محمود عباس ضيفاً في سوريا الجديدة… نعم ولكن

أمد/ مبدئياً يجب الترحيب بزيارة الرئيس محمود عباس إلى دمشق، حيث حل الجمعة ضيفاً لدى الرئيس أحمد الشرع في سوريا الجديدة. ويأتي الترحيب المبدئي من كون عباس الرئيس الشرعي، أو للدقة، الرسمي للشعب الفلسطيني الذي يجب أن يكون إلى جانب سوريا الجديدة في سيرورة بنائها ونهوضها. أما “لكن” الاستدراكية فتأتي من كون عباس ينتمي وللمفارقة الى نفس الطبقة التي انتمى إليها نظام آل الأسد “الأب والابن”، ومن هنا فإنه لا يستحق بالتأكيد تمثيل الفلسطينيين بشكل عام واللاجئين في سوريا بشكل خاص، بعدما تخلى عنهم لصالح آلة القتل الآسدية، بل وتبنى رؤية النظام وغطى ممارساته وجرائمه ضد من يفترض أنهم مواطنيه ورعاته.
الرئيس الرسمي
إذن حل محمود عباس، رئيس الدولة والسلطة ومنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، ضيفاً لدى الرئيس السوري أحمد الشرع وبالعموم يجب الترحيب بالزيارة من زاوية الدعم الفلسطيني الرسمي والضروري والمطلوب لسوريا الجديدة، مع المزاج الشعبي المؤيد الثورة السورية وسقوط نظام الأسد بين اللاجئين في سوريا والشعب الفلسطيني بشكل عام، رغم انحياز الطبقة السياسيةالفصائل برمتها إلى نظام الأسد باستثناء حماس، قبل أن يضم مسؤول الحركة الفعلي بالداخل والخارج يحيى السنواررحمه الله الحركة إلى القطيع الفصائلي الداعم للنظام وروايته عن المؤامرة الأممية المزعومة ضده وتبييض جرائمه بحق السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والمنطقة بشكل عام.
من هنا يأتي مبدأ الترحيب ،كون عباس الرئيس الرسمي والملقاة على عاتقه مهمة تمثيل الشعب الفلسطيني والتعبير عن أرائه ومزاجه العام والدفاع عن مصالحه الوطنية والقومية، لكن يأتي الترحيب من هذه الزاوية فقط بينما من الزاوية الأخرى ومبدئياً ومنهجياً، بدا المشهد الصورة صادماً حيث الرئيس أحمد الشرع الشاب الأربعيني والحيوي والمفترض أن يأخذ سوريا الجديدة نحو المستقبل، ومقابله رئيس تسعيني هرم مترهل آت من الماضي بالمعنى الحرفي والدقيق للمصطلح فلسطينياً وعربياً وسورياً ودولياً.
للمفارقة أيضاً ينتمي محمود عباس إلى نفس الطبقة التي ينتمي إليها نظام الاسد “الأب والإبن” الساقط التي فشلت في امتحان بل امتحانات الخبز والحرية والكرامة وبالطبع امتحان فلسطين، وعجزت عن بناء دول ومنظومات وسلطات حقيقية، وبالعكس أقامت كيانات أقرب إلى جمهوريات الموز في فلسطين وسوريا والعالم العربي، ما يعنى أننا مطالبين كفلسطينيين بمواكبة التغييرات والتحولات وبالاتجاه نفسه لجهة إسقاط الطبقة الفاشلة، وحتمية تشكيل قيادة انتقالية مصداقة تتمتع بدعم جماهيري واسع لمدة زمنية محددة إلى حين انتخاب قيادة جديدة شابة وديموقراطية ودون احتكار كل المناصب والسلطات.
تخلي عن اللاجئين
هذا بشكل عام، أما فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فعباس يمثلهم رسميا ومن حيث الشكل فقط كونه رئيس منظمة التحرير، وحتى الدولة رغم أنها استندت لحدود حزيران/يونيو 1967 دون الإصرار على حق العودة للاجئين الذى تنازل عنه عباس فعلياً، حيث تخلى عنهم لسنوات حتى قبل الثورة السورية مختصراً القضية والمنظمة والسلطة بالفلسطينيين في الداخل الضفة وغزة وبعد الثورة عجز عن حمايتهم أو حتى رفع الصوت عالياً ضد تنكيل نظام الاسد وقتلهم وتشريدهم وتهجيرهم ثم انتقل بالسنوات الاخيرة إلى التماهي التام مع رواية النظام الآخطر على القضية الفلسطينية حسب تعبير الشهيد ياسر عرفات.
بالسياق، لابد من التذكير بحقيقة أن نظام آل الأسد كان قد شن حرباً منهجية على منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين وحاول احتكار القضية للمتاجرة بها ضمن مقاربة تحالف الأقليات التي تبناها بسوريا والمنطقة، لكنه اصطدم بالعقل الجمعي الوحدوي للرئيس عرفات وقادة وجمهور الثورة الفلسطينية بشكل عام.
وعليه، وفيما يخص عباس، فهو لا يستحق بالتأكيد تمثيل اللاجئين في سوريا، مع الانتباه الى أن سفره لدمشق لم يقتصر على القيام بواجب داعم سوريا الجديدة، وإنما لاحتكار تمثيل الفلسطينيين بمن فيهم اللاجئين وتحقيق مكاسب سياسية فئوية، وربما تكون عينه كذلك على عملية إعادة الإعمار وحصول شركات العائلة على نصيب منها كما فعل في العراق وليبيا وحتى إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي.
ذلك إضافة إلى جريمة السكوت عن تدمير المخيمات وتهجير أهلها في شطب لحق العودة وإزالته عن خدمة جدول الأعمال، وبالتالي خدمة إسرائيل بما في ذلك مخيم اليرموك باعتباره عاصمة الشتات اللجوء الفلسطيني، بينما انحاز اللاجئون بعقلهم الجمعي إلى سوريا التاريخية العظيمة لا النظام ولو من باب رد الجميل إلى إخوانهم السوريين، مقابل انحياز الطبقة الفصائلية كلها إلى جانب النظام.
في الأخير، باختصار وتركيز، ومع الترحيب بالمعاني والدلالات الرسمية لزيارة عباس إلى دمشق، لا بد من الإشارة إلى نأي اللاجئين بأنفسهم ووعيهم الجمعي عنها وعن الفصائل المهترئة الفاسدة والمترهلة التي باتت عبئاً عليهم، كما على القضية نفسها، وعليهم التحرك ورفع الصوت عالياً بظل الاجواء المؤاتية بسوريا الجديدة لنزع الشرعية والثقة عن الطبقة برمتها سلطة وفصائل والعمل على تشكيل أطر جديدة شبابية ديموقراطية ومنتخبة أيضاً.
ومن جهة أخرى عدم تجاهل ضرورة الانخراط بسيرورة بناء سوريا الجديدة كما فعل آباؤهم وأجدادهم قبل حقبة البعث وآل الأسد سيئة الصيت، مع تمتعهم بكامل حقوقهم زمن سوريا المدنية الديموقراطية بعد الاستقلال، ومن دون التخلي عن هويتهم وذاكرتهم الوطنية وإطلاق حملة إعادة بناء المخيمات ضمن جهود إعادة بناء سوريا الجديدة، والاندماج بالحياة بمستوياتها وابعادها المختلفة السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية الاجتماعية، ضمن قناعة راسخة مفادها إن سيرورة بناء سوريا الجديدة هي نفسها ولو طالت سيرورة العودة وتحرير فلسطين.
عن المدن اللبنانية