أمد/ بكل أمانة، ترددتُ كثيرًا في الكتابة.
أنا، في الأصل، لا أحفل بالأعياد ولا بالذكريات، لا على الصعيد الشخصي ولا العام، ولا أجد ما يستحق الاحتفال أو التهنئة.
ما زلت أردد في كل مناسبة:
عيدنا يوم عودتنا… أو يوم حريتنا.
تمرّ هذه الأيام الذكرى الأولى لسقوط بشار الأسد.
لن أشمت به بعد رحيله، وإن كنتُ معارضًا شرسًا لنظامه ولأسرته، وأعلم مقدار الدناءة والانحطاط اللذين بلغهما.
من تجرأ على كرامة شعبه وحريته لا يمكن أن يكون رافعةً للمقاومة، ولا سندًا لتحرير فلسطين.
بشار الذي ترك الجولان، وهي الأقرب، وفتح البلاد لغيره ليقاتل عنه، كان يتاجر بدماء الآخرين ليستر عورته.
تآمر على أمته وباعها، وسقط في النهاية ذليلًا هاربًا…
وها هي الأيام تُبدي لك ما كنتَ جاهلًا.
كان يزدري المقاومة، ويقرف من سوريا، ويغازل عدوه بلسان السخرية.
سقط “الأسد” الذي بحث بشار عن اسم حيوان آخر ليحمله، وكأن الاسم يمنح الهيبة.
أما سقوطه، فكان أقرب إلى مسرحية أُعدّت على نارٍ هادئة، وربما كان جزءًا منها.
ثم جاء الجولاني.
أبو محمد، زعيم القاعدة التي خلعت ثوبها، فصارت جبهة، ثم هيئة، ثم مشروعًا مكتمل الأركان.
جمعت له الفصائل، وفُرخت له التنظيمات، وأُعطي قطاعًا من سوريا تحت مظلة أمريكية، يربط تركيا بالأكراد.
نجح الأمريكيون في تلميعه، وصُقلت صورته، وتعلم في مدارسهم السياسية ما يكفي لأداء المهمة.
غيّر اسمه ليستعيد “شرعيته”،
وغيّر لباسه ليستسيغه “العلمانيون”،
وغيّر لغته ليخاطب العالم.
لا تسمع منه آية ولا حديثًا،
ولا خطابًا دينيًا،
حتى إن كثيرًا من العلمانيين واليساريين باتوا أكثر تدينًا في لغتهم منه.
جاء ومعه منصات الجرائد، وعدسات الإعلام، وحديث الحريات والنساء.
فتح سجون دمشق، وترك آلاف المعتقلين في إدلب.
أغلق الباب في وجه المقاومة، وأعلن أن لا عداء له مع أحد…
وكان المقصود واضحًا: إسرائيل أولًا وآخرًا.
صار من مطلوب الرأس إلى نجم تلفزيوني.
يُستقبل، ويُحتفى به، ويصفه ترامب بـ”القائد العظيم”.
وهنا أقول:
إذا جاءتني المذمّة من ناقص، فهي الشهادة لي بأني كامل.
الأسد كان مشروعًا،
والجولاني مشروع.
ولا مصلحة لنا في أيٍّ منهما.
قد يبدل جلده ولغته،
لكن الطبع يغلب،
والأيام بيننا.
رأينا شيئًا من طباعه في الساحل والسويداء،
وفي دمشق مع الفصائل الفلسطينية،
بصرف النظر عن الخلاف أو الاتفاق معهم.
قلنا للسوريين:
مبروك الخلاص من بشار.
ونقولها اليوم بصدقٍ مُرّ:
كان الله في عونكم على الجولاني وأيامه.
