أمد/ بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
أصدرت كتاباً بعنوان “زهرات في قلب الجحيم” (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”… وخاب أملي.
أواكب حرائر الدامون عن كثب بشكل حثيث؛ وأصغي لآلامهم وآمالهن، وأشمّ رائحة الخذلان في كلّ لقاء ولقاء وأدوّن بعضاً من معاناتهن.
أعمل على زيارة جميع الأسيرات، كما فعلت قبل السابع من أكتوبر؛
حين أغادر بوابة السجن أتصل مباشرة بأهالي من التقيت بهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات، وأهتم بإطلاع أهالي من تم قمعها أو عزلها أو التنكيل بها بشكل خاص منعاً للتقوّلات؛
أحاول قدر استطاعتي إيصال صوتهن لكلّ بقاع العالم.
عقّب الصديق نصر حسن: “حفظك الله ورعاك وأدامك ذخرا لأسرانا وأسيراتنا على جهودك الجبارة التي تسعى من خلالها للتخفيف عنهم في ظل الخذلان من القريب والقهر من الاحتلال… لك كل الحب والتقدير”.
وعقّبت رهف: “الله يفك أسرها يا رب، ويخفف عنها وعلى باقي الأسيرات ويَعطيكّ ألف عافية. يا أستاذ شُكراً لكّ على كل جهد تبذله لأجل أسيراتنا، توصل رسائلهن وتحنان أهلهن بصدق ومحبة، فجزاك الله خير الجزاء ورفع قدرك”.
وعقّب الصديق غالب مزيد (والد الأسيرة المحرّرة ديانا): “الحرية لك أخت لينا إن شاء الله ولجميع الأسرى والأسيرات البواسل يا رب يا رب يا رب تكونون بين أهلكم بأقرب وقت إن شاء الله يا رب الحرية، الحرية، ثم الحرية لجميع الأسرى والأسيرات عاجلا غير آجل يا رب… شكرا لك أستاذ حسن على هذا الواجب الإنساني العظيم يعطيك العافية يا غالي ما قصرت استمر وإلى الأمام نحن ندعمك بكل قوه على هذا الواجب الوطني العظيم ألف ألف شكر وتقدير ومحبة لك أستاذ حسن يا محترم”.
وعقّب الصديق الروائي أحمد غازي بشتاوي: “جهودكم المبذولة والمثمرة مشكورة دمتم بود وبخير وللمجد عنوان وللوطن الحبيب سند وذخر وذخيرة أستاذ حسن، وفك الله أسر أختنا الفاضلة لينا وكل الأسيرات الحرائر والأسرى الأحرار والشرفاء القابضين على جمر المبادئ عاجلاً غير آجل”.
وعقّب الصديق الناقد رائد الحواري: “مرة أخرى تتحدث الأسيرات عن البحر. عن الشمس وكأنهنّ يقولْنَ إنهنّ فينيقيات يعشقن البحر، البحر الذي يقودنا إلى أمجادنا”.
وعقّبت الأسيرة المحرّرة أم عناد البرغوثي: “فك الله بالعز قيدك يا سالي وكل الحرائر. بارك الله في جهودك أستاذ.
وعقّبت الأسيرة المحرّرة أم محمد: “للأمانة يا أستاذ حسن مع كل يوم بتزور أسيرة من الأسيرات. ولو تعلم كم من الدعاء لك من بنات الدامون وأهاليهم خارج السجن لعلمت حينها مكانتك عند الله. ربنا يجبر بخاطرك”.
وعقّبت الصديقة فاطمة جوهر من الشتات: “حسبنا الله ونعم الوكيل. لا أجد في مفردات اللغة العربية ما يعبر عن نذالة ووحشية هذا الاحتلال وهمجيته… هذه الفتاة سالي ابنة السادسة عشر الطالبة المدرسية ماذا عملت لهم؟ قهرهم الله. وباقي الأسيرات ما ذنبهنّ إنهم همجيون، إنهم قمعيون، ويدعون أنهَم ديمقراطيون. قاتلهم الله إنهم قتلة الأنبياء، لا يعرفون الرحمة، ولا الإنسانية. أسال الله أن يبدد ظلمة الليل، وأن تبزغ شمس الحرية، وأن تعود كل أسيرة إلى أهلها معززة مكرمة. أما الأستاذ حسن فسيكتب التاريخ اسمه في سجل الشرف ويخلده على مدى الزمان لما يقوم به من أعمال جليلة ونبيلة فجزاه الله خير الجزاء”.
وعقّب عماد عبد الله (والد الأسيرة الحامل رماء): “يا إلهي أيصل الظلم والاستبداد إلى محاسبة أطفالنا، فتياتنا، وحرائرنا. يا رب اليك المشتكى. أدميت قلوبنا وخدشت مشاعرنا… ونال العدو منا. ما لنا إلا أنت. ربي هون على الحرائر سجنهن واربط على قلوبهن. الله يفرج على سالي وباقي الأسيرات، ويبارك بأستاذنا حسن العبادي.
والد الأسيرة رماء عماد البلوي حامل بشهرها السابع. وأم لطفلتين. يافا ولمار”.
“سأعود يا أمي”
زرت صباح اليوم الاثنين 14.07.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، لألتقي بالأسيرة لينا راشد عويضة مسك (مواليد 15.12.1990) من الخليل، تاجرة (تستورد مواد خام للعفش)، أم لثلاثة أولاد: سلسبيل/ سوسو، إيلان، وعبد الرحمن/ عبود.
بادرت قائلة: “والله يا أستاذ صار حلمي أشوف “خليل الرحمن ترحّب بكم”. يا له من حلم صغير كبير!
افتتحتُ اللقاء قائلا: “يحيى سمى ابنه محمد، منيح وحلو، أشقر زي يحيى، صحته منيحة” فبكت بكاءً مريراً، تنهّدت وعقّبت: “سمّاه على اسم أخوي الشهيد، محمد راشد مسك”.
ولادي ما يفكّروا إنّي نسيتهم. مشتاقة لهم، راجعة، بحلم فيهم كل الوقت.
حدّثتني عن الاعتقال، رحت مقابلة مخابرات يوم 24.02.25، تحقيق مخابرات على بوستات، وبعد التحقيق “كان خفيف/ لايت”، أخذوني ليلة لسجن هشارون ومنه إلى الدامون.
في الدامون قمعات، ضرب، عزل مع تربيط كلبشات، ضربوني على إيديّ وطلعت عظمة بس الحمد الله مش كُسر، شبح، تهديد بالانتهاكات الجنسية للصبايا والسجّان بتطلع “مين أفضل ومناسبة أكثر؟” ويضحكون. “سحبونا من الغرف، ضربونا بالساحة، ماسكينا من راسنا ومن ورا، وإحنا مكلبشات ومغمّضات عينينا، وجابو الكلاب، والمسئولين بطلّعوا وبضحكوا، بتلذّذوا بالتعذيب.
أوصلتني سلاما خاصا من بنات الدامون.
البنات بسلّموا على الدكتور سعد وبباركوا له بالتخرّج.
طلبت إيصال رسائل حرائر الدامون إلى أهاليهن، بنان، وآية، وفاطمة منصور (شو مع عمليّة إيد بنتي؟)، وحنين، وميسون (لا تدفعوا الكفالة، مروّحة بصفقة قريبة)، وشهد حسن، ورماء بلوي، وكرمل (طلعت من المحكمة أعيّط على عياط إمّي)، وتسنيم عودة (ضربوني بالبوسطة وأغمي عليّ، في الوجاهي ما أعطوني أشوف إمّي).
لينا بغرفة 8 (برفقة انتصار عواودة وسيرين صعيدي)، وهناك أسيرة جديدة؛ تهاني أبو سمحان/ النقبحامل بالشهر الثامن ومريضة تلاسيميا.
سلّم على بنتي سوسو “صرت صبيّة، ديري بالك على إخوتك وعلى تاتا”، وعبود وإيلان “بدي آكلكم أكل بس أطلع من كثر ما بحبّكم، شوفِتكم بتسوى الدنيا”، وكل ليلة قبل ما أنام بتخيّل يحيى ورواند وريما وإمي وأبوي، وحلمت بعثمان جاي يسلّم عليّ.
إخوتي وخواتي: حسّيت إنهم الروح، طلبت إيصال سلاماتها واشتياقها لوالدها ووالدتها وللجميع.
“راجعة بأمل جديد للحياة”، رايحة أفتح مشروع جديد بخصّ النساء والأطفال، وكمان بيوتي لليزر (عازمة كل بنات الدامون لعلاج مجّاني)، ونِفسي أعمل بوفيه مفتوح لكل بنات الدامون وأحط كل شي اشتهوا بفترة الحبسة.
فجأة سرحت وقالت “يحيى، حمّام ابنك عليّ”، وسلّم على ولاد إسلام “كثير بحبهم، راشد وكنار وألمى”. فكرَك إسلام بعرف أني بالسجن؟ نِفسي بكنافة بعين سارة مع الكل، بس أطلع بنعيدها مع الأولاد.
فِكرك خسرت شغلي؟
بوّسولي الولاد كثير كثير.
وحين افترقنا قالت: “سأعود يا أمي”.
“زهرة الدامون”
بعد انتهاء لقائي بالأسيرة لينا أطلّت الأسيرة سالي محمد عودة صدقة (مواليد 09.02.2008) من قرية المدية/ رام الله، طالبة الصف الحادي عشر علمي.
حدّثتني بداية عن الاعتقال؛ يوم 05.01.2025، ع الحاجز، أخذوني لمعسكر، كان بالغرفة 3 شباب وشغّلوا المكيّف تبريد كل الليلة، تحقيق من الساعة الثالثة حتى الواحدة نص الليل، كان مجنّدين يتحركشوا، طلّعوني ع الجيب وصاروا يضربوا على عينيّ بكتب، وبالبارودة على وجهي، كنت ساكته وكل الطريق ضرب، لما وصلت المسكوبية تجمعوا مجندين وصاروا يضربوني بإجريهم ويضحكوا، 36 يوم بالمسكوبية، سيئ جداً، بدون شمس، بدون هواء، ولا بتعرف قدّيش الساعة، مغيّب عن الدنيا، الأكل شحيح وكثير سيئ، كانت معي شادن قوس (كثير حبّيت شادن وكثير تعلّمت منها، إن شاء الله بنلتقي برّا قريب، دايما بتذكر غنّايتنا “طريقنا بتونّسني كثير، ولمّا أقرأ سورة الناس بتذكّر وبضحك)، كنت مشتاقة للشمس. يوم وفاة أبو شادن كان السجّان يضحك كل الوقت. بعدها أخذوني “أنت رايحه ع البيت” وفجأة ما شفت حالي إلا وأنا في الشارون، حبّيته لأني شفت أخيراً غروب الشمس لأول مرّة، من الطاقة، وشفت الربيع والشجر وشروق الشمس. وبدأت بالنحيب، وحين استفسرت عن سبب بكائها قالت بعفوية “شفت الشمس بعد 37 يوم!”، وبعدها للدامون. أحلى ساعتين بحياتي لمّا شفت البحر من البوسطة.
وصلت الدامون يوم 11.02.25، كان مطر بالطريق، وصلت سجن بقدر أشوف السما والشمس، تفتيش مهين، كانت الخوليا آية خطيب، كنت معزولة بقبر وفجأة شفت بنات، آية ملاك، وصلت الساحة والمطر بنزل عليّ، انبسطت، عبطتني آية وحضنتني.
سالي بغرفة 1، برفقة القاصرة هناء حمّاد.
الوضع كان سيئ لما جيت، واليوم أسوأ بكثير. اليوم دخلوا ع الغرف، وأخذوا أواعي الشاباص. ظل غيار واحد.
الأمل معيّشنا. الأخبار بتلعب فينا.
بنتشكّرك على فشّة الغل.
سلّم على إمي وأبوي كثير، مشتاقة نقعد ونحكي (افتحوا المصحف سورة البقرة أية 154157، سورة الرعد آية 24، حفظت من سورة البقرة ويس والكهف)، وخوالي وخالاتي، وصاحباتي (خاصة شذى وعُريب، ويارا مشتاقة ألعب ببجي معهن)، ومشتاقة لملاتيت أم بلال، وسلامات لولاد أعمامها، تامر ويامن وساندي، وأعمامها وعمّاتها، وسيدها ومرته (هيني انحبست قبل ما تطعميني فسيخ)، ومعلمتها أم أحمدـ والأستاذ سميح، والجيران. تطلب من والدتها تحضّر أواعي الاستقبال، وخلّي سيلين رابطة شعرها قرون، وتبارك لبنت خالتها وابن خالها بالخطوبة.
طلبت إيصال رسائل حرائر الدامون إلى أهاليهن، ولاء حوتري، هناء حماد، آية، ياسمين، شاتيلا، حنين جابر، رماء، فداء عساف، زهراء (بوّسولي كرم وزين وفرح)، ميسون، كرمل، فاطمة منصور، أماني نجار، إسلام شولي، لينا المحتسب، ربى دار ناصر، أسيل حماد، بنان أبو الهيجا، شهد حسن، بشرى/ عروس الدامون، سامية جواعدة، ميرفت، ماسة، أم خليل، سلام كساب، سناء دقة/ أم ميلاد، إباء الأغبر كرم موسى.
وحين افترقنا قالت: “أمي وأبي: جهزوا حاكم، رايحه أرجع أئم فيك، بنساوي أجواء في الغرفة، بنرقص وبننشد، دورة قرآن علّمتني كثير، وهيني بعلّم ببنت معي”.
بنادوني الصبايا وردة القسم وزهرة الدامون، مدللينّي ومدلعينّي.
لكما عزيزتيَّ لينا وسالي أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا تموز 2025