مرة أخرى بعد الألف…إرحمونا يرحمكم الله

أمد/ محزن جدا إستمرار العديد من محللي الشأن الإسرائيلي في الفضائيات وجزمهم في كثير من الأحيان بقدرة واقع النظام السياسي والواقع المجتمعي الإسرائيلي على إسقاط نتنياهو، وبعضهم يقول بثقة لا يشوبها شائبة بأن توسيع الحرب البرية في غزة سيؤدي لسقوط قتلى من الجنود والضباط وهذا سيؤدي إلى أن يقوم الداخل الإسرائيلي بإسقاط حكومة نتنياهو
الحديث أعلاه يتكرر كثيرا رغم أن كل من يقرأ المشهد الإسرائيلي الداخلي يعلم أن إسقاط الحكومة يكون عبر سحب الثقة من الحكومة من قبل الكنيست الإسرائيلي، اي وجود 61 عضو كنيست يصوت لسحب الثقة من الحكومة، وحيث أن هذه الحكومة تحظى بثقة 68 عضو كنيست فلا يمكن اسقاطها إلا إذا إنسحب حزب شاس الحريدي من الحكومة لوحده بالحد الأدنى وهذا مستبعد حاليا، أو إنسحاب حزبي بن غفير وسموتريتش معا وهذا أيضا بعيد جدا عن الواقع، وغير ذلك هو الوصول إلى عصيان مدني، وحتى هذا العصيان سيكون بهدف الضغط على الأحزاب الحريدية لكي تنسحب من الحكومة، لأن حزب الليكود وحزبي الصهيونية الدينية “سموتريتش وبن غفير” لو هدمت إسرائيل لن يدمروا حكومة يمينية نقية، يريدون منها تحقيق اوهامهم في بناء مملكة إسرائيل الثالثة وبناء الهيكل الثالث وهروب نتنياهو من مصيره الحقيقي والواقعي “السجن”، وكل ذلك يأتي أيضا في ظل وجود إدارة في البيت الأبيض تؤمن بمملكة إسرائيل وهيكلها أكثر حتى من الأحزاب الحريدية المنضوية في صفوفها، بل هي على يمين بتسئليل سموتريتش وبن غفير
لذلك رحمة في الجمهور، ورحمة في الحقيقة، ورحمة في عقل كل من يتابع المشهد الداخلي الإسرائيلي ويقرأ تفصيلياته، والقراءة هنا بمعنى فهم الحيثيات بين التعارض والتناقض، وبين مكونات المجتمع الإثنية والعرقية وطبيعة مجتمع الإستيطان من حيث مخاوفه ومن حيث توافقه وتضامنه، لذلك فإن الحديث عن سقوط هذه الحكومة مستعصي ولا يمكن ان يحدث في ظل:
أولا معارضة إسرائيلية ورأي عام لا يفكر إلا بأسراه وليس بما يجري من حرب إبادة، فهو يريد الأسرى وبعد ذلك فلتدمر وتحرق غزة ويتم تسويتها بالأرض
ثانيا معارضة تتساوق مع الدعوات لضرب لبنان وإيران واليمن وسوريا والتعامل مع غزة بعد الإفراج عن الاسرى كما بقية الجبهات
ثالثا معارضة إسرائيلية لا برنامج سياسي مشترك لديها، وهي متحالفة تحت يافطة كره نتنياهو الشخص أكثر من توجهاته السياسية والأمنية، حيث جزء من هذه المعارضة يرى أن تطبيق هذه التوجهات يتطلب التشارك مع الدول العربية المعتدلة في تنفيذها في المنطقة حتى لو تطلب ذلك مسار سياسي يختص بالموضوع الفلسطيني، عكس نتنياهو الذي يرى ان القوة وحدها كفيلة بتحقيق الأهداف وما بعد تلك الأهداف “بمعنى أن الكل سيهرع لطلب الرضا من الملك والمملكة الإسرائيلية لذلك لا حاجة لمشاركتهم بل هم سينفذون ما يطلب منهم
رابعا إدارة بايدن شاركت وساعدت هذه الحكومة على البقاء، وإدارة ترامب تتماهى وتنسجم وتدعم هذه الحكومة بلا تردد، وتتلاقى معها في مفهوم فرض السلام بالقوة على الكل في المنطقة، أي أن من يعتقد أن الرئيس ترامب سيفرض سياسة تؤدي لإسقاط نتنياهو ينتابه هلوسة ووهم
خامسا هذه الحكومة لها جمهورها، وهو جمهور يميني ليكودي وصهيوديني وأصولي متطرف، وهذا الجمهور متغلل في الجيش وفي أجهزة الدولة والأكثر إنسجاما وتحركا في العمل على تحقيق أهدافه، بل والأكثر تنظيما، بل لديه مليشيات تنفذ سياسته في الضفة الغربية والقدس
هناك بديهيات من الضروري الإشارة إليها حين الحديث عن النظام السياسي الإسرائيلي، بإعتباره نظام صهيوني إستيطاني أنشأ بدعم غربي وضمن مفهوم الدفاع عن المصالح الغربية، لذلك أسمى مستشار الأمن القومي الامريكي السابق بريجينسكي، إسرائيل بأنها “أكبر قاعدة وحاملة طائرات أمريكية برية في المنطقة”، أي أن بقاء وصمود دولة الإحتلال مرتبط عضويا بالإمبريالية والرأسمالية المتوحشة، لذلك تستبيح إسرائيل كل شيء، القانون الدولي والإنساني والقيم والأخلاق وكل الأعراف المتعارف عليها، وضمن هذه البديهيات نشير إلى أن إسقاط حكومة الإبادة والإجرام برئاسة الفاسد والمتهم نتنياهو وعضوية العنصريين والفاشيين من الصهيونية الدينية والعظمة اليهودية والأرثوذكس الحريدي، يستدعي الوصول إلى عناوين مختلفة كليا عما يتناوله محدثي الفضائيات من حكايات أسمها تحليل، وأعتقد ان هذه العناوين تتلخص بالتالي:
1 هزيمة الجيش الإسرائيلي في الحرب الدائرة وهذا مستبعد حتى الآن
2 إستنزاف الجيش والمجتمع إقتصاديا في حرب إستنزافية تؤدي خسائرها لدفع حتى جمهور حكومة الفساد والتطرف للذهاب نحو المعارضة في مشهد مليوني في الميادين لا يتركها حتى يسقط الحكومة وهذا ممكن
3 محاصرة هذه الحكومة عبر موقف دولي وبقرار من مجلس الأمن وفقا للبند السابع، وهذا مستبعد بشكل يكاد يكون تام بسبب الموقف الأمريكي وحزبيها الديمقراطي والجمهوري
4 موقف عربي وإسلامي مستعد للمواجهة ضاغط على امريكا بالذات “هذا مستبعد بشكل كبير”، وهذا بالحد الأدنى سيؤدي لوقف حرب الإبادة ويمنع التهجير والبدء في إعمار قطاع غزة، لكنه لن يفرض إنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967.
5 قرار من محكمة العدل العليا الإسرائيلي بعدم أهلية نتتياهو، وهذا إحتمال مطروح ولكن إحتماله ضعيف
6 صمود فلسطيني ودخول الضفة على خط المواجهة في غزة بسبب تصرفات المستوطنين في الضفة، وهذا سيأخذ وقتا سيصل حتى الانتخابات الإسرائيلية القادمة في أكتوبر 2026، ولكن سيكون له دور مركزي في إسقاط حكومة اليمين المتطرفة في الانتخابات
غير ذلك فالأمور صعبة ومعقدة لأن كل النخب الإسرائيلية المعارضة والصحفية المتخصصة في السياسة والامن والجيش تعلم يقينا ان نهاية الحرب على غزة تعني نهاية نتنياهو، لذلك إرتبط مصير غزة ككل ومعها الضفة بمصير رئيس وزراء فاسد ومخادع ومؤدلج، وهنا الحرب تعني ايضا في المنطقة وبما تشمل كل الجبهات، لكن تبقى غزة مركز كل شيء، وعليه، إرحمونا يرحمكم الله عندما تتحدثون عن التغيير الممكن في المشهد السياسي في إسرائيل