من تكرار نموذج “اجتثاث البعث” في العراق، معتبرًا أن أي محاولة لإقصاء حماس أو تفكيك مؤسساتها ستؤدي إلى فراغ أمني وفوضى. وأكد أن الحركة “ليست تنظيمًا عسكريًا فقط، بل حركة مجتمعية ذات حضور مدني وأمني”، وأن أي سلطة غير فلسطينية تُفرض داخل غزة “ستُعامل كقوة احتلال”.

وأشار إلى أن حماس “تنحّت فعليًا عن إدارة الشأن الحكومي” لصالح مسار حوار فلسطيني لتشكيل إدارة تكنوقراط مستقلة، موضحًا أنه جرى التوافق مؤخرًا على قائمة شخصيات مستقلة لإدارة المرحلة، لكن التنفيذ تأخر بانتظار تطورات المرحلة الثانية من الاتفاقات، متهمًا إسرائيل بعرقلة الالتزامات الإنسانية في المرحلة الأولى، بما فيها إدخال المساعدات وإعادة تأهيل المرافق وفتح معبر رفح.

وعن السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، شدّد مشعل على أن الانتخابات “حق أصيل للشعب الفلسطيني”، منتقدًا تعطيل الاستحقاقات الانتخابية خشية نتائجها. وذكّر بفوز حماس في انتخابات 2006 وما تلاها من حصار ومحاولات لإفشال التجربة، معتبرًا أن السلطة “فقدت شرعيتها بتعطيل الانتخابات وحصر دورها في التنسيق الأمني”.

وحول مستقبله السياسي، قال مشعل إن ترشّحه أو ترشيح غيره “قرار تنظيمي”، مؤكدًا حق حماس في المشاركة بالانتخابات إذا فُتحت أبوابها، ومشيرًا إلى دعم الحركة لإطلاق سراح القيادات الفلسطينية المعتقلة، وفي مقدمتهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات.

وبشأن العلاقة مع أوروبا، أوضح مشعل أن لقاءات جرت مع وزراء ومسؤولين أوروبيين، لا مع قادة دول، داعيًا الغرب إلى التعامل مع حماس باعتبارها “حركة تحرر وطني” وفق المعايير ذاتها التي طُبّقت تاريخيًا على حركات مقاومة أخرى. وانتقد “ازدواجية المعايير” في تصنيف المقاومة الفلسطينية، معتبرًا أن الانحياز الأميركي لإسرائيل “يضر بالمصالح الأميركية”.

وفي ملف “حل الدولتين”، قال مشعل إن ما طرحته حماس في وثيقتها السياسية عام 2017 بشأن قبول دولة فلسطينية على حدود 1967 جاء لتشكيل أرضية توافق وطني وعربي، لكنه أقرّ بأن إسرائيل “لن تسمح” بقيام دولة فلسطينية، معتبرًا أن الشعار بات “دون إرادة دولية لإجبار إسرائيل على الانسحاب”. وأكد أن حماس لا تعترف بإسرائيل، لكنها “تحترم الإرادة الفلسطينية إذا جرى الاستفتاء”.

وعن الموقف العربي والإسلامي، أشار مشعل إلى وجود تقصير في وقف الحرب، مع تقدير مواقف دول بعينها، مثل مصر والأردن وقطر وتركيا، واعتبر أن “الولايات المتحدة وحدها تملك القدرة على إلزام إسرائيل”، داعيًا واشنطن إلى تحمّل مسؤوليتها.

وقال مشعل بالتأكيد على أن الفلسطينيين “لا يطلبون وصاية ولا دولة بلا سيادة”، وأن أي دولة فلسطينية يجب أن تقوم بعد إنهاء الاحتلال، مع حقها في تقرير خياراتها الأمنية، معتبرًا أن “الاحتلال إلى زوال، كما سقط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا”.

موقف “حماس” من حل الدولتين

ورداً على سؤال بشأن موقف “حماس” من حل الدولتين، استشهد مشعل بما أعلنته الحركة في “ميثاقها السياسي” لعام 2017، مشيراً إلى أن ما جاء في الوثيقة آنذاك “لم يكن موقفاً جديداً فيما يتعلق بسلوك الحركة أو مواقفها السياسية، فحماس طورت هذه المواقف السياسية وحافظت عليها منذ أن شاركت في الانتخابات، وحتى قبل ذلك”.

 وأشار إلى أن “حماس”، “قبلت بدولة فلسطينية على حدود 1967، دون أن تسميه حل الدولتين؛ لأن حل الدولتين يعني ضمناً الاعتراف بإسرائيل بشكل تلقائي. في حواراتنا مع الغربيين قلنا لهم: لا، نحن نقبل بدولة على حدود 1967 كمشروع وطني مشترك مع الفصائل الفلسطينية الأخرى. أما بالنسبة للاعتراف بإسرائيل، فحماس لديها موقف (واضح) في هذا الشأن نحن لا نعترف بإسرائيل. ولكننا سنحترم الإرادة الفلسطينية عندما يجري التشاور معها في هذا الأمر ومسائل أخرى ذات الصلة. أما بالنسبة لنا في حماس، فنحن لا نعترف بشرعية الاحتلال”.

 ومضى قائلاً: “تقبلنا فكرة الدولة الفلسطينية على حدود 1967؛ للوصول إلى موقف مشترك مع شركائنا الفلسطينيين وأيضاً مع الدول العربية والإسلامية. لقد ثبتت صحة نهج حماس، ليس فقط ما قدمته حماس في عام 2017، ولكن حتى في عام 2006 في وثيقة الوفاق الوطني التي جاءت من مبادرة الأسرى. كل هذا كان مطروحاً على الطاولة؛ دولة على حدود 1967”.

و أضاف، فإن “الواقع الحالي في غزة والاستيطان والانتهاكات ومحاولات التهجير وجريمة الحرب والإبادة الجماعية في غزة تظهر أن إسرائيل لا تحترم الحقوق الفلسطينية ولا تقبل بدولة فلسطينية. ومع ذلك، نحن الفلسطينيين في حركة حماس ومعنا شركاؤنا في الساحة الفلسطينية ودولنا العربية والإسلامية مستعدون، إذا كان هناك التزام إقليمي ودولي جاد، أن نرغم إسرائيل على الانسحاب إلى حدود الرابع من  يونيو 1967 بما فيها القدس لنتمكن من إقامة دولتنا الفلسطينية. وإذا توفرت الشروط، فإن حماس ستقبل بذلك وتتصرف بمسؤولية. سنبني دولة فلسطينية ديمقراطية حقيقية؛ ليس مثل إسرائيل اليوم التي تدعي الديمقراطية بينما تنتهكها حتى ضد مواطنيها”.

شاركها.