محطات في تاريخ العلاقات الجزائرية المغربية
شكل إجراء فرض التأشيرة على حملة جوازات السفر المغربية، أمس، نتيجة منطقية، لأزمة تمتد لخمس سنوات، وتاريخيا لعقود.
وعلاوة على الأسباب التي قدمتها، وزارة الشؤون الخارجية في بيانها، ثمة تراكمات وجذور، قادت ودفعت الجانب الجزائري إلى اتخاذ القرار، وسرعت من وتيرة تدهور العلاقات بين البلدين، بالرغم من أن الجزائر تحلت بسياسة ضبط النفس على مدار أشهر وسنوات ولم تتسرع في إشهار البطاقة الحمراء في وجه نظام المخزن.
وللأزمة أيضا، كرونولوجيا تبدو عند ملاحظة مسارها، مرتبة ومدروسة وتصعيدية، حيث بدأت باستفزازات على مستوى محافل أممية، ثم تطورت مباشرة إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، والسماح لأحد رموزه بالتطاول على الجزائر من المغرب.
وتتابعت الأحداث بإبرام المغرب مع الكيان الصهيوني، اتفاقيات أمنية وعسكرية واستخباراتية وتجارية.
وذهبت المملكة إلى أبعد من ذلك، لما انكشف أمرها بتورطها في استخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي للتجسس الإلكتروني، لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، وأخذتها العزة بالإثم، بالاستمرار في تعاون وثيق بين “تل أبيب” والرباط، يتركز خاصة على الأنشطة الاستخباراتية والتجسسية.
ورغم هذه الخطوة الخطيرة، إلا أن الحكومة الجزائرية حافظت على الوضع القائم، ولم تتخذ قرار القطيعة مع نظام ارتمى في حضن كيان لقيط له تاريخ عدائي طويل ضد مبادئ العدالة والحرية، ربما لتقاطعهما في كونهما سلطتين محتلتين وتوسعيتين.
واستمرت هذه السياسة التي تعد في منطق الدول والعلاقات الدولية، بمثابة حرب بدون سلاح، إلى أن بلغ الأمر بالنخب الحاكمة في الجارة الغربية، بدعم جماعتين مدرجتين من قبل المجلس الأعلى للأمن على قوائم المنظمات الإرهابية وهما “حركة رشاد” وحركة “الماك”، ومتهمتين بالتورط في إشعال الحرائق التي اجتاحت مناطق واسعة من تيزي وزو سنة 2021 وخلفت أزيد من 100حالة وفاة، من بينها قرابة 26 عسكريا، وما انجر عنها من مآسي وأبرزها مأساة مقتل الشاب جمال بن سماعيل بطريقة همجية.
وأمام هذه التطورات، قررت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 24 أوت 2021، وغلق الأجواء أمام الرحلات التي تضمنها الطائرات المغربية.
وبلغ الاستفزاز أوجه، لما استهدفت القوات المغربية، في نوفمبر من نفس السنة، ثلاثة سائقين جزائريين في الصحراء الغربية، بقصف شاحناتهم أثناء قيامهم برحلات تجارية بين الجزائر وموريتانيا، وهي حادثة، رغم خطورتها وألمها، فضلت الجزائر التعامل معها بالتريث والاكتفاء ببيان تنديد ومباشرة إجراءات أممية ضد مرتكب الجريمة.
ولم يلتقط النظام المغربي الإشارات والرسائل، فراح يستفز الجزائر بتصريحات عبثية تدعو إلى “دعم الشعب القبائلي في تقرير مصيره”، جعلته مسخرة في المجتمع الدولي، وجاءت كرد غبي على دعوة الجزائر المتكررة إلى تسوية القضية الصحراوية، بوصفها “قضية تصفية استعمار مطروحة على مستوى أممي، وشتان بين الطرحين.
وبما أن للصبر حدود، تقرر وقف توريد الغاز نحو إسبانيا عبر الأنبوب العابر للأراضي المغربية، الذي كانت المملكة تستفيد منه بنسبة كبيرة، من خلال تأمين استهلاك داخلي، صناعي ومنزلي، يصل إلى 70 بالمائة حسب تقديرات غير رسمية.
نقطة “اللاعودة”
رغم هذا العداء الواضح، ظلت الحكومة الجزائرية متريثة ومكتفية ببيانات تحذير أو تصريحات مشفرة، على لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من قوله في 2023 إن “العلاقات بين البلدين وصلت إلى نقطة “اللاعودة”؛ آو قائد أركان الجيش، سعيد شنقريحة، في سطور وما بين سطور بيانات وزارة الدفاع.
ومن حلقات الأزمة أيضا، قيام النظام المغربي، في مارس من السنة الجارية، بما سمّاه “مشروع لتوسيع مباني وزارة الخارجية” وشمل عقارات تابعة للجزائر، الأمر الذي اعتبرته الجزائر فصل جديد من التصعيد و”انتهاكاً صارخاً لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول”، وفق ما ورد في بيان لها.
بينما برر المغرب القرار بأنه يرتكز على مبدأ “المنفعة العامة التي تقتضي نزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض”.
كل هذه التراكمات، أوصلت السلطات، إلى إعلان فرض التأشيرة على كل من يحمل جواز سفر مغربي، على أساس أن “النظام المغربي الذي أساء استغلال غياب التأشيرة بين البلدين، أنخرط وللأسف الشديد، في أفعال شتى تمس باستقرار الجزائر وبأمنها الوطني”، من خلال “تنظيم شبكات متعددة للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر، والتهريب والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس”، بالإضافة إلى “نشر عناصر استخباراتية صهيونية من حملة الجوازات المغربية للدخول بكل حرية للتراب الوطني”، بحسب ما ورد في بيان للخارجية أمس.
وللسياسة العدائية المغربية جذور تاريخية، فقد قررت الجزائر غلق الحدود سنة 1994 بعد أن فرض الملك المغربي الراحل الحسن الثاني تأشيرة على الجزائريين، على خلفية تفجير فندق بمراكش، بينما كانت الجزائر تشهد أزمة أمنية.
وقبلها تأزمت العلاقات بين البلدين، وتواجها عسكريا فيما يسمى “حرب الرمال” وما تلاها من أزمات وتوترات وقرارات ألقت بظلالها وبآثارها على آلاف العائلات المختلطة والمصاهرات بين الشعبين الشقيقين.