أمد/ غزة: يواصل الجيش الإسرائيلي حربه المفتوحة على قطاع غزة لليوم الـ677 على التوالي، وسط مشاهد كارثية من التجويع الممنهج، والدمار الواسع، والمجازر بحق المدنيين، خاصة أولئك الذين يحاولون الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، التي تعرف بـ”المساعدات الأميركية”، لسد رمق أطفالهم في ظل الانهيار الكامل للمنظومة الإنسانية.
وترافق هذه الهجمات حصار خانق وإغلاق كامل للمعابر، مع منع دخول المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفشي المجاعة على نطاق واسع وظهور أمراض مرتبطة بسوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
في اليوم الـ149 من استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار، ركز سلاح الجو الإسرائيلي ضرباته على مناطق قريبة من مراكز توزيع المساعدات، مستهدفا بشكل مباشر تجمعات مدنية.
استشهد وأصيب العديد من المجوّعين ومنتظري المساعدات نتيجة استهدافهم بنيران الاحتلال في شمال وجنوب قطاع غزة، في وقت يدعي الاحتلال عمله من أجل توفير “ممرات آمنة” وإتاحة الوصول إلى حمولات المساعدات التي يتم إسقاطها من الجو على القطاع.
وتتزامن هذه الجرائم مع سياسة ممنهجة لتجويع السكان ومنع دخول المساعدات، ما تسبب بوفاة عشرات المدنيين، معظمهم أطفال، جراء سوء التغذية ونقص الخدمات الطبية.
ورغم تصاعد الانتقادات والاتهامات الدولية لإسرائيل بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” واتباع “سياسة تجويع ممنهجة”، صادق الكابينيت على مخطط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالمضي قدمًا نحو “احتلال كامل لقطاع غزة”.
استشهد أكثر من 70 شخصا بينهم العديد من منتظري المساعدات بنيران الاحتلال منذ فجر يوم الثلاثاء، وسط تصاعد جرائم القتل والتدمير والتهجير والتجويع بحق السكان الفلسطينيين، ما أسفر عن ارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض وفي الطرقات.
كما وثقت تسجيل خمس حالات وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية، من بينها طفلان، نتيجة التجويع وسوء التغذية المستمرين في القطاع. وبذلك ارتفع عدد ضحايا التجويع وسوء التغذية إلى 227 شهيدا بينهم 103 أطفال.
ودعت 27 دولة في بيان مشترك صدر عنها يوم الثلاثاء، إسرائيل إلى السماح بإدخال جميع شحنات المساعدات المنظمات الدولية إلى غزة، وحثت على اتخاذ خطوات فورية ودائمة لتسهيل وصول المنظمات الأممية والإنسانية على نحو آمن وواسع النطاق إلى القطاع.
ارتفاع حصيلة الضحايا
أعلنت مصادر طبية، يوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 61,599، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأضافت المصادر ذاتها، أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 154,088، منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وأشارت إلى أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة 100 شهيد (بينهم 11 شهيدا جرى انتشال جثامينهم)، و513 مصابا خلال الساعات الـ24 الماضية، فيما بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/ مارس الماضي بعد خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار 10,078 شهيدا، و42,047 إصابة.
وأوضحت أن حصيلة من وصل إلى المستشفيات من شهداء المساعدات خلال الساعات الـ24 الماضية 31 شهيدا، والإصابات 388، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا إلى المستشفيات إلى 1,838، والإصابات إلى 13,409.
مجازر متواصلة.. شهداء وجرحى
استشهد مواطنان وأصيب آخرون، مساء يوم الثلاثاء، في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مدينة غزة.
وأفادت مصادر محلية بأن القصف استهدف مجموعة من المواطنين في محيط الشارع الثاني بحي الشيخ رضوان، شمال غرب مدينة غزة.
وقالن قسم الإسعاف الأولي والطوارئ في مستشفى حمد أنه استقبل يوم الثلاثاء 6 شهداء و54 مصابًا من طالبي المساعدات شمالي قطاع غزة، تم التعامل معها ميدانيا، وتم تحويل الإصابات والشهداء إلى مستشفى الشفاء ومستشفى السرايا الميداني عبر إسعافات وزارة الصحة والهلال الأحمر الفلسطيني.
استشهد سبعة مواطنين، وأصيب آخرون، ظهر يوم الثلاثاء، في قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي مدينة غزة.
وأفادت مصادر طبية، باستشهاد 3 مواطنين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال تجمعا للمواطنين في محيط شارع المغربي بحي الصبرة جنوب مدينة غزة.
وأضافت المصادر ذاتها، أن أربعة شهداء ارتقوا، وأصيب عدد آخر، في قصف طائرات الاحتلال شقة سكنية في منطقة الصحابة وسط المدينة.
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، مجزرتين في كل من خان يونس ومدينة غزة، أسفرتا عن استشهاد 12 مواطنا وإصابة آخرين.
وأفادت المصادر الطبية في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوب القطاع، بوصول جثامين خمسة شهداء وعدد من الجرحى جراء استهداف الاحتلال خيمة في منطقة المجايدة بمواصي خان يونس، وهم:
ماهر أبو لطيفة
زوجته سناء أبو لطيفة
ابنهما عبدالرحمن ماهر أبو لطيفة
زياد سليمان الشواف
أسيد زياد الشواف
كما أعلنت المصادر الطبية في مستشفى المعمداني بمدينة غزة عن وصول جثامين 7 شهداء وعدد من المصابين، نتيجة قصف طائرات الاحتلال منزلًا لعائلة الحصري قرب مسجد الفاروق في حي الزيتون جنوب شرق المدينة.
أعلنت مصادر طبية في قطاع غزة، يوم الثلاثاء، وفاة 5 مواطنين، من بينهم طفلان، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، سجّلتها مستشفيات قطاع غزة، خلال الساعات الـ24 الماضية.
وأفادت المصادر الطبية، بأن العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية ارتفع إلى 227 شهيدًا، من بينهم 103 أطفال.
يشار إلى أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مستمرة في التفاقم، في ظل الحصار ونقص الإمدادات الغذائية والطبية، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتغلق سلطات الاحتلال منذ 2 آذار/ مارس 2025 جميع المعابر مع القطاع، وتمنع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، قد حذرت من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين آذار/مارس وحزيران/يونيو، نتيجة لاستمرار الحصار.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، وأن الحصار المتعمد وتأخير المساعدات تسببا في فقدان أرواح كثيرة، وأن ما يقارب واحدا من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني سوء تغذية حادا.
طالبت المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات عاجلة بعد أن أعلنت مصادر طبية في قطاع غزة وفاة أكثر من 100 طفل بسبب سوء التغذية منذ بداية الحرب في تشرين الأول 2023.
ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عبر موقعه الرسمي الليلة الماضية، تجاوز حصيلة الوفيات بين الأطفال حاجز المئة بأنه “معلم كارثي يلطخ سمعة العالم ويستدعي تحركا عاجلا طال انتظاره”.
وأشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن أكثر من 300 ألف طفل في غزة يواجهون خطرا شديدا، وأن أكثر من ثلث السكان أفادوا بعدم تناول الطعام لأيام متتالية، مؤكدا أن تلبية الاحتياجات الغذائية تتطلب ما يزيد على 62 ألف طن شهريا، بينما ما تزال الكميات المسموح بإدخالها أقل بكثير من الحد الأدنى اللازم لبقاء نحو مليوني شخص على قيد الحياة.
وأضاف “أوتشا” أن الأمم المتحدة وشركائها تمكنوا يوم الأحد، من إدخال بعض المواد الغذائية والوقود والإمدادات من معبر كرم أبو سالم، إلا أن الشحنات أُفرغت قبل وصولها إلى وجهتها.
وأوضح أن السلطات الإسرائيلية تسمح بإدخال نحو 150 ألف لتر من الوقود يوميا، وهو أقل بكثير من المطلوب لضمان استمرار العمليات المنقذة للحياة.
وأفيد بأن أكثر من نصف سيارات الإسعاف في غزة توقفت عن العمل بسبب نقص الوقود وقطع الغيار، فيما حذرت منظمة الأغذية والزراعة من أن 1.5 بالمئة فقط من الأراضي الزراعية في القطاع ما تزال صالحة، في مؤشر على انهيار شبه كامل للنظام الغذائي المحلي.
مفاوضات وقف إطلاق النار
ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي، نقلاً عن مصادر، أن إسرائيل تدرس إرسال وفد رفيع المستوى إلى العاصمة القطرية الدوحة خلال الأيام القليلة المقبلة، بهدف استئناف المفاوضات.
وأفادت المصادر أن هذه الجولة من المفاوضات، على عكس سابقاتها، ستركز على إبرام “صفقة شاملة” وليس صفقة جزئية.
ووفقًا لـ”أكسيوس”، فإن الجهات المنخرطة في المفاوضات ترغب في التوصل إلى صفقة شاملة تهدف إلى منع احتلال مدينة غزة.
قال رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع قناة “i24” العبرية مساد يوم الثلاثاء، إن “الصفقة الجزئية أصبحت وراءنا”، مؤكدا أن حكومته “حاولت مرارا التوصل إلى تسوية، لكن اتضح أنهم كانوا يخدعوننا”، في إشارة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الرهائن.
وأكد نتنياهو، أن هدفه هو “استعادة جميع الرهائن في إطار إنهاء الحرب، ولكن بشروط تضعها إسرائيل فقط”، مشددا على أن أي حل يجب أن “يحقق الأمن والاستقرار لإسرائيل”.
وحول الوضع في غزة، قال نتنياهو: “إن إسرائيل ستسمح لسكان القطاع الفارين من الحرب بالهجرة إلى الخارج”.
أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي يوم الثلاثاء، أن إدارة قطاع غزة بعد توقف الحرب الإسرائيلية ستتولاها لجنة فلسطينية مكونة من 15 شخصية من التكنوقراط، تحت إشراف السلطة الفلسطينية.
وقال الوزير، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام مصرية، إن هذه اللجنة ستدير قطاع غزة لفترة مؤقتة مدتها 6 أشهر، مع التأكيد على الوحدة العضوية بين غزة والضفة الغربية.
وأوضح عبد العاطي أن التفاهمات القائمة تنص على صيغة انتقالية مؤقتة ضمن إطار السلطة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن القاهرة تعمل مع قطر والولايات المتحدة لإحياء هدنة الـ60 يومًا في غزة، في إطار جهود جديدة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.
وأشار إلى أن مصر تبذل جهودًا كبيرة حاليًا بالتعاون الكامل مع قطر والولايات المتحدة لضمان تنفيذ الاتفاق حول هذا المقترح، مؤكّدًا أن الهدف الرئيس هو العودة إلى المقترح الأول، وهو وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا مع الإفراج عن بعض الرهائن والمعتقلين الفلسطينيين، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة بدون عوائق أو شروط.
وشدّد وزير الخارجية المصري على أن إيجاد أفق سياسي لتجسيد الدولة الفلسطينية هو ما يضمن تحقيق الوحدة وحصرية السلاح بيد الدولة، وذلك ردًا على مطالب إلقاء حركة حماس لسلاحها.
وانتقد عبد العاطي بشدة المحاولات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مؤكدًا أنه “ليس هناك مبرر قانوني أو أخلاقي لإخراج الفلسطينيين من أرضهم”، وأنه “لو حدث ذلك لن يعودوا إلى أرضهم مرة أخرى”، مشددًا على أن إسرائيل تريد منحهم “تذكرة خروج فقط”.
وأضاف “إن الهدف الرئيسي هو العودة إلى المقترح الأول، وقف لإطلاق النار لستين يوما، مع الإفراج عن بعض الرهائن وبعض الأسرى الفلسطينيين وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة بدون عوائق وبدون شروط”.
وأشار إلى أن مصر تواجه تحديات إقليمية وتجري اتصالات مع قوى كبرى لإيجاد حلول سلمية، دون الانخراط في تحالفات أو التدخل في شؤون الدول.
أفاد تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” أن إسرائيل تُجري محادثات مع جنوب السودان حول إمكانية نقل فلسطينيين من غزة إلى الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.
ووفقًا للتقرير، الذي أكدته 6 مصادر، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت المحادثات قد أحرزت تقدمًا؛ ولم تُجب وزارة الخارجية الإسرائيلية على طلب للتعليق.
وصرّح رئيس منظمة مجتمع مدني في البلاد، إدموند ياكاني، بأنه تحدث مع مسؤولين من جنوب السودان حول المحادثات.
وقال مسؤولان مصريان للوكالة إنهما كانا على علم منذ عدة أشهر بالجهود الإسرائيلية لإيجاد دولة تقبل الفلسطينيين.
وفي وقت سابق، حذر موقع عبري متخصص، تل أبيب من الخطاب المتزايد فيها حول تهجير سكان غزة، إلى جانب المشاهد القاسية للأزمة الإنسانية المتفاقمة بالقطاع.
وذكر موقع “يسرائيل ديفنس” في تقدير موقف سياسي غير تقليدي أن هذه الأجواء تدفع إلى فراغ سياسي سيتم ملؤه بمبادرات لا تتوافق مع المصالح الإسرائيلية.
وأضاف: “عدم ظهور أي بوادر انحسار للحرب في غزة وتفاقم المجاعة، أدى إلى بدء نفاد صبر المجتمع الدولي، وليس من المصادفة تزايد المواقف الصادرة من فرنسا والمملكة المتحدة ودول أوروبية وغربية رئيسة أخرى، تُعرب فيها عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية”.
وأشار إلى أن “إسرائيل تقف عند مفترق طرق تاريخي، ولم يعد السؤال “ماذا سيحدث لغزة؟”، بل “ماذا سيحدث لإسرائيل؟”.
وأوضح: “يبدو أن تصورًا خطيرًا يترسخ في أروقة تل أبيب، وهو اعتبار أن ترحيل الفلسطينيين “الحل الوحيد” لقضية غزة، وهذا لا يعني بالضرورة ترحيلًا جماعيًا قسريًا بين عشية وضحاها، بل عملية مدروسة وتدريجية”.
وتابع: “العملية تبدأ باحتلال كامل للقطاع وفرض حكم عسكري عليه، ثم يأتي تركيز السكان في مخيمات النزوح، وضرب حصار مميت عليها، وإدارة الأزمة الإنسانية بطريقة تُشجع ما يُسمى بالهجرة الطوعية”.
ووفق تحليل يسرائيل ديفنس، فهذه الاستراتيجية الإسرائيلية لا تُثير مخاوف أخلاقية عميقة فحسب، بل تتجاهل أيضًا الدروس التاريخية، وستكون لها عواقب اقتصادية وخيمة.