أمد/ واشنطن: قال مستشاران أميركيان رفيعا المستوى بالبيت الأبيض في الولايات المتحدة يوم الخميس، إن أهل غزة أقوياء وصامدون، مشيران إلى أن محادثات مستمرة تجري مع مصر والإمارات وقطر ودول أخرى بشأن “قوة الاستقرار الدولية” المقرر تشكيلها بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء حرب غزة.

وأكدا، في إحاطة مع الصحافيين، نقلتها رويترز، أنه لن يتم إجبار أي من سكان غزة على مغادرة القطاع الفلسطيني، وقال أحدهما: “هناك بعض الغزيين الذين غادروا لأن ظروف المعيشة كانت صعبة جداً، لكن هؤلاء الناس أقوياء، وقد مرّوا بالكثير، ويبدو أنهم صامدون.. كثير منهم يعودون الآن إلى منازلهم، ينصبون الخيام، والمساعدات تتدفق إلى الداخل”.

وأضاف: “أعتقد أن هؤلاء الناس يشعرون بانتماء عميق للأماكن التي يعيشون فيها، وهذا أمر لافت للنظر حقاً”.

قوة الاستقرار الدولية في غزة  

أما بخصوص الدول التي أبدت استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية (ISF)، فقال أحد المستشارين إن هناك عدة دول عربية وإسلامية، من بينها إندونيسيا، مشيراً إلى محادثات مستمرة بهذا الشأن بين الولايات المتحدة ودول أخرى مثل مصر والإمارات وقطر وأذربيجان.

وأضاف: “تحدثنا عن استعداد تركيا لإرسال فريقها المتخصص في انتشال الجثث، نظراً لخبرتهم الطويلة في هذا المجال بسبب تعاملهم المتكرر مع الزلازل، ونرى الحماس نفسه فيما يتعلق بالمشاركة في قوة الاستقرار الدولية.. لذا، هناك الكثير من المؤشرات الإيجابية”.

وأحد أهم متطلبات خطة ترامب المكونة من 20 نقطة بشأن غزة هو تشكيل قوة لتحقيق الاستقرار مدعومة من الولايات المتحدة. ووافقت واشنطن على إرسال ما يصل إلى 200 جندي لدعم القوة دون نشرهم في غزة نفسها.

وأضاف المستشار الثاني: “يجب أن أكون واضحاً: هذه أدوار إشرافية ولوجستية وتنسيقية، وليست أدواراً قتالية على الإطلاق.. هناك الآن ربما 12 إلى 22 شخصاً (أميركياً) على الأرض للمساعدة في إعداد هذه العملية، لقد منحنا هذا أولوية كبيرة للتأكد من تثبيت الوضع، ودور الولايات المتحدة هنا هو أننا نحظى بثقة كل الأطراف المختلفة، ونستطيع أن نكون محكماً للمسائل ومركز تبادل للمعلومات؛ نحاول تصميم أولويات صحيحة لضمان تنفيذ الأمور بالطريقة التي تجعل المهمة ناجحة”.

وتابع: “هذا عمل معقد وديناميكي للغاية، هناك أكثر من 40 مساراً للعمل يجب تنفيذها في آن واحد وبترتيب دقيق، والجيش الأميركي هو الأفضل في العالم بتنظيم وإدارة هذه الأنظمة الكبيرة والمعقّدة، لذلك دوره هنا هو المساعدة في الإعداد والتصميم، والهدف هو إشراك الشركاء المحليين الذين يريدون المساعدة وتنظيم عملهم وتحديد مهامهم بوضوح لكي تُنجز مختلف المهام المطلوبة لتحقيق هذا الهدف”.

مراحل اتفاق غزة

ووصف المستشار الأول تجاوز مرحلة توقيع اتفاق غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين بأنها “لحظة مذهلة بالفعل”.

وأوضح أن “المرحلة الأولى من الاتفاق كانت تهدف فعلياً إلى تحقيق الانسحاب حتى الخط الأصفر، وتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار، وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية، ثم إتمام عملية تبادل جميع الرهائن والأسرى، وقد تم إنجاز ذلك بنجاح”.

وقال: “من الواضح أنه لا يوجد قدر كبير من الثقة بين الجانبين، لكن الرئيس ترامب عمل بجدٍ كبير لتحقيق ذلك، إلى جانب الوسطاء.. والآن ندخل مرحلة جديدة علينا فيها تحديد ما الذي سيأتي بعد ذلك”.

وأضاف: “ينصب التركيز في المدى القصير على منع التصعيد، والتأكد من أن الأطراف لا تقوم باستفزازات غير ضرورية، ونرى تحركات مختلفة من جميع الأطراف، والرئيس ترمب وفريقه يعملون بجدّ لتقليلها إلى الحد الأدنى”.

وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على ضمان دخول المساعدات الإنسانية، وتنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها، لا سيما ما يتعلق بانتشال الجثث حالياً وأين وصلنا في هذا الملف.. هناك جهود تُبذل حالياً، ونأمل أن يتحقق تقدّم جاد في هذا الصدد”.

وقال المستشار الثاني: “المرحلة الثانية تنص على وجود إدارة فلسطينية غير سياسية، تكنوقراطية، وقد بدأنا فعلاً البحث عن الأشخاص المناسبين، وتجنيدهم، وتهيئة الظروف المناسبة لذلك، لكن الهدف من هذه العملية ليس التورط في النقاشات القديمة حول السيادة والدولة والحكم الذاتي، بل التركيز على جعل غزة مكاناً وظيفياً قابلاً للحياة”.

وأضاف: “هذه هي المرة الأولى التي يعتقد فيها كثيرون أنه يمكن إنشاء بديل جديد، لا هو السلطة الفلسطينية ولا حماس، يمكن أن يشكل قيادة جديدة تُمكّن الشعب الفلسطيني من التحرر من الظروف القاسية التي عاشها، والتي كانت في معظمها نتيجة سوء القيادة والقرارات الخاطئة، وهناك بالفعل كثير من الأشخاص المهتمين، وسيقوم (مجلس السلام) في نهاية المطاف باختيار ممثليها، وأعتقد أن ذلك يمكن أن ينجح كثيراً إذا تم اختيار القادة المناسبين الذين يتحركون بدافع المصلحة العامة، سعياً لإنشاء نظام جديد يختلف عن الأنظمة القديمة”.

المساعدات والسلاح

فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، أشار المستشار الأميركي إلى تقارير تفيد بأن إسرائيل قلصت حجم المساعدات الداخلة إلى قطاع غزة، وقال: “كانت هناك محادثات إيجابية جداً بين الحكومة الأميركية والأمم المتحدة لإيجاد طرق تضمن وصول المساعدات بشكل فعّال إلى سكان غزة بطريقة جيدة، ولم تُسجَّل أي تخفيضات في المساعدات حتى الآن، ولا توجد نية لخفضها طالما أن هذا الاتفاق قائم”.

وتطرق إلى ملف نزع سلاح حركة حماس، قائلاً: “ما نسعى لتحقيقه حالياً هو استقرار الوضع بشكل أساسي، وقد بدأ تشكيل القوة الدولية لتحقيق الاستقرار، وبمجرد أن يتم ذلك، ستتوسع الجهود”.

وأضاف: “هناك الكثير من التخطيط والمحادثات الإيجابية بين الأطراف، وحتى الآن لا يبدو أن هناك نية لعدم الالتزام بالاتفاق.. من الطبيعي أن تظهر بعض العقبات أثناء التنفيذ، فالوضع حساس جداً بعد حرب استمرت عامين، وقد تحدث اضطرابات في بعض المناطق، لكن في الوقت الراهن، النية واضحة وهي الاستمرار في العمل مع الطرفين لحثّهما على ضبط النفس وتهيئة الظروف المناسبة لنزع السلاح من غزة، حتى يمكن البدء بإعادة إعمارها لصالح سكانها، وبطريقة إيجابية لا تشكّل تهديداً لإسرائيل أو لمواطنيها”.

وأشار المستشار الأميركي إلى بيان القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الصادر يوم الأربعاء، وقال: “من الواضح أن هناك الكثير من التقارير الواردة من غزة حول قيام حركة حماس بقتل مدنيين فلسطينيين واستهدافهم، ونحن نعمل مع الوسطاء لإيصال رسالة واضحة مفادها أننا نريد أن يتوقف ذلك فوراً.. كما تعمل الولايات المتحدة مع إسرائيل على محاولة إنشاء مساحة آمنة خلف الخط الأصفر ليتمكن الأشخاص الذين يشعرون بالخطر من اللجوء إليها”.

وقال المسستشار الأميركي الثاني: “كان الرئيس (ترامب) واضحاً جداً، والوثيقة التي وافق عليها جميع الأطراف تنص على أن غزة ستكون منزوعة السلاح، وتنفيذ ذلك أمر بالغ الصعوبة، ونحن الآن في مرحلة تحديد الطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك بحيث يشعر الجميع بالأمان”.

وأضاف: “من غير الواقعي أن يتخلى الجميع عن أسلحتهم فجأة ويقولوا: (ها هي)، حتى بعض عناصر حماس يخشون من انتقام داخلي من جانب آخرين في غزة.. إنها ديناميكية معقدة جداً، لكن الموقف الذي تنقله الوساطة العربية عن حماس هو أنهم لا يزالون راغبين في إيجاد طريقة لتحقيق ذلك.. نحن جميعاً نعمل بشكل وثيق ومبدع وسريع لإيجاد حلّ يرضي جميع الأطراف”.

إعادة إعمار غزة

وشدد المستشار الأميركي الأول على أن الأولويات الأساسية حالياً هي: تجنّب التصعيد، إيصال المساعدات الإنسانية، وانتشال الجثث المتبقية، إضافةً إلى ضمان استعادة قدر من النظام يتيح تهيئة الظروف لإعادة الإعمار والتنمية.

وأوضح أن “هناك العديد من فرق العمل التي بدأت تدرس مدى إمكانية تنفيذ عملية إعادة الإعمار، ولحسن الحظ تم إنجاز عمل كبير خلال العامين الماضيين من قبل مجموعات مختلفة، ويجري الآن جمع تلك الجهود معاً، وهناك تواصل مع عدد من المطورين والمقاولين المحليين في الشرق الأوسط لطرح خططهم وأفكارهم، والهدف هو التحرك بسرعة لخلق فرص عمل ومشاريع إسكان لسكان غزة”.

وقال إن “هناك أيضاً جهداً كبيراً يُبذل في مجال إزالة الأنقاض، سواء للتعامل مع الذخائر غير المنفجرة أو لتمهيد الطريق أمام عمليات إعادة الإعمار، وهذا بدوره سيساعد في جهود انتشال الجثث”.

من جانبه، قال المستشار الثاني: “لن يتم توجيه أي أموال لإعادة الإعمار إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة حماس، فنحن نركّز على البدء بإعادة البناء في المناطق الخالية من سيطرة حماس أو من الجماعات المسلحة، لتهيئة بيئة مناسبة لعودة الحياة وبناء مناطق قابلة للعيش من جديد، يمكن أن تكون نموذجاً لما يمكن تحقيقه في باقي القطاع”.

وأضاف: “هناك مناطق مثل رفح الواقعة خلف الخط الأصفر، والتي تم تطهيرها بالكامل ويمكن أن تكون مرحلة أولى ممتازة لإعادة الإعمار، حيث يمكن توظيف عدد كبير من الناس بسرعة وبدء أعمال البناء، وإنشاء قوة أمنية محلية ونظام مدني لائق للمعيشة، لكن التنفيذ محفوف بالمخاطر”.

انتهاكات اتفاق غزة

وبشأن الحديث عن الاتهامات المتبادلة بين حركة حماس وإسرائيل بشأن انتهاك اتفاق غزة، قال المستشار الكبير بالبيت الأبيض: “لسنا في مرحلة يشعر فيها أحد بأن الاتفاق قد تم خرقه، إنه اتفاق حديث، والوضع هناك معقد جداً، وكانت المنطقة في حالة حرب خلال العامين الماضيين، ويعمل الجميع الآن بأقصى قدر من التنسيق لإيجاد المسار الصحيح الذي يحقق أفضل نتيجة ممكنة”.

وقال المستشار الثاني: “وأضيف إلى ذلك أننا لا يمكن أن ننسى مدى شدة ما حدث خلال العامين الماضيين، لا يمكن للناس أن يهدأوا فجأة أو أن تنخفض مستويات توترهم بين ليلة وضحاها لمجرد أننا أعلنا وقف إطلاق النار وأفرجنا عن المحتجزين.. صحيح أن ذلك شكّل ارتياحاً كبيراً، لكنه لم يُنهِ التوتر تماماً، فما زال هناك قدر كبير من الضغط النفسي والتوتر العام”.

وأضاف: “لا تزال المحادثات مع الوسطاء جارية، ونواصل تلقي رسائل إيجابية.. وكما ترون، هناك التزام وانضباط في التعامل، فعندما تم تسليم 4 جثث فقط في البداية، كان يمكن أن يتوقفوا عند هذا الحد، لكنهم أعادوا تسليم جثث إضافية في اليوم التالي بعد أن قدّمنا لهم معلومات استخباراتية جديدة، ويحاولون المناورة قدر المستطاع لتنفيذ التزاماتهم، ونواصل سماع رسائل منهم تؤكد نيتهم احترام الاتفاق، ورغبتهم في استكمال تنفيذه حتى النهاية”.

وتابع: “على الأرجح سنطلق برنامجاً نطلب فيه من الناس مساعدتنا في تحديد أماكن الجثث، وسندفع مكافآت مقابل هذا النوع من التعاون الإيجابي”.

واستدرك المستشار الثاني قائلاً: “أعلم أن الشعور السائد في إسرائيل هو أن بوسع حماس أن يفعلوا المزيد، ويمكنهم بذل جهد أكبر، لكننا نقول للإسرائيليين: أعطونا أي معلومات استخباراتية لديكم أو رصدتموها، وسنقوم بنقلها (إلى حماس)، ثم لنضغط معاً ونتحدّاهم لتنفيذ ما يمكن تنفيذه”.

شاركها.