اخر الاخبار

محاسبة النفس على التقصير والتفريط سبيل النجاة!!

 حري بالعبد أن يحاسب نفسه بين الفينة والفينة وبين الفترة والأخرى، يحاسب نفسه على ما قدَّم وأخَّر، قبل هجوم هادم اللذات: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلَم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}.

عند الترمذي يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم: “الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني”، وعند ابن ماجه يقول ابن عمر: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل من الأنصار، فسلم عليه ثم قال: يا رسول الله، أيّ المؤمنين أفضل؟ قال: “أحسنهم خُلقا”، قال: فأي المؤمنين أكيس (أعقل)؟ قال: “أكثرهم للموت ذِكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس”.

وأثر عن عمر رضي الله عنه قال: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم”. وها هو رضي الله عنه يكتب إلى بعض عماله: حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغله بهواه، عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة”، يقول الحسن البصري: “إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته”. وهذا ميمون بن مهران يقول: “لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة شريكه”.

ومحاسبة النفس كما يقول ابن القيم تكون كالآتي: البدء بالفرائض فإذا رأى فيها نقصا تداركه، ثم المناهي فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار، ثم محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله، ثم محاسبة النفس على حركات الجوارح، وخاصة اللسان.

وللمحاسبة ثمرات، من ذلك أن العبد يتعرّف على حق الله تعالى عليه، وعظيم فضله ومنِّه سبحانه، عندما يقارن نعمة الله عليه بتفريطه في جنب الله، فيكون ذلك دافعا له إلى الطاعات والقربات، رادعا له عن القبائح والسيئات، فعندها يعلم أنه من حقه سبحانه أن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وبالمحاسبة كذلك تكون تزكية النفس وتطهيرها من كل الأمراض والأدران، وبتزكيتها يكون الفلاح والنجاح. قال مالك بن دينار: “رحم الله عبدا قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائدا”.

إن السلف رضي الله عنهم لما أدركوا مفهوم المحاسبة ضربوا أروع الأمثلة، فقد ذكر الغزالي في “الإحياء” أن عمر رضي الله عنه عاقب نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها مائتا ألف درهم. يقول إبراهيم التيمي: “مثَّلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس، أي شيء تريدين؟ فقالت: أريد أن أُرد إلى الدنيا فأعمل صالحا، قلت: فأنت في الأمنية فاعملي”. وفي “صفة الصفوة”، ورد أن توبة بن الصمة جلس يوما ليحاسب نفسه فعدَّ عُمُرَه فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفا وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي، ألقى ربي بواحد وعشرين ألف ذنب! فكيف وفي كل يوم آلاف الذنوب!

يقول عمر بن عبد العزيز: “نظرت إلى نفسي فوجدتني قد وُلِّيتُ أمر هذه الأمة، صغيرها وكبيرها، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضائع، والفقير المحتاج، والأسير المفقود، وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض، فعلمت أن الله سائلني عنهم، فخفت على نفسي خوفا دمعت له عيناي، ووجل له قلبي، فأنا كلما ازددت لها ذكرا، ازددت لهذا وجلا، وقد أخبرتك فاتعظي”. ألا فلنحاسب أنفسنا على أوامر الله ونواهيه، وعلى كل فعل وترك، وإقدام وإحجام.. والله ولي التوفيق.

* إمام مسجد عمر بن الخطاب بن غازي براقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *